عشر سنوات من التعاون الصيني العربي في بناء الحزام والطريق
يتوافق التشارك في بناء "الحزام والطريق" مع الاحتياجات التنموية للدول العربية لتعزيز التنويع الاقتصادي والتصنيع، ويتماشى بشكل عميق مع استراتيجيات التنمية طويلة الأجل للدول العربية.
ستعقد الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في بكين خلال يومي ال 17وال18 من أكتوبر الجاري، ويصادف هذا العام الذكرى الـ10 لطرح مبادرة الحزام والطريق، لذا يحظى منتدى هذا العام بمزيد من الاهتمام من الصين والمجتمع الدولي باعتباره حدثا دوليا رفيع المستوى في إطار مبادرة "الحزام والطريق". وحتى الآن، قد أكد ممثلون من أكثر من 130 دولة والعديد من المنظمات الدولية حضورهم للمنتدى.
في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة "الحزام والطريق"، التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية وتحقيق المنفعة المشتركة بين شركاء المبادرة من خلال تسهيل التعاون في مشروعات البنية التحتية والتجارة والاستثمار والتبادلات الثقافية وما إلى ذلك. وعلى مدى السنوات الـ10 الماضية، حظيت مبادرة "الحزام والطريق" باهتمام كبير واستجابة إيجابية من الدول العربية، فقد انضمت 21 دولة عربية إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وتعد جامعة الدول العربية أول منظمة إقليمية توقع على وثيقة التعاون لمبادرة "الحزام والطريق" مع الصين. كما تعتبر الصين الدول العربية شريكا طبيعيا في البناء المشترك لـ "الحزام والطريق".
لماذا تعتبر الصين والدول العربية شريكين في بناء "الحزام والطريق"؟
تتمتع كل من الصين والدول العربية بحضارات طويلة، وتبادلت الحضارات الصينية والعربية بشكل عميق عبر طريق الحرير البري وطريق التوابل البحري لأكثر من ألفي سنة.
وتم إدخال صناعة الورق والبارود والطباعة والبوصلة من الصين إلى الدول العربية، وثم انتشرت منها إلى أوروبا. كما انتقلت علوم الفلك والتقويم والطب والصيدلية والرياضيات من العالم العربي إلى الصين في نفس الوقت، مما أثرى إنجازات الصين في هذه المجالات. لعبت هذه التبادلات دورا مهما في تعزيز التطور والتقدم الحضاري بين الجانبين وحتى حضارات العالم.
من المنظور الجغرافي، تقع المنطقة العربية في ملتقي آسيا وأوروبا وإفريقيا، مما جعلها أحد مراكز النقل المهمة التي تربط الشرق والغرب، ولعبت دورا كجسر بين الصين وأوروبا وإفريقيا.
ثانيا، تنتمي كل من الصين والدول العربية إلى الدول النامية وتتبادل الدعم الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للجانب الآخر. ويتمسك الجانبان بمواقف متماثلة ومتطابقة بشأن احترام السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، ورفض التدخل الخارجي، ومعارضة جميع أشكال من الهيمنة وسياسة القوة.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الصين والدول العربية بدرجة عالية من المزايا التكاملية اقتصاديا. تعتبر الصين أكبر شريك تجاري للشرق الأوسط والدول العربية، أما الشرق الأوسط فهو أهم مورد طاقة للصين ويكتسب أهمية كبيرة لضمان أمن الطاقة في الصين. وفي الوقت نفسه، يمكن للصين أن تقدم دعما قويا لعملية التصنيع في البلدان العربية إذ أن الصين تتمتع بالسلسلة الصناعية الكاملة والقطاعات الكاملة والقدرة الإنتاجية العالية.
إنجازات التعاون الصيني العربي في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"
في عام 2014، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تشارك الجانبين الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق"، كما طرح مبادرات بما فيها تشكيل معادلة التعاون "١+٢+٣" المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كالمحور الرئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات عالية التقنية الطاقة النووية والأقمار الصناعية الفضائية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق في التعاون.
في مجال الطاقة، شكلت الصين 3.9٪ فقط من صادرات النفط الخام في الشرق الأوسط في عام 2010، وقفزت هذه الحصة إلى 31.2٪ في عام 2019. وفي عام 2022، شكلت واردات الصين للنفط الخام من الدول العربية 48.38٪ من إجمالي وارداتها للنفط، وشكل الغاز الطبيعي المستورد من الدول العربية 15.7٪ من إجمالي الواردات.
وتحتل الدول العربية خمسة من بين أكبر عشر دول مصدرة النفط الخام للصين وهي السعودية والعراق والإمارات وعمان والكويت. واستثمرت أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية وشركة النفط الوطنية الكويتية وغيرها من شركات النفط في الشرق الأوسط في مشاريع تكرير وكيماويات واسعة النطاق في لياونينغ وتيانجين وفوجيان وتشجيانغ وأماكن أخرى في الصين.
