لا صفقة قبل وقف نهائي لإطلاق النار.. لماذا؟
هذه الحرب باتت تدفع الفلسطينيين إلى التفكير بشكل جدي في مواصلة المقاومة بطرق أكثر تطوراً، بل والمسارعة في مراكمة القوة العسكرية كمّاً وكيفاً لهزيمة هذا الاحتلال.
أعلنت المقاومة الفلسطينية موقفها الصريح من الدعوات الأخيرة للذهاب إلى هدنة جديدة في قطاع غزة بينها وبين "دولة" الاحتلال بالرفض المطلق ما لم تتوقف الحرب بشكل كامل على قطاع غزة، مستندة إلى موقف شعبي داخل قطاع غزة يصر على وقف كامل للحرب، ويرفض العودة إلى أي تهدئة لا تعيدهم إلى منازلهم التي هجروا منها.
الموقف الفلسطيني الذي تتفق عليه فصائل المقاومة الفلسطينية والمواطنون المكلومون داخل القطاع، يستند إلى التجربة التي جرت في اليوم الـ 49 للحرب والتي استمرت أياماً عدة، وعادت بعدها آلة الحرب بوحشية أكبر مما كانت في السابق، وهنا يستند الفلسطينيون إلى أنهم قادرون على الصمود لأشهر طويلة، ولا حاجة لإعطاء حكومة الاحتلال أي فرصة للخروج من الضغط الداخلي الذي تعانيه.
يعرف الفلسطينيون أن حكومة الاحتلال تعيش ضغوطات داخلية في ظل الفشل الذريع، وعدم قدرتها على تحقيق أي أهداف للعملية العسكرية، والخسائر غير المسبوقة في قوة الجيش وهيبته بعد أكثر من شهرين ونصف، بالتزامن مع الضغط الكبير الذي تمارسه عائلات الجنود الأسرى لدى المقاومة، والذين ثبت لديهم بالتجربة أن الحكومة كانت تتعامل مع ملف أبنائهم على أنه ملف ثانوي.
أيضاً ازدادت خلال الأسبوعين الأخيرين الضغوط التي تمارسها أنصار الله في اليمن على حركة السفن المتجهة إلى "دولة" الاحتلال، والتي امتدت تأثيراتها بشكل كبير إلى الاقتصاد العالمي بعدما توقفت حركة ناقلات النفط والبضائع عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ما أثر في ثمن النفط والغاز ونقل البضائع عالمياً، ودفع البعض إلى التحذير من أنه سيُدخل دول المنطقة في أزمة تضخم اقتصادي كبيرة، ما أدى إلى زيادة الضغط والمطالبات الدولية بإنهاء الحرب.
ناهيك بالموقف الأميركي الذي بدأ يتأزم داخلياً، في ظل فشل "إسرائيل" في تحقيق إنجاز على الأرض يمكن للإدارة الأميركية أن تسوّقه داخلياً لديها بأن الغطاء والدعم اللذين قدمتهما لـ"إسرائيل" خدم السياسة الأميركية وهيمنتها في الشرق الأوسط، وقد أدى تراجع التأييد للرئيس الأميركي جو بايدن في الأوساط الأميركية إلى دفعه إلى إعادة التفكير والتشاور مع مستشاريه في جدوى استمرار الحرب وتأثيرها في فرصه، ولعلّ هذا الأمر يدفعه أيضاً إلى توجيه أمر لـ"دولة" الاحتلال لوقف الحرب كنوع من الاستدراك ووقف النزيف الذي يهدد إمكانية استكماله لولاية ثانية في رئاسة الولايات المتحدة.
من الجانب الآخر، قدم الفلسطينيون تضحيات أسطورية، ولديهم القدرة على تقديم تضحيات أكبر من ذلك، ولهذا فهم الآن يرون أنهم وصلوا إلى أشد أنواع الألم الذي ينعدم معه الإحساس بمزيد من الضربات، ولهذا بات تركيزهم فقط على تحقيق هدفهم بإنهاء الحرب من دون إعطاء "دولة" الاحتلال أي صورة للنصر، بل وجعل قادتها يجثون على ركبهم لتلبية مطالبهم بما في ذلك تنفيذ صفقة تبادل على أساس الكل مقابل الكل، وإعادة إعمار غزة ورفع الحصار عن القطاع بشكل كامل، وحلّ القضية الفلسطينية وأقلها انسحاب "دولة" الاحتلال إلى حدود 1967، وعدم تدخل "إسرائيل" في الشأن الداخلي الفلسطيني.
التضحيات أثبتت للعالم أجمع أن المشكلة تتمثل في الاحتلال البغيض، الذي لا توجد لديه ذرة من الأخلاق أو الإنسانية، وأنه آن الأوان للتفكير في ضرورة إنهاء هذا الكيان بشكل كامل من الأراضي الفلسطينية، ولهذا بات الوسطاء والولايات المتحدة وأيضاً قادة الاحتلال يعرفون أن المقاومة الفلسطينية لن تتراجع عن شروطها، وستواصل التمسك بخيار "لا صفقة قبل وقف الحرب، ولا مفاوضات تحت إطلاق النار".
هذه الحرب باتت تدفع الفلسطينيين إلى التفكير بشكل جدي في مواصلة المقاومة بطرق أكثر تطوراً، بل والمسارعة في مراكمة القوة العسكرية كمّاً وكيفاً لهزيمة هذا الاحتلال، وهم يدركون أنهم بما فعلوه في السابع من أكتوبر وما بعده غيّروا المعادلات، وأعادوا قضيتهم إلى جذورها، وكشفوا كل الزيف الذي تراكم على مدار السنوات التي لحق بها، حتى بات البعض يعتقد بأن هذا الكيان هو طوق النجاة وسبيل التقرب إلى الإدارة الأميركية.
المقاتل الفلسطيني أثبت بعزمه وإرادته وقوته أنه أشد من أي جيش عرفه التاريخ الحديث، ولهذا يعتقد الفلسطينيون أن المرحلة المقبلة بعد الحرب قد تكون مرحلة مسابقة بين الدول والهيئات لنصرة المقاومة الفلسطينية باعتبارها الحصان الرابح الذي يمكن الاعتماد عليه والافتخار به.