هل تفجر أطماع إثيوبيا في منفذ بحري منطقة القرن الأفريقي؟
في الوقت الذي لاذ فيه الاتحاد الأفريقي الذي تستضيف أديس أبابا مقره بالصمت، دانت جامعة الدول العربية الخطوة الإثيوبية، ورفضت على لسان المتحدث باسمها استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية في الصومال لاقتطاع جزء من أراضيه.
بعد شهرين ونصف من تصريحه الذي قال فيه:" إن حصول إثيوبيا على منفذ بحري لبلاده بات مسألة حياة أو موت، وأنه حان الوقت لمناقشة الموضوع علناً من دون مواربة، وأن البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يحددان مصير إثيوبيا، وأساس تنميتها أو تدميرها"، وفي اليوم الأول من هذا الشهر، وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي مذكرة تفاهم مع "رئيس" أرض الصومال "صومالي لاند" التي أعلنت انفصالها عن الصومال في أيار/ مايو 1991، من دون أن تحظى بأي اعتراف من أي دولة في العالم.
في كلمته التي ألقاها في حفل التوقيع على مذكرة التفاهم، قال "رئيس" أرض الصومال موسى بيهي عبدي: "من المقرر أن تصبح جمهورية إثيوبيا الفيدرالية أول دولة أفريقية تعترف رسمياً بجمهورية أرض الصومال، وستقوم جمهورية أرض الصومال بتأجير 20 كيلومتراً من البحر لإثيوبيا، وستتمكّن إثيوبيا من استخدام ميناء بربرة.
وبحسب مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، فإن مذكرة التفاهم تهدف إلى تحقيق الشراكة والتعاون، بين جمهورية إثيوبيا وأرض الصومال، ولتكون إطاراً لتعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بين الجانبين، وتمهيد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية.
وتشير مصادر إلى أن الاتفاق سيمكّن إثيوبيا من استئجار منفذ في البحر الأحمر من أرض الصومال لاستخدامه كقاعدة عسكرية، ولأغراض تجارية لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بدولة أرض الصومال ومنحها حصة من أسهم في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية التي تعدّ أكبر شركة طيران في القارة الأفريقية، أو أسهماً في شركة الاتصالات الإثيوبية (إثيو تيليكوم).
أثار توقيع هذه المذكرة غضبة دولة الصومال التي استدعت سفيرها من أديس أبابا للتشاور، وأعلنت رفضها وإدانتها لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال، ووصف بيان صادر عن مجلس وزرائها المذكرة بالباطلة، وأنها تمثل انتهاكاً لسلامة الصومال ووحدة أرضه، وقال البيان أن أحداً لا يستطيع التصرف أو التنازل عن أي جزء منها.
أثار التوقيع على هذه المذكرة ردود أفعال إقليمية من دول عدة، إذ دانت جيبوتي المذكرة وعبّرت عن رفضها لها؛ كونها تمس وحدة دولة الصومال وسيادتها، وعبّر السودان عن موقف مماثل للموقف الجيبوتي الرافض لتفتيت وحدة دولة ذات سيادة وتتمتع بعضوية الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة، وكان موقف مصر الرافض للمذكرة والداعم لموقف دولة الصومال قوياً على لسان الرئيس المصري في المكالمة التي جرت بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اليوم التالي لتوقيع مذكرة التفاهم.
وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأربعاء الماضي، ضرورة الاحترام الكامل لوحدة جمهورية الصومال الفيدرالية وسيادتها على كامل أراضيها، ورفضها لأي إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده، وحذّر البيان من خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها، والتي تقوّض عوامل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها.
وشدّدت مصر على ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها، وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
جدير بالذكر، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترتبط بعلاقات وثيقة مع دولة إثيوبيا، وأن شركة موانئ دبي سبق أن وقّعت اتفاقاً مع أرض الصومال "صومالي لاند" عام 2016 بقيمة 442 مليون دولار لتشغيل مركز تجاري ولوجستي إقليمي في ميناء بربرة، ووقعت معها اتفاقية أخرى عام 2018 لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة بحصة بلغت 51 % من المشروع لصالح الشركة، و30% لصالح أرض الصومال، و19% لصالح إثيوبيا.
وفي ظل هذه العلاقات المميزة بين الدولتين، اشترك سلاح الطيران في البلدين في العرض العسكري المشترك الذي تم في 16 كانون الأول/ ديسمبر في إحدى القواعد العسكرية الإثيوبية.
في الوقت الذي لاذ فيه الاتحاد الأفريقي الذي تستضيف أديس أبابا مقره بالصمت، دانت جامعة الدول العربية الخطوة الإثيوبية، ورفضت على لسان المتحدث باسم الجامعة استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية في الصومال لاقتطاع جزء من أراضيه، لمخالفة ذلك مبادئ القانون الدولي وقواعده، ووصفت الجامعة مذكرة التفاهم بالباطلة وغير المقبولة، وعبّرت عن تضامنها مع الصومال.
