هل تُقرب كارثة الزلزال ما أبعدته السياسة بين الجزائر والمغرب؟
قد يكون من المبكر البناء على إمكانية نجاح دبلوماسية الكوارث في إذابة الجليد في العلاقة بين المغرب والجزائر، لكن الرهان قد يكون على نجاح الدبلوماسية الشعبية بين البلدين.
سيبقى يوم الجمعة 8 أيلول/سبتمبر 2023 يوماً عالقاً في ذاكرة الشعب المغربي، بعدما شيع ما يزيد على 2122 ضحية نتيجة كارثة الزلازل التي ضربت البلاد، والتي تداعت لها دول العالم، معلنة تضامنها مع المغرب وعرض المساعدة في البحث عن ناجين تحت الأنقاض.
رغم فداحة الكوارث، فإنها لا تخلو من بصيص أمل بات يُعرف في عُرف العلاقات الدولية بدبلوماسية الكوارث؛ فجميع دول العالم بمختلف تصنيفاتها في النظام الدولي معرضة للكوارث الطبيعية.
قبل 7 أشهر، وتحديداً فجر 6 شباط/فبراير الماضي، ضرب زلزال مزدوج جنوب تركيا وشمال سوريا، وخلّف أعداداً كبيرة من الضحايا والخسائر. ورغم فداحة الكارثة، فإنَّها كانت فرصة للكشف عن أهمية الدبلوماسية الإنسانية في خدمة الشعوب وفتح آفاق التعاون بين الدول وتجاوز خلافتها السياسية، ولا سيما وقت الكوارث والزلازل.
لم يمنع الخلاف السياسي الحاصل بين الدولتين الجارتين المغرب والجزائر من إذابة الجليد بينهما. فور وقوع الكارثة، تداعت الجزائر معلنة رسمياً تضامنها مع الشعب المغربي الشقيق، وأبدت استعدادها في بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية لتقديم المساعدات وكل الإمكانات المادية والبشرية في حال طلب المغرب ذلك، وقررت في خطوة يتوقع أن يكون لها ما بعدها فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الإنسانية والطبية نحو المغرب.
تَطوُر الموقف الجزائري من مجرد إبداء التضامن مع المغرب إلى الخطوات العملية ليس تحولاً عابراً رغم العلاقات المتوترة. جدية الموقف الجزائري تجلت في إعلان وزارة الخارجية الجزائرية تجهيز "مخطط طارئ" لمساعدة المغرب في مواجهة تداعيات الزلزال. وقد أعدت من أجل ذلك فريق إنقاذ من الحماية المدنية الجزائرية قوامه 80 عنصراً متخصصاً في البحث تحت الأنقاض وتجهيز مساعدات إنسانية ولوجستية، معلنة أنها تنتظر الإشارة من المغرب للتحرك.
تحرك الجزائر الرسمي خطوة صوب المغرب عقب الزلزال لم يكن مجرد تحريك للمياه الراكدة، وهو ما التقطه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي أشاد بموقف الجزائر، وقال في حسابه عبر منصة "إكس": "أحيي الموقف العروبي الأصيل من الجزائر في الوقوف إلى جوار المغرب في كارثة الزلزال، بما في ذلك فتح المجال الجوي وإبداء الاستعداد للمساعدة. هكذا هي الروح التضامنية العربية التي نسعد برؤيتها تسود بين الإخوة. لعل ذلك يُبنى عليه لاحقًا".
والناظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي يتفاءل بحجم التعاطف وحملة التضامن الشعبي الذي أبداه الشعب الجزائري تجاه أشقائه في المغرب، وكانت لافتة مشاركة نجوم المنتخب الوطني الجزائري الذين نشر جلهم عبر صفحاتهم رسائل التعزية والمواساة للشعب المغربي.
وتقدم الكاتب الصحفي الجزائري احميدة العياشي بتعازيه للمغاربة، وقال في منشور في حسابه في فيسبوك: "أعزي نفسي وأشقائي في المغرب"، معتبراً أن "الإخوة في المحنة والشدائد هي ما ينقذ إنسانيتنا ويمنحها روح العزة والقوة المتجددة".
وكتب وزير الثقافة الجزائري الأسبق الدكتور محيي الدين عميمور في افتتاحية مقاله في صحيفة "رأي اليوم": "لا يمكن لأي كلمة، مهما كانت بلاغتها وأهميتها، أن تسبق أولوية تسجيل التعاطف الكامل والمطلق مع الشعب المغربي الشقيق في مصابه الأليم بالهزة الزلزالية التي ارتعدت لها عواطفنا واهتزت نفوسنا، بحيث كدنا نفقد المقدرة على التعبير عن الألم والحزن أمام الكارثة التي أصابت منطقة مراكش العزيزة ككل مناطق الوطن الكبير. ولا أملك هنا أكثر من الدعاء للعلي القدير بأن يرحم شهداء الكارثة، ويعجل بشفاء المصابين، ويمنح المغرب الشقيق القدرة على تضميد الجراح، بكل ما تعنيه كلمة الجراح".
