عن كومونولث مشرقي ولا تفتشوا عن أي شيء آخر

العداء للصهيونية يجب أن يكون الديانة السياسية لمحور المقاومة. كومونولث عقائدي يتمتع بكل مقومات الاستمرار والكفاية الذاتية، وإلا فالمشرق العربي برمّته سيكون إسرائيلياً.

0:00
  • إذا كان لمشروع المقاومة من أرضية صلبة فسيكون ذلك بالقوى المشرقية.
    إذا كان لمشروع المقاومة من أرضية صلبة فسيكون ذلك بالقوى المشرقية.

المشهد في المشرق أبعد من وقف إطلاق نار في لبنان وتبادل أسرى في غزة. الأهم علينا الخروج من متاهة السجال العقيم حول عمّا إذا كنا حرَّكْنا وكر الدبابير وأشعلنا حرباً مدمرة أو أن الدبابير كانت تخطط لغزونا. مثل هذا السجال يضعفنا أمام أسرابها السامة. سنبقى إذا عاندنا في السجال مقسومين بين مطبِّع وممانع.

مثل هذا الانقسام قاتل لفكرة لبنان. لبنان الذي يفتش عن هوية تعطيه الاستمرار كدولة ونظام. لبنان الوطن لن نتخاصم حول جدواه. الوطن سيبقى. الخلاف على هويته يضيّع دولته ونظامه. الوطن من دون دولة ونظام وهوية قصيدة وجدانية مفيدة في أدب المهجر؛ لأننا إذا بقينا على هذا النحو، فلن يبقى لنا سوى التغني به شعراً ونثراً في المهاجر.

"إسرائيل" لا تأبه لأي اتفاق أو تسوية مع لبنان. ولماذا تأبه إذا كانت تدمّر لبنان بسلاح مجاني يصلها من أميركا كلما طلبت من الإدارة الأميركية المزيد منه؟ المقاومة باقية و"إسرائيل" ستبقى على نهجها في تدمير لبنان.

لن تنتصر ولن تعيد مستوطنيها بالطبع.حتى ولو فرضنا جدلاً أنها دمرت الجنوب كله وحوّلته إلى أرض جرداء لن يعود مستوطن واحد إلى المستوطنات. لم أعد مقتنعاً البتة أن نتنياهو يريد إعادة المستوطنين إلى الشمال تماما، كما لم أعد مقتنعاً أنه يريد استعادة أسراه. عقيدة استعادة الأسرى، ولو أمواتاً، لم تعد عقيدة مقدسة في "إسرائيل". مشروعها أكبر من الأسرى وأكبر من عودة المستوطنين.

مشروعها "إسرائيل الكبرى". لا حاجة لنا لتفصيل المشروع. بات واضحاً في الخريطتين اللتين أبرزهما نتنياهو في الأمم المتحدة منذ أشهر. نال بفضلهما التصفيق وقوفاً من الكونغرس الأميركي، بالرغم من الانسحاب الفولكلوري لبعض الديمقراطيين. في أميركا الكل مع فكرة أن "إسرائيل" ضيّقة ويجب توسيعها. ترامب سيسعى لذلك بكل ما أوتي من قوة خلال ولايته الرئاسية.

إذا كان لمشروع المقاومة من أرضية صلبة فسيكون ذلك بالقوى المشرقية. اتحاد مشرقي يشكل كونسورتيوم أمني واقتصادي وسياسي.لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران كتشكيل مؤسس. لا بأس من دعم "بريكْس". المسافة الجغرافية يجب أن لا تكون عائقاً. أليس عجيباً غريباً أن تُحتَسَب "إسرائيل" ضمن "الناتو" وفلسفة الاتحاد الأوروبي؟ برغم العجب والغرابة، "إسرائيل" أوروبية، بالرغم من أن ورمها السرطاني مزروع في الشرق الأوسط.

العداء للصهيونية يجب أن يكون الديانة السياسية لمحور المقاومة. كومونولث عقائدي يتمتع بكل مقومات الاستمرار والكفاية الذاتية، وإلا فالمشرق العربي برمّته سيكون إسرائيلياً. الآلة العسكرية الإسرائيلية تحاول تعبيد الطريق له من الجنوب. هل ستنجح؟ المقاومة تؤخّره وتعيقه، ولكن من دون الكومونولث، الرحلة شاقة ومكلفة.

من هذا المنظار، فإن الخيام وكفركلا وضاحية بيروت الجنوبية وسائر المدن والقرى اللبنانية تدفع ثمن ولادة الكومونولث، وما لم يتظهّر هذا المحور بشكل منظّم وفوري، فالكلفة ستكون على عاتق لبنان. إيران مدعوّة إلى قيادة هذا الكومونولث الجديد ليس من موقعها كجمهورية إسلامية فحسب، بل لكون جوهر وجودها قائماً على نقيض المشروع الصهيوني في المنطقة. "إسرائيل" يا سادة لا تنظر إلى إيران من حيث أنها تشكّل خطراً نووياً، إنما تنظر إليها كنقيض للمشروع الصهيوني. "إسرائيل" تريد تدمير المفاعل المضاد للصهيونية في إيران وليس المفاعل النووي.

إيران بحاجة والحالة هذه إلى مشروع إقليمي ثابت ومستدام. الكومونولث يجب أن يكون مشروعها والمسيحيون المشرقيون يجب أن ينخرطوا بديناميَّة كركن تأسيسي فيه ليحافظوا على وجودهم الذي يتآمر عليه الفكر الصهيوني وأعوانه في الغرب المتصهين. وحدها القوة يمكن أن تواجه القوة، أما انتظار توقيع اتفاق وتسوية فعفا عليه الزمن.