هل تعصف خلافات أسرة الرئيس التشادي بسلطته؟
يواجه حكم الرئيس التشادي الشاب تحديات كبيرة لا تهدّد وجوده في الحكم فحسب، إنما تهدّد حالة الاستقرار في سائر أراضي الجمهورية التشادية، وتتهدّد وحدة أراضيها وشعبها.
تشهد تشاد حالة من التوتر السياسي منذ أن تولى محمد إدريس دبي السلطة فيها خلفاً لوالده في العام 2021 برغم نجاحه في عقد مصالحة وطنية مع عدد مقدّر من الأحزاب السياسية المعارضة برعاية قطرية نهاية العام المنصرم. ويواجه حكم الرئيس الشاب تحديات كبيرة لا تهدّد وجوده في الحكم فحسب، إنما تهدّد حالة الاستقرار في سائر أراضي الجمهورية التشادية، وتتهدّد وحدة أراضيها وشعبها.
بعد مقتل الرئيس السابق إدريس دبي في نيسان/أبريل 2021، كان ابنه محمد هو خيار فرنسا لخلافة والده الذي ظل محتفظاً بعلاقات وثيقة مع فرنسا المحتل السابق لبلاده. فقد نشأ الرئيس الجديد تحت عين ورعاية فرنسا، وقد هيّأه والده لذلك ليخلفه على رئاسة تشاد وليضمن بذلك استمرار سيطرة قبيلته على مقاليد الحكم في هذا البلد الأفريقي. وقد اختار إدريس ابنه محمد لهذا الدور لأنّ والدته عربية تنتمي إلى قبيلة القرعان التي هاجرت من الجزيرة العربية إلى المشرق العربي وإلى السودان وتشاد واليمن، ليضمن ولاء عرب تشاد الذين ظلوا عبر التاريخ المنافس الأهم على السلطة.
توافقت أسرة إدريس دبي على اختيار اللواء محمد دبي لخلافة والده نظراً لعلاقته الوثيقة مع فرنسا التي تلقّى فيها علومه العسكرية وشاركها العمل ضمن الحملة العسكرية الفرنسية لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي بشكل عام وفي جمهورية مالي بصفة خاصة. وقد جاء ذلك التوافق مستنداً لها الاعتبار وليكون خطوة انتقالية نحو وراثة أسرة دبي للسلطة بعد نهاية الفترة الانتقالية التي حُدّدت بعام ونصف العام قبل أن يضيف إليها الرئيس الانتقالي محمد دبي عامين إضافيين بعد الحوار الوطني الذي أجراه مع المعارضة السياسية في بلاده.
كان تمديد الفترة الانتقالية من عام ونصف العام إلى 3 أعوام ونصف العام معطى من ضمن معطيات أخرى رصدها كبار القادة العسكريين المنتمين لأسرة الرئيس الراحل إدريس دبي وشكّلت لهم حالة من القلق والإزعاج، حيث رأوا فيها محاولة من الرئيس الانتقالي محمد دبي لتوطيد أركان حكمه بعيداً عن مخطط الأسرة ومن خلفها قبيلة الزغاوة. وقد زادت من حالة القلق سياسات الرئيس الانتقالي التي قرّب عبرها أسرة والدته وقبيلتها وكذلك سعيه الدؤوب لتمكينها من مفاصل السلطة التي كانت حتى آخر يوم من حياة والده حقاً حصرياً على أسرة دبي وقبيلة الزغاوة، ورأوا في ذلك محاولة لإعادة القرعان والقبائل العربية إلى السلطة من جديد، الأمر الذي يؤدي إلى انفراد الرئيس الانتقالي وأخواله بالسلطة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر ومهدّدات على مخطّطها الاستراتيجي الهادف إلى بعث سلطة ومجد الزغاوة في تشاد ومحيطها.
لهذا، نشأت خلافات حادة داخل أسرة دبي حول مستقبل السلطة ووجود الأسرة والقبيلة فيها واستمرار إمساكها بالقرار وبمفاصل الدولة التي تمكّنوا منها بعد إطاحتهم بسلطة الرئيس الأسبق حسين حبري المنتمي لقبيلة القرعان العربية في العام 1990، لذلك تصدّر أشقاء الرئيس السابق إدريس دبي التيار المناوئ للرئيس الانتقالي محمد دبي فاتسعت الشقة بينهم وبينه، وقد بلغت حدة الخلاف بينهم إلى حد اتهام صالح دبي شبكة بأنها خططت ونفّذت عملية اغتيال شقيقه إدريس واتهم الجنرال محمد بالمشاركة فيها ليخلف والده في السلطة.
إزاء ذلك، بدأ الرئيس الانتقالي في تعزيز أمنه الشخصي وأمن نظام حكمه بتعزيز دور أخواله في الدوائر الأمنية وفي الجيش تأميناً لشخصه وتحصيناً لسلطته التي باتت مهددة في نظره من قبل أعمامه وأسرة والده، وهو ما زاد الفرقة بين الطرفين وعزّز المخاوف المتبادلة بينهما. وقد تعزّزت هذه المخاوف واتسعت دائرتها فشملت سائر قبيلة الزغاوة الممتدة من تشاد حتى دارفور في غرب السودان، كما شملت القبائل العربية الممتدة كذلك من تشاد وحتى دارفور، وقد تأثرت دوائر دولية بهذه المعطيات وألهبت من جديد حدة الصراع الدولي على تلك الجغرافيا بامتداداتها الجيوسياسية، وتجدّد الصراع بين روسيا وفرنسا في تشاد بسبب صراعها الجديد، كما دخل السودان وأفريقيا الوسطى وأميركا أطرافاً في الصراع الشادي على النحو الذي سنستعرضه في مقال آخر.