محور المقاومة: تضحيات تُقابل بالنكران وخطاب الحقيقة في زمن التشكيك

التاريخ لا يجامل ولا ينسى. سيُسجل بكل وضوح من كان مع فلسطين قلباً وقالباً، ومن خذلها بشعارات جوفاء، أو وقف في صف الاحتلال متخفياً بالصمت. سيُسجل من حمل راية المقاومة بشرف، ومن اختار الاصطفاف مع أعداء الأمة.

  • المقاومة اللبنانية وتاريخها في الدفاع عن فلسطين.
    المقاومة اللبنانية وتاريخها في الدفاع عن فلسطين.

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال ليس مجرد صدمة عابرة من بعض الأصوات التي هاجمت حزب الله عقب موافقته على وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني، بل شعور بضرورة تسليط الضوء على جوهر الحقيقة في زمن التشويه المتعمد. 

تلك الأصوات، التي يُفترض أنها نخب وطنية، اختارت تجاهل التضحيات الجسيمة التي قدمها الحزب، سواءٌ عن جهل أو بدافع أجندات مشبوهة، متغافلةً عن دوره المحوري في الدفاع عن فلسطين، وخصوصاً في معركة "طوفان الأقصى".

منذ اللحظة الأولى لهذا الطوفان، كان حزب الله حاضراً في المعركة، لا بالكلمات فقط، بل بالدماء والتضحيات. 

فكيف يمكن أن تُنسى دماء الشهداء الذين ارتقوا من أجل فلسطين، وفي مقدمتهم الأمين العام السيد حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، وكوكبة من القادة العسكريين والأمنيين؟ 

بأي منطق يُهاجَم هذا الصمود الأسطوري الذي أوجع الاحتلال، وأجبره على إعادة حساباته مراراً وتكراراً؟

إن الانتقادات الموجهة إلى محور المقاومة، وفي القلب منه حزب الله، تكشف أزمة لدى البعض، أخلاقياً وفكرياً. هذه الانتقادات تتجاهل عمداً الحقيقة الأساسية: أن المقاومة اللبنانية كانت ولا تزال الدرع التي تحمي القضية الفلسطينية من التصفية، وخصوصاً في ظل خذلان شبه مطلق، عربياً وإسلامياً.

في هذا المقال، أتناول الدور المحوري الذي أداه محور المقاومة في دعم القضية الفلسطينية، وأتساءل بصدق: لماذا يتم استهداف هذا المحور من الداخل في وقت يجب أن تتوحد الجهود ضد الاحتلال؟ وهل يمكن أن نتجاهل حقيقة أن محور المقاومة يمثل البوصلة الحقيقية في مواجهة الهيمنة الصهيونية على المنطقة؟

المقاومة اللبنانية وتاريخها في الدفاع عن فلسطين

المقاومة اللبنانية لم تكن يوماً مشروعاً عابراً، بل هي نتيجة طبيعية لواقع إقليمي ودولي يخذل فلسطين. منذ تأسيسه، أدى حزب الله دوراً محورياً في التصدي للعدوان الصهيوني على لبنان، وفي دعم القضية الفلسطينية، عسكرياً وسياسياً.

اليوم، نجد هذا الدور يتجدد بقوة في ظل العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة. حزب الله، الذي دخل المواجهة منذ الساعات الأولى، لم يكتفِ بالتصريحات أو البيانات، بل فتح جبهة استنزاف حقيقية مع الاحتلال، مستخدماً تكتيكات عسكرية دقيقة أربكت "إسرائيل" ودفعتها إلى نقل جزء من قواتها إلى الحدود الشمالية، وهو ما خفف الضغط على غزة.

وهنا يجب أن نتذكر أن هذا الدور ليس وليد اللحظة. منذ عام 2000، عندما أجبر حزب الله الاحتلال على الانسحاب من جنوبي لبنان من دون قيد أو شرط، وحتى صموده في حرب 2006، كان الحزب دائماً في الخطوط الأمامية للمواجهة، يضع مصلحة الأمة فوق الحسابات المحلية أو الإقليمية.

محور المقاومة ودوره الاستراتيجي في دعم فلسطين

لا يمكن فهم الإنجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية بمعزل عن الدعم الاستراتيجي الذي يقدمه محور المقاومة، وعلى رأسه إيران وحزب الله. هذا الدعم يتجاوز الشعارات الرنانة أو التصريحات السياسية إلى أفعال ملموسة غيرت موازين القوى على الأرض. 

إنه دعم استثنائي لا ينبع من مصالح آنية أو تحالفات ظرفية، بل من عقيدة ثابتة ترى في تحرير فلسطين واجباً دينياً وقومياً وأخلاقياً.

 

1- السلاح والتدريب: لقد أحدث الدعم العسكري لمحور المقاومة نقلة نوعية في قدرات المقاومة الفلسطينية. من صواريخ القسام البدائية إلى الترسانة الصاروخية التي تصل إلى "تل أبيب" والقدس، يُعد هذا الدعم العسكري شهادة حيّة على الالتزام العملي لمحور المقاومة. إيران، من خلال الخبرة التقنية ونقل المعرفة، وحزب الله من خلال التدريب الميداني والمساعدات اللوجستية، ساهما في تمكين المقاومة من تجاوز القيود التقنية والسياسية التي حاول الاحتلال فرضها.

 

2- الدعم المادي: في ظل الحصار الخانق الذي يُفرض على غزة منذ أكثر من عقد، أدى محور المقاومة دوراً حيوياً في توفير الموارد المادية التي تضمن استمرار الحياة اليومية للمقاومة. هذا الدعم المادي لم يكن مجرد إمدادات مالية، بل شمل تجهيزات تقنية ولوجستية ساهمت في صمود غزة على رغم محاولات الاحتلال خنقها اقتصادياً وعزلها عن العالم.

