في وداع أحد رموز إثيوبيا هل من دور حضاري عربي فاعل فيها؟
للدين الإسلامي في إثيوبيا وفي كثير من دول أفريقيا دور حضاري كبير، لا ينحصر في بسط القيم الحضارية التي جاء بها وحسب، إنما للإسلام دور مركزي في صناعة الوجدان الشعبي وتكوينه.
ودعت إثيوبيا، الثلاثاء الماضي، العلامة الشيخ آدم أحمد حمرو المعروف بالشيخ آدم تولا، رئيس مجلس الإفتاء في إثيوبيا، عن عمر ناهز 110 أعوام، قضاها باذلاً الجهد في مجالات العلم والدعوة ونشر القيم وترسيخ معاني التسامح والإخاء والتعايش بين الإثيوبيين كافة وبين شعب الأورومو خاصة.
وبمدينة هرر، شيّع عشرات آلاف الإثيوبيين جثمان العلامة الشيخ تولا، في جنازة مهيبة شارك فيها مشيعون من مختلف أقاليم إثيوبيا، ونعى الفقيد المجلس الأعلى لمسلمي إثيوبيا والمجلس الأعلى لمسلمي أوروميا وهيئة كبار علماء أوروميا، ونعاه كذلك عدد من العلماء والشيوخ والأكاديميين الإثيوبيين والعرب، وذكّروا بمناقبه وسعة علمه واطلاعه، وبجهوده المخلصة التي بذلها من أجل إثيوبيا، ومن أجل شعب أورومو الذي ينتمي إليه، كما ذكروا بجهوده في نشر اللغة العربية في إثيوبيا وبين دارسي علوم الشريعة، إذ برع في تدريس علوم العربية مثلما برع في مجالات غرس قيم الحق والخير والعدل والفضيلة.
يشكل شعب الأورومو نحو 40% من سكان إثيوبيا البالغ تعدادها 110 ملايين نسمة، ويوفر إقليم أوروميا 80% من موارد إثيوبيا، ويُعد البن أبرز المنتوجات التي ينتجها هذا الإقليم الذي يوفر 40% من إنتاج العالم من هذه السلعة. ويتمتع هذا الإقليم كسائر الأقاليم الإثيوبية باستقلال سياسي واقتصادي كفلته المادة 39 من الدستور الإثيوبي التي منحت تلك الأقاليم الإثيوبية حق الاستقلال الذاتي.
يعد شعب الأورومو، الذي ينتمي إليه الراحل العلامة الشيخ آدم أحمد حمرو، من أقدم الشعوب القاطنة في شرقي أفريقيا منذ 7 آلاف سنة، ويصنّف شعب الأورومو ضمن الشعوب الكوشية التي خُلقت على ضفاف النيل وصنعت حضارة وادي النيل وحضارة أكسوم.
يتحدّث شعب الأورومو اللغة الأورومية التي تصل مفردات اللغة العربية فيها إلى ما يزيد على 50% من مفرداتها، شأنها في ذلك شأن كثير من اللغات الإثيوبية والأفريقية، كاللغة الأمهرية والتغرية، والسواحيلية، وقد يسّر وجود هذا القدر الكبير من المفردات العربية ضمن مفردات اللغة الأورومية، تعلم اللغة العربية على أبناء شعب الأورومو وباقي الشعوب الإثيوبية، وهذا الأمر استفاد منه الراحل الكبير في نشر العربية وتعزيز مكانتها في إثيوبيا.
للدين الإسلامي في إثيوبيا وفي كثير من دول أفريقيا دور حضاري كبير، لا ينحصر في بسط القيم الحضارية التي جاء بها، ولا في ترسيخ تلك القيم التي حملها متمماً لها وحسب، وإنما للإسلام دور مركزي في صناعة الوجدان الشعبي وتكوّنه، وله دور مهم جداً في نشر الثقافة واللسان العربي، حتى إنه أصبح مكوِّناً رئيساً من مكوّنات الهوية الشخصية المجتمعية، وأصبح بدرجة كبيرة رمزاً للهوية العربية، وأكّدت تجربة انتشار الإسلام في أفريقيا أن العربية ليست بالانتماء إلى أب ولا إلى أم عربيين، وإنما باللسان، وكلّ من نطق بالعربية هو عربي.
لقد أدركت مصر في النصف الأول من القرن العشرين أن الإسلام في أفريقيا هو الوجه الأبرز للعروبة، ففتحت أبواب الأزهر أمام الطلبة الأفارقة لينهلوا من علومه ومعارفه، وانتظمت في إرسال قوافل من أساتذة الأزهر ومن الدعاة إلى كل أفريقيا، ينشرون الإسلام ويفتحون أبواب أفريقيا أمام العربية بمحمولاتها القيمية والحضارية، وكذلك فعل السودان على مدى عقود من الزمن، إذ أنشأ فيه من المؤسسات التعليمية والخدمية التي تلبي حاجات الأفارقة من الصحة ومياه الشرب النظيفة، ورفع مستوى التنمية البشرية، وتخفّف من آثار الكوارث الطبيعية ومآسي الحروب والنزاعات، حتى باتت لمؤسساته تلك وجود في كل الدول الأفريقية، وبات خريجو الجامعات السودانية، الذين تجاوز عددهم 60 ألف طالب، رموزاً لمجتمعاتهم، وقادة لها، يعبرون عن همومها وتطلعاتها بلسان عربي مبين.
والواقع أن التاريخ سيذكر للكويت دولةً وشعباً دوراً بالغ الأهمية في أفريقيا لايقل عن دور السودان ومصر، بل يكمله ويبني عليه. وقد شجّعت هذه الأدوار الشيخ الراحل آدم أحمد حمرو تولا وعزّزت جهوده المخلصة في نشر العربية والإسلام في وطن يلزم أن يحظى باهتمام كل العرب وجميع المسلمين، لكون ذلك الاهتمام من مقتضيات رسالتهم ودورهم التاريخي الذي عليهم اضطلاع به، ولكونه ضرورة من ضرورات تعظيم قوتهم اللازمة لضمان مكانة دولية تناسبهم في عالم بدأ بالتشكّل من جديد.