نتساريم لبنانية وأبراج ضد المقاومة
نحن أمام "نتساريم" في الجنوب اللبناني، وأمام المعضلة التفاوضية غير المباشرة، إذ ستتداخل معطيات بين مندرجات القرار الدولي 1701 من جهة، ومندرجات الترتيبات الحدودية من جهة أخرى.
الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في تثبيت الحدود المرسَّمة بين لبنان وفلسطين المحتلة، إنما توظيف الحرب على غزة بعد انتهائها بتحويل الجنوب إلى غزة لبنانية، أي إلى "قطاع" محاصر بين مطرقة اليونيفيل من جهة وسندان "جيش" الاحتلال في الشمال الفلسطيني من جهة أخرى، والأخطر هو تحويل الجيش اللبناني، بإقحام انتشاره في منطقة الليطاني، إلى ما يشبه كيس ملاكمة تقمعه القوات الدولية من الجنوب وقوات الاحتلال من الشمال، ما يخلق فرصاً يومية وعلى مدار الساعة لاحتكاكه بالمقاومة، وهذا ما لن يوافق عليه الجيش ولن توافق عليه المقاومة.
لذلك، تصر الورقة الأميركية على استثناء مزارع شبعا من مفاوضات تثبيت الترسيم بغية عزل المقاومة في تحركها لتحريرها، فإذا مارست فعلاً سيادياً فيها تُضرَب بالجيش واليونيفيل معاً. وبذلك، يتم وسمُها بفصيل يشارك في نزاع داخلي ضد الجيش من جهة وضد القوات الدولية من جهة أخرى، وهذا ما يسمى بعملية إلهاء المقاومة في الداخل وإغراقها في الوحول الداخلية اللبنانية، ما يؤدي إلى إسقاط صفة المقاومة التحريرية عنها، ما يؤدي إلى عزلتها ويضاعف من استهدافها من بعض الداخل اللبناني. لذلك، إن ورقة الولايات المتحدة الأميركية التي يتبناها هوكستين أكثر خطورة من الورقة الفرنسية.
من هذه الخلفية، تأتي مناورة إقامة الأبراج التي اقترحتها بريطانيا مؤخراً عبر حراك دبلوماسي ومخابراتي اعتبر أن وقف الحرب في لبنان مرتبط بتشييد الأبراج المذكورة، أي تحوير المسار الاستراتيجي من وقف الحرب على غزة إلى إقامة الأبراج في الجنوب. وبمعنى آخر تحويل الجنوب إلى غزّة جنوبية محاصرة، وخصوصاً إذا كانت مهمة هذه الأبراج مراقبة تحرك المقاومة في الجنوب وإرسال الداتا إلى العدو الإسرائيلي لتسهيل استهداف عناصر المقاومة في الجنوب.
من هذا المنطلق، فإن منطق الأبراج يفضي إلى توسيع رقعة الاحتلال الإسرائيلي غير المباشر في الجنوب وتفريغ مسألة تثبيت ترسيم الحدود من مضمونها السيادي في لبنان، فما نفع تثبيت الترسيم إذا كان سيتحول إلى انكشاف الحدود أمام العدو الإسرائيلي؟ الأبراج والحالة هذه ستكون الأداة لمزيد من الاستهداف الإسرائيلي، والجزرة التي ستُقَدَّم لمستوطني شمال فلسطين المحتلة من أجل تحفيزهم للعودة إلى المنطقة الشمالية.
نحن إذاً أمام عسكرة التسوية بما يضمن التفوق الإسرائيلي في المنطقتين الحدوديتين وأمام محاولة خطيرة لتحويل الجيش اللبناني إلى ما يشبه حرس حدود لـ"إسرائيل"، وهذا خطٌّ أحمر لن تقبل قيادة الجيش بتخطيه.
بناء على ما تقدم، نحن أمام "نتساريم" في الجنوب اللبناني، وأمام المعضلة التفاوضية غير المباشرة، إذ ستتداخل معطيات بين مندرجات القرار الدولي 1701 من جهة، ومندرجات الترتيبات الحدودية من جهة أخرى، وربما تتحول قضية الأبراج إلى بند أساس يتم التفاوض عليه في مقابل القبول الأميركي الإسرائيلي بعبارة "إعادة التموضع" وقبولهما بإلغاء بند الكيلومترات في القرار الدولي، وبالتالي اعتبار إقامة الأبراج حلاً بديلاً يضمن للإسرائيلي تطبيق القرار الدولي.
بالطبع، تعي المقاومة في لبنان مناورة الأبراج. لذلك، نحن أمام مزيد من الاستعصاء، ولو أن الحراك الدبلوماسي يوحي بأن الحرب على غزة قد تضع أوزارها قريباً، وربما أيضاً يمكن للطرف اللبناني المفاوض أن يفرض على الوسطاء إقامة أبراج تساعد لبنان على وقف تدفق النازحين غير الشرعيين من سوريا إلى لبنان، لكن يبدو للأسف أن المجتمع الدولي مهتم بوهب لبنان مليار يورو، وليس مستعداً لإنفاق أقل من ذلك للمساهمة في وقف النزيف اللبناني من جراء تحمّل أعباء مليونَي مواطن سوري في لبنان.