ما سر القلق الإسرائيلي من اتفاق إيران والسعودية؟
اتفاق إيران والسعودية يعد خطوة سياسية متقدمة جداً، ويغلق الطريق في وجه التغول الإسرائيلي في المنطقة العربية.
بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين إيران والسعودية، جاء الاتفاق الثنائي بينهما برعاية صينية، وتُوج الإعلان بالاتفاق على فتح سفارات البلدين خلال شهرين. ومما تركز الاهتمام عليه في المنطقة هو موقف "إسرائيل" وأميركا معاً من الاتفاق، إذ عبرت أوساط أميركية عن تخوفها من اتساع النفوذ الصيني في المنطقة، فيما وصفت أوساط إسرائيلية الاتفاق بالزلزال المفاجئ لـ"إسرائيل".
الأوساط الإعلامية الإسرائيلية قالت إنه يشكل "بصقة في وجه إسرائيل"، ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تعقيباً واضحاً عليه، وقالت: "اتفاق إيران والسعودية يشكل انهياراً لجدار الدفاع الإقليمي الذي أرادته إسرائيل ضد إيران"، فيما انقضّ نفتالي بينيت ويائير لابيد، رئيسا الحكومة الإسرائيلية السابقان، على نتنياهو، وقالوا إن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية شاهد على فشله وإهماله وشغله "إسرائيل" بخلافات داخلية بخطته التي يسميها "إصلاح القضاء".
رغم مرور 12 يوماً على الاتفاق الإيراني السعودي، فإن الأوساط الإسرائيلية ما زالت تتناول تداعياته بين الحين والآخر، وهو ما يطرح تساؤلاً مهماً عن حقيقة الدوافع وراء ازدياد القلق الإسرائيلي من عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية.
يمكن قراءة ذلك في مسارات عدة مهمة على النحو الآتي:
- الاتفاق الإيراني السعودي يسدل الستارة على الفكرة الإسرائيلية بوجود محور أو جبهة إقليمية ترأسها "إسرائيل" لمواجهة إيران وبرنامجها النووي وتوسعها الإقليمي، وهو ما كان يروج له بوصفه إحدى أهم الإستراتيجيات الإسرائيلية لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة.
- الاتفاق يقلّص فرص توقيع اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي كان متوقعاً خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً بعد إعلان نتنياهو، فور نجاحه في تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحكومي، أن التطبيع مع السعودية من الأهداف المتقدمة لـ"إسرائيل" خلال المرحلة المقبلة، وهذا ما ينسجم مع ما كشفته وسائل إعلام أميركية في الآونة الأخيرة، بقولها إن السعودية وضعت شروطاً وصفت بالتعجيزية إزاء موافقتها على المضي قدماً في التطبيع، أبرزها الحصول على مفاعل نووي لأغراض سلمية، والحصول على منظومات عسكرية ودفاعية أميركية نوعية، وهو ما ترفضه "إسرائيل" بشدة.
- الاتفاق يدلل عملياً، وبما يخالف السياسة الخارجية الإسرائيلية المتعارفة، على عدم وجود محور عربي متماسك يمكن أن يكون داعماً لها، بدليل ما كشفه الإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة عن إلغاء رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد زيارة دبلوماسية كانت مرتبة لنتنياهو، خشية قيامه بإصدار مواقف مباشرة معادية لإيران أثناء الزيارة.
- دور الصين في إنجاح الاتفاق الإيراني السعودي يشكل نقطة تحول قوية في المعادلة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط من جهة، ويشكل حالة قلق كبيرة من اتساع دور الصين وتنامي مكانتها الإقليمية ونفوذها في المنطقة على حساب نفوذ أميركا من جهة أخرى، باعتبار أن الدور الإقليمي لواشنطن هو إحدى أهم ركائز الأمن القومي الإسرائيلي، وهذا بحد ذاته يعد تغيراً في موازين القوى لمصلحة الصين كقوة اقتصادية وإستراتيجية في المنطقة.
- نجاح الدور الصيني في إنجاز الاتفاق يعني تماسك محور قوي في المنطقة يتمثل بالصين وروسيا وإيران، ما يعني فشل الرهان الإسرائيلي الذي كان يدفع مع أميركا باتجاه تحريض أطراف دولية على فرض المزيد من الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية على إيران، رداً على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في الآونة الأخيرة.
- جاء الاتفاق الإيراني مع السعودية ليكشف حجم الصدمة والانتكاسة الإسرائيلية وحالة الانكفاء التي تعيشها "إسرائيل"، وحجم فشل الحكومة الإسرائيلية وعجزها عن توجيه أي ضربة عسكرية إلى إيران، بعدما كان نتنياهو يقدم نفسه لكل الأطراف في "إسرائيل" بأنه الشخص الوحيد القادر على تحقيق الأمن للإسرائيليين واتخاذ القرار بتوجيه ضربة عسكرية إلى البرنامج النووي الإيراني.
- تعيش "إسرائيل" حالاً من القلق تخوفاً من اضطراب علاقة "تل أبيب" ببكين، وهذا ينسجم بشكل واضح مع ما قاله إفرايم هليفي، المدير السابق للموساد الإسرائيلي، في تحليله للاتفاق، إذ أشار إلى أنه ليس من الحكمة أن تُعارض حكومة نتنياهو الاتفاق علناً، حتى لا تدخل في خلاف جديد مع الصين.
عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية تعد خطوة مكلفة لـ"إسرائيل"، التي ربما تكون أكبر متضرر من الاتفاق، نظراً إلى ما كانت تراهن عليه في مسارات عدة، أهمها التطبيع، في وقت لم تكن مستعدة له تماماً بالتزامن مع حال من تعمق الصراعات والانقسامات السياسية التي تشهدها، وكذلك تصاعد التظاهرات ضد حكومة نتنياهو رفضاً للتعديلات القضائية.
ما أقدمت عليه إيران والسعودية يعد خطوة سياسية متقدمة جداً، ويغلق الطريق أمام التغول الإسرائيلي في المنطقة العربية، إذ إن الحل الدبلوماسي والاتفاق بين الدول العربية والإسلامية على معالجة الخلافات القائمة هما السبيل الوحيد لبسط أسس الاستقرار في المنطقة بعيداً من إثارة النزاعات والخلافات الطائفية، بما يضمن لتلك الدول تحقيق مصالحها من دون أن يكون لـ"إسرائيل" موطئ قدم في المنطقة.
في الخلاصة، إن اتفاق السعودية وإيران سيعيد ترتيب المنطقة على قاعدة رسم خريطة جديدة من التحالفات الإقليمية، وسيمنح إيران شرعية أكبر من حيث النفوذ والمكانة السياسية، ويضع سيناريو يتضمن احتمالات كبيرة لتكرر الاتفاق بين إيران ودول عربية أخرى، بما يعزز الاستقرار أكثر، ويساهم في حل المزيد من الأزمات العالقة بين الدول، وصولاً إلى إمكانية استئناف المفاوضات مع القوى الدولية بشأن الاتفاق النووي.