ضربٌ مِن "جنون" أفريقيا
المحكمة مسمار في تابوت العهد. مسمار في تابوت كل السردية. ما يحدث سيُفقدُ الإسرائيلي إيمانه بدينه لأنه خضع للتشويه ليلائم المشروع الصهيوني.
البعض باتَ يسمّيها "جنون" أفريقيا. إنها جنوب أفريقيا أيها العالم المتثائب. يتجدَّبُ العالمُ "الحرُّ" في أميركا وأوروبا وبعض البلاد العربية سابقاً. يتحضَّرُ العالم " الحرّ" في الصباح الباكر لتناول الدوناتس المحشو بالشوكولاتة والمَطليّ بطبقة لمّاعة من السكّر وتذوّق الكرواسان المقرمش المحشوّ بالجبنة.
على مقربة من قادة العالم "الحرّ" شاشات عملاقة ولوحات ذكية تخترقها بين الفينة والفينةِ أشلاءُ أطفال مكتوبة أسماؤهم على سواعدهم وسيقانهم النحيلة للتعرف إلى هوياتهم بعد تشوّه ملامحهم.
لا يهتم القادة بالإبادة الجماعية التي تدور رحاها في غزة. المهم ألا يبرد الكرواسان المحشوّ بالجبنة. يجب التهامه طازجاً وساخناً ومقرمشاً تماماً كما بات التهام جثامين الأطفال الفلسطينيين طازجاً وساخناً ومقرمشاً في غزة.
"جنون" أفريقيا بدلاً من جنوب أفريقيا باتوا يرددون في الأروقة. أي جنون أصاب هذه البلاد حتى تتجرَّأ على "إسرائيل"؟ لقد حقق مانديلا حلمه بتحرير البشرة الملونة من البشرة البيضاء منذ عقود، فما باله يستفيق من قبره اليوم ليحرّر البشرة الفلسطينية من الصهاينة؟
وهل يصدق أيُّ عقلٍ أن محكمة العدل الدولية ستَدين أفضل ديمقراطية أُخرِجَت للشرق الأوسط؟ وأي عدل سيواجه "حق إسرائيل" في الدفاع عن نفسها؟ ثم إن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب، فما بال الأفارقة يتنطّحون للدفاع عنها؟
لن تَدين المحكمة "إسرائيل" بالإبادة الجماعية. تُجمِعُ الأوساط المراقبة على هذه النتيجة بعد المداولات. بدأ الصهاينةُ الاحتفال مسبقاً بالنتيجة المنتظرة. إنما هل تَفَكَّرَ أحدٌ مِنّا فيما تعنيه مقاضاة هذا الكيان أمام محكمة دولية؟ كان مجرد التفكير في ذلك قبل أعوام ضرباً من الخيال؛ ضرباً من جنون أفريقيا. الصورة تهشَّمَت. تهشَّمَت في الميدان، ثم تهشَّمَت في الوجدان.
حتى اليهودي لم يعد يصدّق قصَّته. بدأ يعترف بأن القصة المعترف بها هي قصة فلسطين والشعب الفلسطيني. بمحكمة ومن دون محكمة بات "الإسرائيلي"، على الرغم من الأحقاد التي تسكنه، يخاف. خوفه ناجم عن أنه مقتنع بعد الطوفان بأنه شعب محتل لشعب آخر، وأن الأرض التي يسكن عليها مسكونة بأرواح الفلسطينيين، وأنه لو افترض جدلاً أنه سينتصر في غزة فمن المؤكد أن أرواح الفلسطينيين ستخرج إليه ليلاً من المطبخ وغرفة الجلوس وغرف النوم في بيته المسروق ومستوطناته المغتصبة.
المحكمة مسمار في تابوت العهد. مسمار في تابوت كل السردية. ما يحدث سيُفقدُ الإسرائيلي إيمانه بدينه لأنه خضع للتشويه ليلائم المشروع الصهيوني. المحكمة مقدمة ليتقدم اليهود المغدورون من الصهيونية بدعوى مماثلة أمام المحكمة لمحاكمة كل من كذب عليهم واستقدمهم من أفريقيا وأوروبا ومن أقاصي الأرض الى أرض فلسطين.
باتت السردية الصهيونية موضوع تندّر في العالم، وتتحول الى أفلام قصيرة تُنشَر في وسائل التواصل الاجتماعي. تقرع إحدى السيدات باب بيتٍ مُسالم في إحدى ضواحي روما الإيطالية فيفتح لها رجل. السيدة: صباح الخير سيدي. هل تعيش هنا؟ نعم سيدتي. وحدك، أم مع عائلتك؟ مع عائلتي سيدتي. السيدة: عليك الخروجَ فوراً من هذا البيت لأنه بيتي. الدليل أنني من أصول رومانية، والرومان احتلوا هذه الأرض في القرن الخامس الميلادي. لذلك، هذا البيت لأجدادي، فاخرج منه حالاً.
يحاول الرجل أن يفهم فلا يفهم. يعتقد أن السيدة تصبّحه بنكتة سمجة. السيدة لا تمزح. تستلّ مسدسها من حقيبتها وتطلق النار على مالك البيت. تفشخ فوق جثته. تلتفت إلى الوراء، وتنادي عائلتها وتدعوها إلى الدخول. في البيت يعلو الصراخ قليلاً، ثم بعده إطلاق نار.
يُقتَلُ مُلّاك البيت ويحتل الغريب الأمكنة. هذا بالتحديد ما حدث في فلسطين. هذا بالتحديد ما كسرت قدسيته الكاذبة محكمةُ العدل الدولية. "إسرائيل" قابلة للمحاسبة. "إسرائيل" بيت العنكبوت، أمنياً، بيتُ عنكبوت أيضاً، في شرعيتها المزعومة.