قراءة في توجهات تعامل حكومة المتطرفين مع السلطة الفلسطينية
مع بدء العقوبات، التي طالت بعض قيادات السلطة الفلسطينية ممّن لها علاقة بالعمل الدبلوماسي الفلسطيني، بدأت حكومة الاحتلال استخدام أولى أدواتها للضغط على السلطة الفلسطينية.
مع تولي الحكومة اليمينية المتطرفة في "دولة" الاحتلال، والتي تضع هدفاً لها عدم وجود كيان فلسطيني سياسي ممثّل للفلسطينيين، بالإضافة إلى عزلهم والتعامل معهم كتجمّعات بشرية بلا حقوق وبلا أرض، تدخل السلطة الفلسطينية، خلال الفترتين الحالية والمقبلة، مرحلة حرجة في ظل توجهات لحكومة اليمين بشان ضم الضفة الغربية، وحصر الفلسطينيين في تجمعاتهم السكنية.
ومع بدء العقوبات التي طالت بعض قيادات السلطة الفلسطينية، ممّن لها علاقة بالعمل الدبلوماسي الفلسطيني، بدأت حكومة الاحتلال استخدام أولى أدواتها للضغط على السلطة الفلسطينية، كنوع من التحذير، وكتمهيد لقرارات أشدّ خلال الفترة المقبلة، بحيث سيكون الضغط على قيادة السلطة متوازياً مع أي تحركات خارجية لها.
ومع بدء عمل الحكومة الجديدة تجد السلطة الفلسطينية نفسها أنها أمام سيناريوهات في غاية الخطورة، تتنوّع بين محافظة إسرائيلية عليها كبنية إدارية وأمنية تهتم بمصالح الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبين الإبقاء على حالها، مع الاستمرار في تحجيمها ومنعها من أيّ تحركات على المستوى الدولي ضد دولة الاحتلال، عبر استخدام عصا سحب المزايا الشخصية لقادة السلطة، وخصوصاً تصاريح (VIP)، واقتطاع الأموال، وإدخالها في أزمات متتالية، أو حلّ السلطة برمّتها والتوجّه إلى تنفيذ روابط القرى، وتقسيم الضفة بين قيادات الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعيداً عن الإدارات السياسية.
قبل كل شيء، يجب فهم وضع السلطة الفلسطينية خلال الفترة الحالية، إذ تعيش حالة تراجع في مكانتها الشعبية داخل الضفة الغربية، على الرغم من ارتكازها على حركة "فتح"، إلّا أنّ الخلافات الداخلية في الحركة، والانقسامات، والتوجهات المصلحية لقياداتها، وحالة الترقب والاستعداد لمرحلة "ما بعد عباس"، تجعل الصورة سوداوية بالنسبة إليها، وسط خشية من ضياع الشرعية من الحركة بعده، إذ إنّ من سيخلقه لن يكون قادراً على الحصول على شرعية صندوق الاقتراع، التي حصل عليها عباس. وهذا الأمر، بالنسبة إلى حكومة المتطرفين، أمر مريح خلال الفترة المقبلة.
في مقابل هذا الأمر، يرى المستويان الأمني والعسكري في "دولة" الاحتلال أهمية استمرار السلطة الفلسطينية، بسبب تأثير غيابها في المشهد الأمني في الضفة الغربية، وزيادة تكلفة العمل الأمني وإمكان زيادة العمل المقاوم هناك، وتحوّله إلى حالة عامة أكثر تنظيماً. ولهذا، يعارض العسكريون والأمنيون توجّهات حلّ السلطة وإنهائها، بل يطرحون نقيض ذلك، ويدعون إلى تقوية السلطة لتقوم بدورها الأمني، على نحو يخفف الأعباء التي دفعت جيش الاحتلال إلى نشر أكثر من 55% من قوّاته في منطقة الضفة.
