مصير المفاوضات النووية بين الممكن والمستحيل
لا يمكن التنبّؤ بشكل حاسم بمسار الأمور ومآلاتها، في ظل تعقيدات لا تزال قائمة بين الطرفين الأميركي والإيراني.
كان وقع القرار الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أسبوعين ثقيلاً في أروقة صناعة القرار في إيران، على اعتبار أن 25% من عمليات التفتيش والمراقبة التي تقوم بها الوكالة الدولية تجري في إيران.
ورغم أن القرار لم يحل الملف الإيراني على مجلس الأمن الدولي، فإنَّه كان إنذاراً مبكراً ربما لسيناريو قادم في أيلول/سبتمبر المقبل؛ موعد اجتماع مجلس المحافظين من جديد، إذا لم تتوصل طهران إلى اتفاق على استئناف محادثات فيينا مع الأطراف الأخرى وحل القضايا العالقة مع الولايات المتحدة الأميركية.
فسّر الجانب الإيراني الرسالة الأوروبية والأميركية الكامنة خلف قرار مجلس المحافظين بأنَّها محاولة جديدة للضغط على طهران لكسب مزيد من التنازلات، وللموافقة على الشروط الأميركية في مفاوضات فيينا، فردَّ عليها بخطوات عديدة بدأتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بإزالة كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية داخل منشأتها، والمركبة ضمن اتفاق خارج اتفاقية الضمانات الدولية، بهدف إثبات نيات طهران الحسنة في تعاملها مع الوكالة.
وأتبعت طهران خطوتها هذه بخطوة أخرى قامت خلالها بتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة من نوع "IR6"، والبدء بضخ غاز اليورانيوم استعداداً لعمليات تخصيب في أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة فوردو، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز" عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لا يمكن التنبؤ بشكل حاسم بمسار الأمور ومآلاتها، في ظل تعقيدات لا تزال قائمة بين الطرفين الأميركي والإيراني لم تحلّها عشرات الرسائل المتبادلة عبر المنسق الأوروبي في مفاوضات فيينا إنريكي مورا.
ورغم أن طهران قدمت مبادرة قبل يومين من اجتماع مجلس محافظي الوكالة لقطع الطريق على أي قرار محتمل لإدانتها، فإنَّ تسلسل الأحداث يفضي إلى عدم اقتناع الجانب الأميركي بتفاصيلها التي لم يفصح عنها أي طرف حتى هذه اللحظة، رغم أن تسريبات إعلامية غربية أشارت إلى أن المقترح تضمن غضّ نظر طهران عن رفع حرس الثورة من قائمة الإرهاب، على أن يرفع من القائمة مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس، الذي ينفذ العديد من المشاريع الاقتصادية الضخمة، ويتصدر في مجالات كثيرة المشهد الاقتصادي في إيران، وهو ما قوبل برفض أميركي.
وبصرف النظر عن صحة هذه التسريبات، يبدو من الواضح أن محاولات إيران أو الأطراف الأخرى لتدوير الزوايا لا تزال قائمة، حتى بعد التوتر الأخير وعقب الإجراءات التي اتخذتها كل من إيران والوكالة الدولية، والتي قد تسّرع عملية البحث عن مخارج للتوصل إلى أرضية مشتركة بين إيران وأميركا، على عكس ما يظنه البعض بأن هذا التوتر شكّل الضربة القاضية للمفاوضات النووية.
لكنَّ المؤشرات المتوافرة تشي بأنَّ الطرفين يتحركان في هامش منطقي متوازن، حرصاً منهما على عدم إغلاق أبواب الحوار كلياً، رغم صعوبة تلاقي طهران وواشنطن على مفردات متشابهة، وخصوصاً في قضية رفع حرس الثورة من قائمة الإرهاب الأميركية، ومسألة الانتقام من المسؤولين الأميركيين المتورطين في اغتيال الشهيد الفريق قاسم سليماني.
ورغم كل هذا، فإن ما ترغب فيه طهران هو إبقاء التصعيد تحت السيطرة، وضمن مساحات يمكن من خلالها العودة إلى المربع الأول، أي قبل صدور قرار مجلس المحافظين، إذا قرر الأميركيون فتح كوة في جدار الأزمة للتوصل إلى اتفاق يضمن مصالح الأطراف جميعها. لذلك، نجد أن:
- الإجراءات التي اتخذتها طهران إلى الآن كانت مدروسة بعناية، وهي تهدف إلى الضغط على الأوروبيين والأميركيين للتحلّي بمرونة أكبر على طاولة المفاوضات تجاه القضايا العالقة.
- رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية أكد أن إيران مستعدة للتراجع فوراً عن الإجراءات المتخذة في حال التوصّل إلى تفاهم على القضايا التي لم تُحل بعد.
- المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده رأى في مؤتمره الصحافي الأخير أن مسار فيينا لا يزال قائماً، وهو تصريح يدل على نية طهران مواصلة المفاوضات، رغم ردود الأفعال المتوترة التي سادت خلال الأسابيع الماضية.
- الصورة التي سُرّبت قبل يومين من لقاء جمع رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، ومساعد بهروز كمالوندي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومساعده، وكبير المفاوضين علي باقري كني، تعطي انطباعاً عن مستوى التنسيق القائم بين منظمة الطاقة النووية ووزارة الخارجية الإيرانيين لاتخاذ خطوات ومواقف توازن بين التحرك الدبلوماسي والرد النووي.
- ما سُرّب عن اجتماع أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام قبل أيام لبحث تطورات الأزمة ومآلات المفاوضات يؤكّد أنّ هناك رفضاً للتصعيد من كتلة وازنة داخل المجمع على الأقل خلال هذه المرحلة.
ترجّح المعطيات أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضغط باتجاه التوصل إلى اتفاق لا تحصل طهران بموجبه على امتيازات خارج ما اتفق عليه عام 2015، لتكون قادرة على تسويقه كإنجاز قبيل الانتخابات النصفية الأميركية.
في المقابل، تُظهر التصريحات الإيرانية أنّ من الممكن البحث عن مخارج للعقدة المتعلقة برفع حرس الثورة من قائمة الإرهاب، شرط تقديم واشنطن ضمانات مؤثرة في رفع العقوبات بشكل فعال، وهو ما قد يشكّل المساحة الوحيدة التي قد يلتقي عليها الطرفان، الإيراني والأميركي، في حال رغبا في إنقاذ الاتفاق النووي قبل فوات الأوان.