ما قواعد اللعب عند عرّاب الترفيه في السّعودية؟
تسنّم تركي عدداً من المناصب المتقدمة أتى بشكل متسارع ومحموم لتفريخ نسخ متعددة منه تستطيع أن تطبق السياسات نفسها، لكنَّ النقلة تحتاج إلى أن يكون المهندس من آل الشيخ.
السؤال المفتاحي الذي يمكن أن يفتح لنا الباب لفهم دور تركي آل الشيخ هو: ما علاقة الأمن والسياسة بالرياضة والترفيه في المملكة العربية السعودية؟
إثارة السؤال عن دور تلك العلاقة نابعة من أن الرجل يمتلك خبرات عملية جلها في الرياضة، عبر تقلده أكثر من منصب مثل: رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في المملكة، ورئيس اللجنة الأولمبية السعودية، وكذلك الرئيس الفخري لنادي التعاون في بريدة، ورئيس هيئة أعضاء الشرف لنادي الوحدة في مكة المكرمة، لكنه في الوقت عينه درس العلوم الأمنية وإدارة المخاطر في كلية الملك فهد الأمنية، وتقلد مناصب بعدها في وزارة الداخلية، ثم عُين مستشاراً في الديوان الملكي برتبة وزير، ورئيساً لمجلس إدارة الترفيه.
ما يشاع عنه أنه تقلد تلك المناصب لكونه زميل دراسة ولي العهد محمد بن سلمان، إلا أنَّ ذلك -مع احتمال صحته- لا يكفي أن يكوّن هذه الحيثية للرجل في السعودية الحديثة، فتركي يتحدر من عائلة آل الشيخ، وهي العائلة التي تحالفت مع آل سعود منذ البداية، إذ إن مؤسسها الأول محمد بن سعود عقد حلفاً مع محمد بن عبد الوهاب، الجد المؤسس لعائلة آل الشيخ.
كان هذا الحلف يقضي بتوزيع المناصب السيادية لآل سعود والمناصب الدينية لآل الشيخ، لتحمي الأخيرة العائلة المالكة بالفتوى الشرعية، في مقابل أن تحظى عائلة آل الشيخ برعاية وقرب خاص وحماية وغنائم من البلاط الملكي. وبذلك، تسلمت أغلب المناصب المهمة في المملكة ذات الطابع الديني/السياسي، لكن ما علاقة تاريخ العائلة الديني والسياسي بنمط الترفيه الذي يديره تركي آل الشيخ؟
هناك قراءة تقول إن اختيار فرد من عائلة آل الشيخ لإدارة الترفيه جاء عن قصد، لأن الترفيه الذي أراد أن يفشيه محمد بن سلمان في السعودية هو طريقة لقلب الصورة النمطية عن المملكة التي تؤطر بإطار فتوى الدرعية. ولأنّ أفراد أسرة آل الشيخ هم رواد ذلك التنميط، فكسر هذه الصورة يحتاج إلى واحد من الأسرة نفسها، لأسباب عدة:
الأول: لكي لا يُعتقد أن محمد بن سلمان أراد أن يكسر -فجأة- التحالف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ، الممتد من السعودية الأولى، وهو ما قد يثير حفيظة أكثر من عشيرة متشابكة و"متورطة" في ذلك الحلف، مثل آل عبد اللطيف، آل إبراهيم، آل عبد الرحمن، وآل عبد الله وغيرهم.
الثاني: اختيار تركي يخمد النعرة العشائرية لعائلة آل الشيخ نفسها، وإن خالف الابن سيرة الأجداد، لكنه من الثوب نفسه. وقد استخدم ابن سلمان تركي آل الشيخ بمنزلة ترياق يضفي التطرف الديني بانفتاح متطرف، وقد نجح تركي في هذه المهمة.
الثالث: العلاقة الشخصية بين محمد بن سلمان وتركي آل الشيخ، التي أجبرت الأخير على الدراسة الأمنية وتقلد منصب النقيب في وزارة الداخلية، معروفة. على الأقل هذا ما يشاع في أوساط السعوديين.
