مَنْ اغتال الحريري سياسياً؟ ومن المستفيد؟

بعد تعليقه العمل بالسياسة والانتخابات، يبقى السّؤال الوحيد المعلّق: هل ستذهب أصوات الطائفة السنية إلى حزب "القوات" بوصفه البديل السعودي للحريري؟

  • من وجَّه الضربة القاضية إلى الحريري كان الحليف السعودي
    من وجَّه الضربة القاضية إلى الحريري كان الحليف السعودي

لم تكن لحظة إعلان سعد الحريري تعليق عمله السياسي هي اللحظة الحاسمة في المستقبل السياسي للقيادي الكبير في حزب "المستقبل"، فقد تم القضاء على مشروع الحريرية السياسية قبل سنوات، وتحديداً في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما حطّت طائرته في السعودية واحتُجز فيها. 

أشارت المقرّرة الخاصّة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنييس كالامار، في تقريرها الأممي في العام 2019، إلى أنَّ الحريري تعرَّض للتعذيب النفسي في السعودية، كما تحدث بعض المحقّقين في الأمم المتحدة عن تعرضه للضرب والإهانة.

إنَّ من وجَّه الضربة القاضية إلى الحريري كان الحليف السعودي، وليس حزب الله أو إيران. وإذا ما أردنا أن ندخل في التفاصيل أكثر، فسنجد أنَّ خصوم الحريري هم الذين أنقذوه من الأنياب السعودية.

الرئيس ميشال عون وحزب الله هما اللذان رفضا "الاستقالة القسرية" التي قدَّمها الحريري من الرياض، وهما اللذان أرسلا رسائل عديدة إلى فرنسا والمجتمع الدولي بأنّ السعودية مسؤولة عن اختطاف رئيس الوزراء اللبناني. وبهذه التحركات، حال هؤلاء دون تحوّل عمليّة الاختطاف هذه من اختطاف رئيس وزراء دولة ذات استقلالية وسيادة إلى اختطاف مواطن عادي.

الحلفاء هم الذين غدروا، وما زالوا، بالحريري. وبحسب تسريبات صحف لبنانية، تحدث الرجل عن دور رئيس حزب "القوات اللبنانية" في عملية احتجازه في الرياض، كما تحدث عن المشاريع القواتية آنذاك. لا شكّ أبداً في أنَّ الحريرية السياسية كانت عاملاً أساسياً في الوضع المتردي الراهن الذي يعيشه لبنان، ولكن في الوقت نفسه، علينا الإشارة إلى أن الاغتيال السياسي السعودي للحريري جاء نتيجة مرونته في التعامل مع ملف حزب الله.

كان الحريري يؤمن بالتفاهم مع الأطراف الداخلية لحلِّ الأزمات (وإن كان قد فشل في معظم الأوقات)، إلا أنه لم ينتقل إلى الخطوة التالية التي لطالما حرضت عليها السعودية، وهي مواجهة حزب الله بأكثر من السياسة. 

إن الغضب السعودي على الحريري هو نتيجة رفض التصعيد ضدّ مكوّن لبناني ذي قاعدة شعبية وازنة. ولذلك، ظهر حزب "القوات اللبنانية"، بما له من تاريخ حافل بالمغامرات العسكرية وعدم الإلمام بمخاطر الحرب الأهلية، ليطعنه في الظهر، ويحلّ محلّه في الأولويات السعودية. 

ما قدَّمه جعجع وحزبه للسعودية هو مشروع جديد؛ مشروع متكامل نحو فوضى سياسيّة أو حرب أهليّة. يقوم هذا المشروع على 3 مقوّمات: العسكرة، والمواجهة الصريحة لا الضمنية، والسيطرة الانتخابية. لذلك، نجد أنّ المشروع القواتي جاء على أنقاض مشروع الحريري وتيار المستقبل. ولهذا تحديداً، حظي بالدعم المالي والإعلامي السعودي والخليجي.

بعد احتجازه في السعودية، كان لدى الحريري فرصة ذهبية لم يستغلّها، وهي العودة إلى الوطن ومصارحة قواعده الشعبية وحلفائه وخصومه بالحقيقة، إلا أنَّه عوّل مخطئاً على عودة الأجواء الإيجابية مع السعودية.

 لم تساهم سنوات تواجد الحريري في السلطة في طبع قراراته السياسية بالحكمة والنضج، فالرجل كان طارئاً على السياسة في لبنان، وكانت توأمته مع السياسة ضرورات فرضتها تلك المرحلة. وقد عاش بعدها مرحلة إدارة الأزمات بدلاً من حلّها.

 لقد خاف على التمويل السعودي في الوقت الذي كان يستطيع أن يعوّل على مصادر أخرى للتنمية. كان يمكنه أن يقود مشروعاً وطنياً متكاملاً قبل الانهيار العظيم في لبنان، ولكنّه رجَّح أن يبقى راكضاً خلف الحليف السعودي الذي اتخذ قراراً لا رجعة فيه.

بعد تعليقه العمل بالسياسة والانتخابات، يبقى السّؤال الوحيد المعلّق: هل ستذهب أصوات الطائفة السنية إلى حزب "القوات" بوصفه البديل السعودي للحريري؟

يبني العديد من المحلّلين رأيهم في هذا المجال على تحركات حزب "القوات اللبنانية" في مشروع تجيير الأصوات السنية لمصلحته. ولا يخفى على أحد انخراط بعض العناصر السابقة في المستقبل أو الطائفة السنية في هذا المشروع. وبناءً عليه، يعتقد بعض المحلّلين السياسيين والمراقبين أنَّ المستفيد الوحيد من هذا الانسحاب المؤقت هو حزب "القوات" ورئيسه سمير جعجع. 

ولكنَّنا إذا ما أردنا أن ننظر إلى المشهد بصورة كاملة قد نخرج بنتيجة معاكسة تماماً. بادئ ذي بدء، يجب التذكير بأن الطائفة السنية، بما لها من دور مهم ومحوري في بناء التاريخ الحديث للبنان، لم تبدأ بدخول رفيق الحريري عالم السياسة، ولن تنتهي بخروج سعد الحريري منها. تدرك قيادات تيار المستقبل وقواعده الانتخابية أنّ من ساهم بإعدام الحريري سياسياً هو السعودية، كما يدركون جيداً كيف تحولت الأموال السعودية من مكون لبناني إلى مكون آخر.

إنّ الحملات الشّعبية الغاضبة التي أعقبت إعلان الحريري هي دليل أيضاً على أنَّ "القوات" لن تحظى بالأصوات السنّية أبداً. تصريحات النائب وليد البعريني الذي كتب أنَّ "جعجع متورط حتى النخاع في طعن تيار المستقبل ورئيسه في ظهورهم ورقابهم، وهذه حقائق ثابتة لم تعد خافية على أحد"، تعبّر عن موجة غضب شعبية عارمة في الأوساط السنية من عملية الغدر والطعن التي تعرَّض لها الحريري.

ختاماً، وإن كانت السّعودية قضت على الحريري بوصفه حليفاً تقليدياً، إلا أنَّ ذلك لا يعني أبداً نجاح المشروع البديل. الانتخابات قادمة، والآمال قد لا تعكس الوقائع على الأرض، فمن يملك الشعبية والأصوات الانتخابية هو من يحمل مشروعاً وطنياً مقاوماً يحاول إخراج لبنان من نفقه المظلم، وليس أولئك الذين يعوّلون على الحرب الأهلية كمفتاح للوصول إلى السّلطة.