في الملف السياسي، ترى حكومة الاحتلال أنّ الحديث عن حراك سياسي مع السلطة الفلسطينية، أو العرب، أو الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة، أمرٌ من المحرمات، وخصوصاً في ظل وجود أحزاب، مثل "الصهيونية الدينية"، التي تدعو بصورة صريحة إلى إلغاء السلطة الفلسطينية، وإعادة وضع الفلسطينيين إلى ما كان عليه قبل "اتفاقية أوسلو".
وفي هذا الإطار، ستحاول الحكومة المتطرفة إحباط أيّ عمل تقوم به السلطة الفلسطينية في الجانب السياسي، بما في ذلك التحرك الدولي، وفي المحاكم الدولية، عبر الضغط بورقة المال، والابتزاز من خلال المصالح الشخصية لقيادة السلطة.
وستعمل حكومة اليمين على منع أي محاولات للمصالحة الفلسطينية الداخلية، انطلاقاً من أنّها تمثّل تهديداً ببناء كيان سياسي للفلسطينيين. وبناءً عليه، لن تسمح "دولة" الاحتلال بإجراء أيّ انتخابات تتعلق بمنظمة التحرير أو الرئاسة أو المجلس التشريعي، بل ستعمل على أن يكون خليفة الرئيس عباس أكثر طواعية وأكثر قبولاً للواقع الذي تراه.
من ناحية أخرى، تُعَدّ قدرة الحكومة المتطرفة على مواجهة الفعل الفلسطيني المقاوم في الضفة المحتلة اختباراً مهمّاً للأحزاب اليمينية، التي تعهّدت، خلال الحملة الانتخابية، بإخماد جذوة المقاومة المشتعلة، عبر طيف واسع من الالتزامات التي قدّمتها إلى الجمهور، كوصفة، ليس فقط لإنهاء هذه الموجة من العمليات، بل أيضاً لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني لمصلحة "دولة" الاحتلال. وبناءً عليه، يُعَدُّ الملف الأمني، بالنسبة إلى حكومة اليمين، أحد أهم الملفات في التعامل مع الضفة الغربية، إذ ستعمل أحزاب اليمين على محاولة إثبات قدرتها على ردع الفلسطينيين، عبر تشديد سياسة إطلاق النار، والتعامل مع المواجهات في مدن الضفة الغربية.
ومع ذلك، ستذهب حكومة الاحتلال إلى المحافظة على التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وستمارس ضغوطاً على قيادة الأجهزة الأمنية وقيادات السلطة الفلسطينية من أجل زيادة الجهود الأمنية ضد المقاومة في الضفة المحتلة، كي لا تنهار الأجهزة الأمنية.
وتُعَدُّ الورقة الاقتصادية أبرز الأوراق التي ستستخدمها حكومة اليمين للسيطرة على تحركات السلطة الفلسطينية. فتكرار الأزمة، التي وقعت فيها السلطة الفلسطينية في آخر عامين قبل وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة (أزمة أموال الشهداء والمقاصة)، قد يكون عنواناً للتعامل الاقتصادي بين السلطة و"دولة" الاحتلال.
في المحصّلة، فإنّ كلّ المؤشرات تحمل، في طياتها، فكرة مفادها أنّ حكومة المتطرفين ستزيد في الضغط على السلطة، وستعمل على تقويضها، سياسياً واقتصادياً، تزامناً مع زيادة المطالب لها بتكثيف التنسيق الأمني، ومحاربة المقاومة في الضفة، لكن من دون أن يكون هناك أفق أو أمل بشأن حلول سياسية أو تفاوضية. وهذا الأمر يحتّم على السلطة وقيادتها أن تدركا أنّهما مهما فعلتا فلن تُرضيا حكومة المتطرفين، وأن لا خيار أمام السلطة سوى المواجهة، وترتيب البيت الفلسطيني، وتفعيل كل أدوات المواجهة، بما في ذلك دعم المقاومة المسلحة.