لا يوفر التعاون الصيني العربي في مجال الطاقة ضمانا مهما لأمن الطاقة في الصين فحسب، بل يساعد أيضا الدول العربية على تحقيق التنويع الاقتصادي، ويعزز التحول التدريجي للجانبين من نمط بسيط لتجارة الطاقة فقط إلى التعاون الاستثماري في سلسلة صناعة النفط والغاز بأكملها.
وفي إطار مبادرة "الحزام والطريق"، تم تنفيذ عدد كبير من مشاريع البنية التحتية في الدول العربية. على سبيل المثال، وفرت مشروع منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني-المصري(تيدا) التي بنتها الصين ومصر بشكل مشترك أكثر من 50 ألف فرص عمل للشعب المصري بشكل مباشر أو غير مباشر.
وساعد القسم الشرقي من الطريق السريع شرق-غرب في الجزائر، الذي شاركت الشركات الصينية في بنائه، على فتح الشريان الرئيسي للتواصل الاقتصادي في الجزائر. وفي دبي بالإمارات، شاركت مجموعة هاربين إلكتريك ببناء محطة دبي حصيان لتوليد الكهرباء بالفحم النظيف التي تعد أول محطة التوليد كهرباء بالفحم النظيف في الشرق الأوسط... وفقا للإحصاءات، قد نفذت الصين والدول العربية أكثر من 200 مشروع كبير في البنية التحتية والطاقة وغيرها من المجالات، واستفاد من نتائج هذه المشاريع ما يقرب من ملياري شخص من كلا الجانبين.
ومع الاستمرار في دفع مبادرة "الحزام والطريق" بشكل متعمق، توسع التعاون بين الجانبين إلى مجالات مثل الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والطب والصحة والاتصالات والطاقة النووية والأقمار الصناعية الفضائية.
في مجال الطاقة الجديدة، تعمل الصين على توسيع التعاون مع الدول العربية في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية وغيرها، وتم إنشاء مركز التدريب الصيني العربي للطاقة النظيفة والمعمل الصيني المصري المشترك للطاقة المتجددة، وتم تنفيذ كثير من مشاريع التعاون مثل مشروع محطة الخرسعة الكهروضوئية في قطر، ومشروع المحطة الكهروضوئية بقدرة 186 ميجاوات بمجمع بنبان للطاقة الشمسية في مصر، ومشروع EPC للمحطة الكهروضوئية (التيار المستمر) بقدرة 165 ميجاوات في مصر. في مجال الجيل الخامس للاتصالات، أصبحت الشركات الصينية شركاء محوريين للدول العربية في مجال الجيل الخامس للاتصالات، وهي تحتل حصة سوقية كبيرة في مصر والسعودية والإمارات وعمان والبحرين وغيرها من الدول.
في مجال الطاقة النووية، وقعت الشركات الصينية على الاتفاقيات بشأن الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع كل من الإمارات والسعودية والسودان وغيرها من الدول، وتوصلت معها إلى نية التعاون في مجالات التنقيب عن اليورانيوم وإمداد الوقود النووي وتشغيل وصيانة محطات الطاقة النووية.
وفي مجال الفضاء والأقمار الصناعية، أنشأت الصين والدول العربية منتدى التعاون الصيني العربي لنظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية كآلية للتعاون، وتم افتتاح مركز التميز الصيني العربي لنظام بيدو GNSSفي تونس كأول مركز خارج البلاد لنظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية. كما وقعت الصين على العديد من وثائق التعاون مع الجزائر والسودان ومصر والسعودية وغيرها في مجال الفضاء والأقمار الصناعية، ونجحت في إطلاق القمر الصناعي الجزائري الكوم سات-1، والقمرين الصناعيين السعوديين سات-5A وسات-5B، والقمر الصناعي السوداني للاختبارات العلمية إلى الفضاء.
يتوافق التشارك في بناء "الحزام والطريق" مع الاحتياجات التنموية للدول العربية لتعزيز التنويع الاقتصادي والتصنيع، ويتماشى بشكل عميق مع استراتيجيات التنمية طويلة الأجل للدول العربية مثل "رؤية 2030" في المملكة العربية السعودية، و"خطة التنشيط" في مصر، و"الرؤية الوطنية 2030" لدولة قطر، و"مبادئ الخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة"، و"رؤية الكويت 2035"، مما يولد المزيد من الفرص للدول العربية.
أما الصين فتتمتع بالقدرة الإنتاجية الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والتصنيع المتطور والابتكار العلمي والتكنولوجي. الأمر الذي يمكن الشركات الصينية من المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية للدول العربية من خلال الاستثمار فيها والتعاون مع حكوماتها، وتساعد الدول العربية على إنشاء وترقية العديد من النظم الصناعية الجديدة. وخلق المزيد من فرص التعاون للشركات من الجانبين، وتعزيز الرخاء والتنمية المشتركة للصين والدول العربية.