طريق الحج طريق إلى الاستقلال
مشروع الربط السككي في السودان يُعدّ فرصةً ذهبية لتطوير عمليات الإنتاج لسلع مهمة، كما ويوفّر لها وسيلة نقل رخيصة تمكنها من الحضور والمنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
وقّعت وزارة النقل السودانية منتصف هذا الشهر اتفاقاً مع شركة عربية خليجية لإنشاء خط سكة حديد يربط بين مدينتي بورتسودان الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر وأبشي التشادية، وقالت وزارة المال إن قيمة الصفقة تبلغ 15 مليار دولار.
سبق أن سوّقت الحكومة السودانية مشروعاً للربط السككي يمتد بين السودان والسنغال ويربطهما بتشاد ومالي والنيجر، يبدأ من مدينة بورتسودان وينتهي في داكار، ويعد المشروع الذي وقعته الحكومة الانتقالية في السودان والشركة الخليجية جزءاً من هذا المشروع الكبير الذي تبنته منظمة التعاون الإسلامي وأجازته القمة الإسلامية في داكار عام 2008، وتبنت المنظمة تمويله بعد أن وعدت بذلك شركة صينية صممت على ربط هذا المشروع بمنطقة حرة على البحر الأحمر كأنها تهيئ الأمر لخدمة المبادرة الصينية المعروفة بالطريق والحزام.
على الرغم من مرور 14 عاماً على قمة داكار لم تشرع منظمة التعاون الإسلامي في تنفيذ هذا المشروع الذي أهمله السودان، على كثرة الفوائد التي يحققها له وللمنطقة، خصوصاً أنه يُحيي طريق الحج الأفريقي الذي جعل السودان جسراً بين حجاج غربي أفريقيا وبلاد الحرمين، إذ عزز هذا الطريق التفاعل الحضاري بين دول وشعوب هذا الإقليم، وقوّى هذا التفاعل أواصر الصلات بين الشعوب، وعزز مكانة اللغة والثقافة العربيتين في غربي أفريقيا؛ لأن الحجاج القادمين منها يقضون سنوات في العمل في المشروعات الزراعية السودانية ليجمعوا المال الذي يمكنهم من تغطية نفقات الحج فيتعلموا خلال تلك الفترة اللغة العربية ويزداد اعتزازهم وتمسكهم بها، وهو ما قوى ارتباطهم بالعرب وبالقضايا العربية.
يعبر مشروع الربط السككي هذا مناطق إنتاج مهمة جداً في السودان وبقية الدول التي يعبرها، فيعزز فرص ما يمكن تسميته عملية الإحياء والتكامل الاقتصادي، إذ يوفر هذا الطريق فرصة ذهبية لتطوير إنتاج سلع مهمة مثل الصمغ العربي والدخن والذرة، ويوفر لها كذلك وسيلة نقل رخيصة تمكنها من الحضور والمنافسة في الأسواق، بما فيها الأسواق العالمية، ويسمح هذا المشروع بتطوير عمليات الاستثمار في الثروة الحيوانية، والاستثمار في مجالات التعدين، ويفتح آفاقاً جديدة للاستثمار السياحي في مناطق تتفرد بمقومات سياحية قل مثيلها، ومع كل ذلك سيتيح هذا المشروع فرصة للتكامل بين الدول والشعوب.
ولئن أحيا طريق الحج الأفريقي الزراعة في وسط وشرقي السودان، فإن هذا المشروع سيُحيي أراضي زراعية ظلت تنتظر من يُحييها على مر الزمن داخل السودان الذي يمتلك 200 مليون فدان صالحة للزراعة، استثمر ربعها فقط وعجز عن استثمار الباقي بسبب عدم توافر الأيدي العاملة وضعف رأس المال، فدخول الأيدي العاملة من غربي أفريقيا يعالج النقص في الأيدي العاملة، ودخول الخليج يوفر رأس المال، وحينذاك يحدث التكامل العربي الأفريقي الذي سيمكن الجميع من تحقيق أمنه الغذائي الذي هو إحدى أبرز ركائز الأمن القومي لأي أمة، وإحدى ركائز استقلالها السياسي.