3- المساندة السياسية: في الساحة الدولية، كان لمحور المقاومة، بقيادة إيران، دور محوري في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية وكشف ازدواجية المعايير التي تنتهجها القوى الكبرى في دعم الاحتلال وتبرير جرائمه. من خلال تحالفاتها الإقليمية والدولية، جعلت إيران القضية الفلسطينية قضية مركزية في السياسات الدولية، وضمنت بقاء صوت المقاومة حاضراً في المحافل العالمية، على رغم كل محاولات التهميش.

التزام عقائدي يتجاوز المصالح 

ما يميز محور المقاومة ليس فقط حجم الدعم الذي يقدمه، بل طبيعة هذا الالتزام. إنه التزام ينبع من رؤية استراتيجية وعقيدة دينية وقومية ترى في فلسطين قلب الأمة النابض وقضيتها المركزية. بالنسبة إلى إيران، يمثل الدفاع عن فلسطين جزءاً لا يتجزأ من نهجها الثوري، بينما يرى حزب الله أن مقاومة الاحتلال الصهيوني هي جزء من وجوده ذاته، لا يقبل المساومة أو التراجع.

 

إن هذا الدعم الاستراتيجي، الذي يجمع بين المواقف السياسية الراسخة والقدرات العسكرية والمادية، هو الذي مكّن المقاومة الفلسطينية من الصمود أمام آلة الحرب الصهيونية، وجعلها رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية. في عالم تغيب عنه المواقف المبدئية، يقف محور المقاومة شاهداً حياً على أن التزام فلسطين ليس خياراً سياسياً عابراً، بل هو جوهر الصراع من أجل الحرية والكرامة.

 

النخب الناقدة وحالة التشويه المتعمد

الانتقادات الموجهة لحزب الله تكشف أزمة فكرية وأخلاقية لدى بعض النخب. كيف يمكن لمن يدّعي الانتماء إلى القضية الفلسطينية أن يهاجم من دفع دماء قادته وجنوده ثمناً لمواقفه؟

هذه النخب، التي تبدو متأثرة بخطابات مشبوهة، تتجاهل عمداً الحقائق الميدانية. فبدلاً من توجيه سهامها نحو الاحتلال، نراها تستهدف محور المقاومة، في محاولة لتقويض أي جهد حقيقي لتحرير فلسطين.

هذا الهجوم ليس بريئاً. إنه جزء من حملة أوسع تهدف إلى تشويه محور المقاومة لمصلحة أجندات إقليمية ودولية تخشى أن يُشكل هذا المحور تهديداً لنفوذها.

 المقاومة خيار وجود وليست أداة سياسية

الفارق بين محور المقاومة وسائر الأطراف في المشهد الإقليمي يكمن في الطبيعة الوجودية لهذا المحور. المقاومة ليست خياراً سياسياً يُمكن تغييره بناءً على مصالح مةقتة. هي رد فعل طبيعي على الاحتلال والهيمنة.

محور المقاومة، بقيادة حزب الله وإيران، لا يعمل في فراغ. هو امتداد لخط طويل من النضال ضد الاحتلال، يبدأ من غزة، ويمتد إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن. هذا المحور يضع قضية فلسطين في صلب أولوياته، مدركاً أن حرية المنطقة واستقرارها يبدآن بتحرير فلسطين.

وأخيراً

في مواجهة هذه التضحيات الجسيمة والدور المحوري الذي أداه محور المقاومة في دعم القضية الفلسطينية، يصبح من الجحود إنكار الفضل العظيم لهذا المحور، الذي تجاوز حدود الشعارات والخطابات إلى تقديم أثمن ما يمكن أن يُقدَّم: الدماء، والسلاح، والمواقف الثابتة التي لا تعرف التراجع.

إن أي قراءة منصفة للمشهد تُظهر بوضوح أن قادة حزب الله وإيران ومحور المقاومة كانوا وسيظلون العمود الفقري لصمود فلسطين ومقاومتها. هذه الأطراف لم تتردد يوماً في الانخراط الفعلي والمباشر في مواجهة الاحتلال الصهيوني، على الرغم من التحديات الهائلة والضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية.

فلنكن صادقين مع أنفسنا: التاريخ لا يجامل ولا ينسى. سيُسجل بكل وضوح من كان مع فلسطين قلباً وقالباً، ومن خذلها بشعارات جوفاء، أو وقف في صف الاحتلال متخفياً بالصمت. سيُسجل من حمل راية المقاومة بشرف، ومن اختار الاصطفاف مع أعداء الأمة، سواء بالمواقف العلنية أو التواطؤ غير المباشر.

محور المقاومة اليوم ليس مجرد تحالف إقليمي، بل هو تجسيد حي لإرادة أمة ترفض الخضوع، وأي حقد يُوجه نحو هذا المحور ليس سوى طعنة مباشرة في قلب فلسطين وقضيتها. فهذا المحور يمثل أمل الشعوب في كسر طوق الهيمنة الصهيونية واستعادة الكرامة المفقودة.

ومهما تكالبت عليه الحملات والتشكيك، فإن محور المقاومة سيظل الصخرة التي تتحطم عليها أطماع الاحتلال وأوهامه، لأنه ليس مجرد قوة عسكرية أو سياسية، بل هو إرث من الصمود والإيمان بعدالة القضية، وعزيمة تتجدد مع كل مواجهة، لتؤكد أن فلسطين ستبقى بوصلة الكرامة، ومحور المقاومة سيبقى درعها التي لا تنكسر.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.