سوريا عقدة عبور نفطيّة.. مشروعات إقليميّة تنتظر تغطية سياسية

لم يكن مشروع خط الغاز العربي الذي تم الاتفاق عليه في العام 2000 وبدأ بتنفيذه في العام التالي، سوى مشروع واحد من مجموعة مشروعات إقليمية للتعاون في عملية نقل النفط والغاز وتصديرهما.

  • مع دخول إيران على خط التعاون النفطي الثنائي بين دمشق وبغداد، برزت أكثر أهمية البوابة السورية
    مع دخول إيران على خط التعاون النفطي الثنائي بين دمشق وبغداد، برزت أكثر أهمية البوابة السورية

هل فرض موقع سوريا الجغرافي نفسه كخيار لا بد منه في مساعي منع انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني، أو أن الأمر برمته لا يعدو كونه محاولة أميركية هدفها تمرير مسألة تخفيف العقوبات المفروضة بموجب قانون "قيصر" من نافذة الجهود العربية لمساعدة لبنان؟

مهما كانت الإجابة، وبغض النظر عن الحسابات والمصالح السياسية، فإنَّ بدء العمل بمشروع إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية يعني أنَّ هناك اعترافاً دولياً وإقليمياً ضمنياً بالحاجة إلى سوريا بحكم موقعها الجغرافي، وإن كانت الولايات المتحدة الأميركية تسعى من خلال قواتها المتمركزة في منطقتي الجزيرة والتنف السوريتين إلى تحجيم ذلك الدور ومحاصرته تحقيقاً لهدفين متلازمين؛ الأول يتمثل بالحيلولة دون حدوث تواصل جيو-اقتصادي بين كل من إيران والعراق وسوريا، والآخر تقديم "إسرائيل" كبديل من سوريا في مشروعات التعاون الإقليمي بين بعض دول قارتي آسيا وأوروبا، بدءاً من قطاع الطاقة، وصولاً إلى التجارة، لكن هل هناك مشروعات إقليمية أخرى في مجال النفط والغاز يمكن أن يكون لسوريا دور مهم فيها مستقبلاً؟ وماذا عن موقف الدول الغربية من تلك المشروعات في ضوء الحاجة إلى الموافقة أو المشاركة السورية؟

بلد عبور

لم يكن مشروع خط الغاز العربي الذي تم الاتفاق عليه في العام 2000 وبدأ بتنفيذه في العام التالي، سوى مشروع واحد من مجموعة مشروعات إقليمية للتعاون في عملية نقل النفط والغاز وتصديرهما، بعضها كان قيد البحث والنقاش رسمياً، وبعضها الآخر كان قيد التداول بحثياً كمشروعات مستقبلية لا بدَّ منها. 

أهمية سوريا في هذه المشروعات ترجع، بحسب المستشار في شؤون الطاقة المهندس علي عباس، إلى موقعها "الجغرافي المتميز، وخصوصاً ما يتعلّق بموضوع الطاقة بشكل عام، والغاز والنفط بشكل خاص، إذ تتوسط سوريا الدول المنتجة للنفط والغاز في الشرق (العراق وإيران...) والجنوب (السعودية ودول الخليج الأخرى) من جهة، والدول المستهلكة في الشمال (تركيا وبلغاريا...) والغرب (دول أوروبا الغربية، وأهمها اليونان وإيطاليا ورومانيا...) من جهة أخرى، ما يجعلها معبراً مهماً لخطوط نقل النفط والغاز بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، إضافةً إلى خطوط نقل الطاقة الكهربائية"، ولا سيما أنَّ أشكال نقل النفط والغاز القائمة حالياً بين الدول المنتجة في المنطقة والدول المستهلكة لها في الغرب، باتت مكلفة لبعض الدول من ناحية، ولا تلبي احتياجات الإنتاج في دول أخرى من ناحية ثانية.