انقياد تركي زاد أسهم تأهله للمناصب الموعود بها، التي تعد مهمة جداً في معركة الوعي للشباب السعودي وتنميطهم على الاستهلاك والترفيه، وتوجيهه سياسياً، بوصف قائد المسيرة (محمد بن سلمان) أحد معجزات تاريخ المملكة، سيتيح لاحقاً فسحة لولي العهد لتنفيذ سياساته الداخلية والخارجية بأريحية أكثر، فحين تغيب ورقة الشباب عن الوعي السياسي وحمل القضايا القومية، لن يكون هناك أي عائق لمشاريع خطرة كالتطبيع مثلاً.
الرابع: هناك قابلية كبيرة عند تركي آل الشيخ لتنفيذ كل السياسات الجديدة التي تعدّ صادمة. وقد كان له دور في هندسة اعتقال الأمراء وتنفيذ ذلك عام 2017، ونشرت وسائل إعلام مقطعاً مصوراً للمستشار السعودي في أيلول/سبتمبر 2018 - أي بعد الإفراج عن الأمراء بقليل - مع الوليد بن طلال، إذ بدت على الأخير ملامح المهانة من تعامل تركي، وهو ما لا يمكن أن يقوم به أي فرد من عائلة آل الشيخ، لاحترامهم الكبير للأمراء السعوديين.
تعامد مشروع الترفيه السعودي مع السياسات الاقتصادية للمملكة التي تتجلى بشكل أوضح في مشروع نيوم، يحتاج إلى مزج جريء بين 3 أضلاع، فالترفيه والرياضة إذا ما وُجها بتوجيه مدروس ومحدد، يمكن أن يرسما ضلع السياسة بطريقة تناسب زواياهم المنفرجة، وعما قريب سنسمع طرق التطبيع مع الكيان الصهيوني عن طريق الرياضة والترفيه لإضفاء الكثير من نكهة المقبولية عند شريحة الشباب المتعطش للتغيير، ولو بالطريقة الخطأ.
استغلّ محمد بن سلمان حقب الكبت الديني في المملكة لمصلحته، وجاء تنصيب تركي آل الشيخ على رأس الرياضة والترفيه ومستشاراً في الديوان الملكي لتوظيف ذلك الكبت في التمهيد للسياسات التي يسارع ولي العهد إلى تنفيذها، وهي سياسات تخادمية مع المشروع الصهيوني الذي بدت عليه علامات الهرم والضعف، وهو مطوق من قوى المقاومة القوية والمتقدمة، في حين ينشغل الراعي المشترك بين الرياض و"تل أبيب" (الولايات المتحدة) بقضايا كبيرة وخطرة، فالاندفاع المتبادل بين السعودية و"إسرائيل" يحتاج إلى بنية تحتية في الوعي والسياسات، يعد تركي آل الشيخ أحد أركانها.
في اعتقادي، إنَّ تسنّم تركي عدداً من المناصب المتقدمة أتى بشكل متسارع ومحموم لتفريخ نسخ متعددة منه تستطيع أن تطبق السياسات نفسها، لكنَّ النقلة تحتاج إلى أن يكون المهندس من آل الشيخ للأسباب المتقدمة الذكر لتكون برزخاً بين فكّ الارتباط تدريجياً بين التحالفات التاريخية التي كانت مهمة لأسباب دينية وسياسية، ولم تعد بدرجة الأهمية نفسها، ليس لامتلاك آل سعود زمام المملكة فحسب، بل لأنَّ محمد بن سلمان شخصياً مصرّ على بناء مشروعه الخاص في تكوين سلطة مركزية قوية تكون فيها خيوط النفوذ والإدارة بيده حصرياً.
الدليل على ذلك أن أمراء آل سعود كانوا يسمّون بالملوك الصغار في عهد الملك عبد الله ومن قبله ممن حكموا السعودية، لكنهم لم يعودوا ملوكاً صغاراً، ولا حتى أمراء ذوي شأن إلا اللمم منهم، بسبب تقليص صلاحياتهم وتضييق العرف الملكي الَّذي يعطيهم نفوذاً لتحدرهم من آل سعود.
وبهذه الأسباب السياسية والموضوعية، يبني تركي آل الشخ قواعد لعبته في تغيير الشارع السعودي، بانياً بذلك مجده الخاص، ومنفذاً سياسات صديقه محمد بن سلمان، وهي السياسات التي ستكون لاحقاً كالتجاعيد في ملامح الفضيحة لتاريخ مملكة مثيرة للجدل.