جاء التوقيع على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال "صومالي لاند" بعد أيام قليلة من مباحثات مشتركة جرت بين حكومة الصومال وأرض الصومال بمبادرة ورعاية من الرئيس الجيبوتى إسماعيل عمر جيلي بحث وحدة أرض الصومال ووحدة كيان الدولة، كما جاء التوقيع في ظل أزمة سياسية داخلية في إثيوبيا التي تشهد حروباً وصراعات داخلية بين السلطة المركزية وعدد من الأقاليم ذات الثقل السياسي والديموغرافي، ومن أمثلة هذه الصراعات الصراع مع الأورومو والأمهرا والتقراي وبني شنقول، وهي صراعات تهدد وحدة إثيوبيا التي تمضي عبر مذكرة التفاهم هذه إلى الاعتراف بانفصال أرض الصومال عن الوطن الأم، من دون اعتبار لانعكاس ذلك على أوضاع إثيوبيا الداخلية القابلة للتفاقم، والذي يمكن أن يفضي إلى التأثير السلبي على سلامة أراضيها ووحدتها.
كما يجيء التوقيع على هذه المذكرة، في ظل احتدام الصراع في البحر الأحمر، لا سيما بعد دخول اليمن وبشكل رسمي مناصراً لفلسطين في مواجهة الحرب التي أشعلتها "إسرائيل" في غزة منذ 3 أشهر، وفي ظل محاولات غربية -صهيونية تقودها أميركا لتشكيل تحالف دولي لمواجهة اليمن، ولتحييده من المشاركة في الصراع العربي-الإسرائيلي الذي تمثل الحرب في غزة وعليها تجلياً من تجلياته. وليس بعيداً من ذلك، تجيء الجهود الفرنسية الداعمة لإثيوبيا والمحرضة لها لاستعادة الدور العسكري للإمبراطورية الإثيوبية في البحر الأحمر، والذي فتح له التوقيع على مذكرة التفاهم أفقاً جديداً يعزز الشراكة الثلاثية الإثيوبية-الإماراتية في أرض الصومال، وتدفع بها في أتون الصراع الدولي على البحر الأحمر بمياهه وسواحله وموانئه، وعلى منطقة القرن الأفريقي بموقعها الجيواستراتيجي.
إن الدور الفرنسي المعلن في منطقة القرن الأفريقي، والأدوار الأخرى المستترة من "إسرائيل" ودولة عربية حليفة لها، تعمق الصراع الدولي بين روسيا والصين من جهة والمعسكر الكلونيالي ممثلاً في فرنسا وبريطانيا وأميركا من جهة ثانية، خاصة في ظل تمدد النفوذ الصيني -الروسي في أفريقيا على حساب النفوذ الكلونيالي الغربي التاريخي في القارة السمراء، قارة الموارد والمستقبل.
لا ريب أن الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا في الأول من هذا الشهر مع أرض الصومال، ستجدد الصراعات مع إثيوبيا، فالصومال الذي ما يزال يطالب باسترداد إقليم أوغادين الصومالي من إثيوبيا يواجه تحدي المحافظة على أراضيه الحالية من أي أطماع جديدة، وأرتريا التي دخلت في حرب مع إثيوبيا بسبب الصراع على أراض أرترية، أثار قلقها تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي الذي عبّر فيه عن مطامع بلاده في منفذ بحري، ودفعها إلى الاستعداد للحرب، والسودان الذي استرد جزءاً من أراضيه في منطقة الفشقة من إثيوبيا ما يزال جيشه رغم الحرب الدائرة في الخرطوم ودارفور يوجه فوهات بنادقه نحو إثيوبيا، وجيبوتي التي لطالما عدّت إثيوبيا المهدّد الاستراتيجي للأوضاع فيها تعبّر عن تعاظم مخاوفها من الأطماع والسياسات الإثيوبية، ومصر التي تربطها علاقات قوية بأرتيريا والصومال وجيبوتي والسودان، ترى في إثيوبيا خطراً استراتيجياً عليها، خاصة بعد أزمة مشروع سد النهضة ورفض إثيوبيا إبرام اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات ملء وتشغيل السد ليحفظ لدولتي المصب حقوقهما، وليزيل مخاوفهما.
وهنا، تبدو الخطوة الثنائية الإثيوبية مع أرض الصومال الباحثة عن الاعتراف بها، خطوة أدخلت منطقة القرن الأفريقي في شقاق وتنازع جديد، ينذر بمخاطر كبيرة تحدق بهذه المنطقة ذات الحساسية الاستراتيجية في ميزان الصراع الدولي بتداخلاته وانعكاساته الإقليمية.