وكما يوضح المهندس سليمان العباس، وزير النفط والثروة المعدنية الأسبق، فإن "عملية تصدير الغاز السائدة في معظم دول المنطقة، والتي تتم عبر البواخر، تتسم بارتفاع التكلفة مقارنة بعمليات التصدير التي تجري عبر شبكة أنابيب، إذ إنَّ الدول المصدرة تكون مضطرة إلى عملية تسييل كميات الغاز المراد تصديرها، ليتاح نقلها بالبواخر، والدول المستوردة تكون مضطرة إلى إعادة الغاز المصدّر إليها إلى شكله السابق عند الإنتاج، ليتاح لها وضعه في الاستثمار".

ويضيف وزير النفط الأسبق في حديثه إلى الميادين أنَّ هناك "في المقابل دولاً تحتاج إلى منافذ تصديرية جديدة لتصريف إنتاجها، كالعراق مستقبلاً (أما الآن، فهي مستوردة للغاز من إيران بسبب تهالك بناها التحتية، وعدم استثمار الغاز المرافق المهدور، وكذلك عدم البدء باستثمار المكتشف من حقول الغاز)، وهو ما يعظّم أهمية موقع سوريا كبلد عبور لخطوط نقل الغاز والنفط بعد استقرار الأوضاع الأمنية فيها".

مشروعات عدّة

تقسم مشروعات نقل وتصدير النفط والغاز عبر البوابة السورية إلى قسمين؛ الأول يتمثل بالمشروعات التي دخلت حيز التنفيذ خلال السنوات السابقة، سواء تلك التي نُفذت بالفعل واستثمرت لفترة زمنية معينة قبل أن تدخل سوريا في أزمتها المستمرة، أو تلك التي تبلورت ملامحها عبر اتفاقيات الدول المعنية، ولم تنفذ نتيجة تطورات الأزمة السورية خاصة، والمنطقة عموماً، والقسم الآخر يتعلق بالمشروعات المرتقبة التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية، ولا تزال بانتظار توفر المناخ السياسي الدافع لها.

يتصدَّر خط الغاز العربي قائمة مشروعات القسم الأول؛ فالمشروع الذي بدأت أولى خطواته التنفيذية مطلع الألفية الثالثة، شهد في العام 2008 إنجاز جزئه السوري، وهو ما أتاح عملية ربطه مع شبكتي الغاز التركية واللبنانية ودخوله حيز التنفيذ، لجهة تزويد كلّ من سوريا ولبنان بالغاز المصري قبل أن يتوقّف ذلك مع تعرّض الخط في جزئه المصري لعدة تفجيرات مطلع الثورة المصرية، ولأعمال واعتداءات تخريبية في جزئه السوري خلال سنوات الأزمة السورية، فضلاً عن تراجع كميات الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي، وذلك قبل أن يُصار إلى اكتشاف حقل الظهر في العام 2015، وتالياً إعادة فرصة إحياء استثمار الخط من جديد، سواء عبر العودة إلى تلبية احتياجات الأردن فعلياً، أو عبر المساعي الأخيرة الرامية إلى تزويد لبنان بحوالى 1.6 مليون متر مكعب يومياً من الغاز المصري لتشغيل محطات الكهرباء المتوقفة. 

وبالتوازي مع توقيع اتفاقية إنشاء خط الغاز العربي في العام 2000، كان ثمة اتفاق مشترك يوقع بين دمشق وبغداد لتصدير كميات من النفط والغاز العراقيين عبر الموانئ السورية. وبحسب ما يشير الوزير العباس، فإن "الاتفاق كان يقضي بإنشاء خطوط لنقل النفط (الخفيف والثقيل) والغاز إلى المرافئ السورية، كما تم بحث إمكانية نقل الغاز المكتشف في حقل عكاس، والذي شاركت دمشق في عمليات الاستكشاف والتنقيب فيه، إلى سوريا عبر البنى التحتية من خطوط ومحطات ومعامل غاز قريبة في الجانب السوري، وهو ما كان سيتيح لسوريا سدّ احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ولا سيما مع وجود 8 معامل للغاز بطاقة معالجة إنتاجية تزيد بحوالى الضعف عن الإنتاج المحلي، ومن ثم تصدير الباقي عبر المرافئ السورية، إلا أنَّ المشروع توقف مع غزو الولايات المتحدة الأميركية للعراق في العام 2003". 