"إغاثة أهلنا في المغرب"، بكل ما يحمله الشعار من دلالات، كان عنواناً لحملة تضامن شعبية عاجلة أطلقتها جمعيات جزائرية لجمع التبرعات لفائدة ضحايا الزلزال الذي ضرب المغرب.
لم تقتصر روح التضامن أو ما يُعرف بدبلوماسية الكوارث بين الشقيقتين المغرب والجزائر على كارثة الزلزال؛ في 25 تموز/ يوليو الماضي، قدمت الحكومة المغربية تعازيها للجزائر في وفيات حرائق الغابات، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية إن "المملكة المغربية تتابع ببالغ الأسى والأسف حرائق الغابات التي اندلعت في عدد من المناطق بالجمهورية الجزائرية".
وأضاف البيان: "وفي هذه المناسبة الأليمة، تتقدم المملكة المغربية بصادق التعازي لما خلفته هذه الحرائق من خسائر في الأرواح، وخالص المتمنيات بالشفاء العاجل للمصابين". التقارب إذاً ممكن ومتاح، ولعل دبلوماسية الكوارث تفلح في ذلك، ولا سيما أن هناك أرضية مشتركة وإشارات إيجابية حتى قبل وقوع كارثة الزلزال يمكن البناء عليها.
يعلق في ذاكرتي تصريح وتلميح مباشر لا مواربة فيه، أتى على ذكره ملك المغرب محمد السادس في 30 تموز/يوليو الماضي، اعتبر فيه أن العلاقات بين المغرب والجزائر "مستقرة"، وأعرب عن أمله في "عودة الأمور إلى طبيعتها" بين البلدين وفتح الحدود بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وأضاف في خطابه المُتلفز أن "المغرب لن يكون أبداً مصدراً لأي شر أو سوء للجزائر"، وبيّن أن بلاده تولي أهمية بالغة "لروابط المحبة والصداقة والتبادل والتواصل بين الشعبين المغربي والجزائري".
رغم قطع العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر في 24 آب/أغسطس 2021، فإن علاقات الترابط والتاريخ والمصير المشترك بين الجزائر والمغرب ليست وليدة لحظة عابرة على أنقاض الزلزال، وما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما، حتى لا يكاد المرء يفرق بين المغربي والجزائري. وقد أمضيت في الجزائر 5 سنوات التقيت خلالها أشقاء مغاربة لم أكن أميز الجزائري من المغربي على الإطلاق.
توتر العلاقات البينية العربية وتلاشي مشروع الوحدة القومية العربية الذي كان حلماً لقائمة طويلة من المفكرين العرب الذين أمضوا جل عمرهم من أجل تحققه، كساطع الحصري وقسطنطين زريق وميشيل عفلق وشكيب أرسلان وغيرهم، أمر واقع لا يمكن تجاهله والتغافل عنه، والتوتر الحاصل في العلاقات السياسية بين المغرب والجزائر ليس بمعزل عن هذا الواقع.
في المقابل، فإن واقعية العلاقة ومحدداتها تقتضي تجاوز الجمود الحاصل، لا سيما أن التحديات كبيرة وخطرة في ظل ما تشهده القارة الأفريقية من تحولات ومتغيرات لا تقبل استمرار القطيعة.
عندما عادت العلاقات الدبلوماسية في أيار/مايو 1988 بين الجزائر والمغرب، لم يمضِ إلا بضعة أشهر حتى أُعلن في مراكش قيام اتحاد المغرب العربي في 17 شباط/فبراير 1989، ليضم المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا، ويصبح كتلة أفريقية عربية وازنة، أفضت لاحقاً إلى تشكل كتل عربية وإقليمية مماثلة، ولم تكن حينها المتغيرات والتحديات والمخاطر ولا طبيعة النظام الدولي كما هي اليوم.
إن الناظر إلى عموم العلاقات العربية البينية وعلاقة الجزائر والمغرب على وجه الخصوص يجد أن ما يربط بين هذه الدول سياسياً وشعبياً واقتصادياً أكثر وأكبر مما يفرقها، ويجد أنّ كل محددات التوتر والقطيعة مرتبطة بمتغيرات خارجية في المركز، منها كيان الاحتلال، فهل يعقل أن تصبح العلاقات العربية رهينة لهذا المتغير الذي لا يُخفي استهدافه للوحدة العربية؟
قد يكون من المبكر البناء على إمكانية نجاح دبلوماسية الكوارث في إذابة الجليد في العلاقة بين المغرب والجزائر، لكن الرهان قد يكون على نجاح الدبلوماسية الشعبية بين البلدين في تحقيق ما فشلت فيه السياسة الرسمية، لعل كارثة الزلزال تقرب ما أبعدته السياسة.