نحن وأطفالنا ضحايا "الغباء" الاصطناعي.. وإيلون ماسك!
إيلون ماسك نفسه كان أحد المستثمرين في شركة "OpenAI" التي أطلقت "ChatGpt3" المثير للجدل، قبل أن يُعلن في شباط/فبراير 2018 التنحي عن عضوية مجلس الإدارة، ولكنه بقي مساهماً في الشركة.
"نحن بحاجة إلى توخي الحذر الشديد مع الذكاء الاصطناعي. من المحتمل أن يكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية".
إيلون ماسك – آب/أغسطس 2014.
"إنه عالم جديد. الوداع للفروض المنزلية!".
إيلون ماسك - كانون الثاني/يناير 2023، في تعليقه على "ChatGpt3"؛ أداة الدردشة المدمجة بالذكاء الاصطناعي، التي تثير جدلاً واسعاً بسبب استخدامها في إنجاز مهام عديدة، من تقديم المشورة والأجوبة إلى البحث والكتابة.
تفصل 9 سنوات ما بين تصريحين على طرفي نقيض من شخص واحد استثنائي في التاريخ الحديث، لا لعبقريته أو حجم ثروته، بل لأنه ببساطة يستطيع التأثير بتغريدة واحدة في حياة الملايين من البشر. بعدما كان من "الحريصين" على التعامل مع الذكاء الاصطناعي، بات ماسك من المهللين له من باب أخطر قطاع في بناء المجتمعات وأكثرها أهمية: التعليم!
وعلى الرغم من أنَّ الأداة نفسها تحذر من احتمال تقديمها إجابات مضلّلة، فإنَّ الإقبال عليها لم يتأثر، بل إن الخادم (Server) الرئيسي المشغل لها بات يرزح تحت ضغط هائل أدى مرات عديدة إلى تعطل الموقع المضيف لأوقات طويلة نتيجة ضغط الزوار المستخدمين.
ومع ذلك، فإنَّ مخاطر "ChatGpt3" لا تكمن في إمكانية مساهمتها في تشكيل المعرفة "الناقصة" فحسب، بل في تبعاتها الكارثية على مستوى الأذهان أيضاً، بعد أن نعتاد الحصول على كل شيء من دون أي جهد عقلي، ما يطرح أسئلة بالغة الحساسية عن تبعات الواقع الذي يفرضه ما يُسمى الذكاء الاصطناعي على أهم عضو في جسم الإنسان: الدماغ، بعد أن تطور التكنولوجيا المحيطة بنا مهامها إلى حد إدارة الوظائف الحيوية كالتنفس، وتلغي الوظائف العليا كالذاكرة والتعلم!
في الأيام القليلة الماضية، تم حظر الأداة في مدينة نيويورك في المدارس كافة بطلب من دائرة التعليم. لم يشمل الحظر الطلاب فحسب، بل طال أيضاً المعلمين الذين بات أي منهم يستطيع كتابة اختبار أو مادة كاملة بضغطة زر!
أما في بريطانيا، فقد انكبت دائرة مراقبة الامتحانات المدرسية على بحث كيفية اكتشاف الغش المستند إلى الذكاء الاصطناعي، بعدما أظهرت اختبارات ميدانية أن الأداة تستطيع كتابة موضوع باللغة الإنكليزية أو في مادة التاريخ ينال علامة لا تقل عن 6 من 10.
وعلى الرغم من إمكانية اجتراح حلول بسيطة، كالاختبارات الشفهية المباشرة، فإنّ وجود تقنية مماثلة سيغير الكثير في مستقبلنا القريب.
الفرضية الأولى التي يمكننا الحديث عنها إزاء خطر الذكاء الاصطناعي (مفردة "ذكاء" شديدة الخداع) هي أن "التفكير النقدي" ومهارات حل المشكلات لدى الناشئة تواجه خطر التدهور بسبب الاستعاضة عنها بأدوات برمجية تعتمد قالباً لغوياً آلياً.
ولكن بما أننا نحتاج إلى مدى زمني أطول لنحكم علمياً على الأعراض النفسية والعقلية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، فالجانب الإشكالي الآخر الذي يمكننا الحديث عنه الآن – مجدداً – هو إيلون ماسك، لا بسماته الشخصية، بل كفرد يمتلك قوة تأثير هائلة في واقعنا واقتصادنا وتربية أطفالنا وعالمنا من دون الخضوع لحسيب أو رقيب.
ولمن لا يعلم، فإنَّ ماسك نفسه كان أحد المستثمرين في شركة "OpenAI" التي أطلقت "ChatGpt3" قبل أن يُعلن في شباط/فبراير 2018 التنحي عن عضوية مجلس الإدارة، ولكنه بقي مساهماً في الشركة، علماً أنَّ متابعة مواقف الرجل إزاء تطوير الذكاء الاصطناعي يطرح أسئلة جدية عن أخلاقياته ومدى تضارب مصالحه المادية مع مواقفه المثيرة للجدل.
في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014، وصف ماسك الذكاء الاصطناعي، في مناسبتين مختلفتين، بأنه "أكبر خطر وجودي" على البشرية، وقال: "إننا نستدعي الشيطان"، وواصل التحذير من هذه التقنية طوال الأعوام اللاحقة، حتى أيلول/سبتمبر 2019 حين لمّح للمرة الأولى إلى إمكانية تطبيق الذكاء الاصطناعي للتلاعب بشبكات التواصل الاجتماعية. وفي شباط/فبراير 2020، احتفى ماسك بنجاح "تسلا"؛ شركته لصناعة السيارات الذاتية القيادة، في استخدام الذكاء الاصطناعي لحل مشكلات منتجه.
بعدها صرتم تعرفون الحكاية: اشترى ماسك "تويتر"، وحار المتابعون في تفسير دوافعه، وخصوصاً أن المنصة كانت تشهد تراجعاً ملحوظاً في قيمتها المادية. ومع أنَّ حيازة "تويتر" لم ترتبط آنذاك باختبارات على الذكاء الاصطناعي بالضرورة، ولكنها بالتأكيد ترتبط بعالم العملات الرقمية المشفرة، لكون ماسك أثبت أنه أحد أهم المؤثرين، بل "المتلاعبين"، بأسعارها.
من الواضح أنه لا يمكن ضبط رجل بحجم إيلون ماسك إلا بقرار من حكومات قوية، ولكنّ عصرنا يُفرز آلاف النسخ من ماسك دورياً، تارةً عبر مؤثرين في "تيك توك" و"يوتيوب"، وطوراً عبر "الأثرياء الجدد" الذي أتاحت لهم ظروف موضعية تحقيق "نجاحات" فارغة من أي معنى فكري عميق، وصاروا مثالاً أعلى يُحتذى بهم، لا لشيء، إلا لأنّ معايير البشر في تقييم ما هو حسن وقبيح باتت أكثر التصاقاً بكل ما يلمع، وإن لم يكن ذهباً.