ورغم أنَّ الحديث عاد مجدداً عن إمكانية التعاون النفطي والغازي بين البلدين خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي لدمشق في العام 2009، فإنَّ تطورات الأوضاع فيهما لاحقاً حالت دون وضع الاتفاقيات التي وقعت آنذاك موضع التنفيذ. 

ومع دخول إيران على خط التعاون النفطي الثنائي بين دمشق وبغداد، برزت أكثر أهمية البوابة السورية في المشروعات الإقليمية للنفط والغاز وأفق تلك المشروعات وفرص توسعها؛ ففي العام 2011، وقع وزير النفط السوري على مذكرة تفاهم مشتركة مع نظيره العراقي والإيراني، لإنشاء مشروع خط لنقل الغاز الإيراني عبر العراق إلى سوريا كمرحلة أولى، ومنها عبر البحر المتوسط إلى اليونان، ثم إيطاليا كمرحلة ثانية، وباستطاعة إجمالية تصل الى 110 مليون متر مكعب يومياً، لكن مرة أخرى عرقلت الأوضاع في كلّ من العراق وسوريا خلال العقد الثاني من الألفية الثالثة تنفيذ مثل هذا المشروع، والذي لا يزال يحظى بأولوية استراتيجية لدى حكومات الدول الثلاث، بدليل توقيع سوريا وإيران على مذكرة تفاهم جديدة في العام 2013 بخصوص المشروع نفسه، وقعها عن الجانب السوري المهندس سليمان العباس، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير النفط والثروة المعدنية. وتالياً، إنّ المشروع المذكور ينتظر تحسّن الأوضاع الأمنية وانسحاب القوات الأجنبية من الأراضي العراقية والسورية. 

أما المشروعات المنتظر تنفيذها في المستقبل، فهي، كما يرجّح المهندس علي عباس، تنحصر في "مشروعات خطوط لنقل النفط والغاز من الدول المنتجة (السعودية – قطر – دول الخليج الأخرى) عبر سوريا إلى الدول المستهلكة، كتركيا ودول غرب أوروبا. وتعتبر هذه المشاريع استراتيجية ومهمة لكلا الطرفين؛ الدول المنتجة لضمان أسواق استهلاك مستقرة ودائمة، والدول المستهلكة لضمان موثوقية التزود بالطاقة وتعدد مصادرها".

سياسة الغرب!

إذا كان خطّ الغاز العربيّ قد كُتب له النجاح خلال فترة زمنية ما، نتيجة الدّعم الذي حظي به من دول الاتحاد الأوروبي التي قامت باستحداث مركز متخصّص بدراسات الغاز في دمشق سمي "مركز الغاز الأوروبي المشرقي"، وقامت بتمويله وتشغيله لسنوات عديدة، فإنَّ توقف عمل الخط، ومن ثم محاولة إعادة تشغيله في الفترة الأخيرة، ارتبط بمواقف سياسية إقليمية ودولية، بدليل أنَّ مركز دراسات الغاز الأوروبي المذكور سابقاً جرى توقيفه في العام 2011، مع صدور الموجة الأولى من العقوبات الغربية على دمشق.

 كما أنَّ إعادة تشغيل الخط العربي مؤخراً لإيصال الغاز المصري إلى لبنان جاءت بعد موافقة أميركيَّة. ولهذا، فإنَّ تنفيذ مشروعات الربط النفطي والغازي في المنطقة يبقى رهين المواقف السياسية للدول الكبرى، وفي مقدّمتها واشنطن، التي تنظر، بحسب اعتقاد الوزير عباس، إلى وصول توريدات جديدة من الغاز العربي والإيراني إلى القارة الأوروبية بمثابة منافسة لمحاولتها دفع الدول الأوروبية إلى زيادة اعتمادها على الغاز الأميركي المسال. وكذلك، فإنَّ سياستها تقوم على عدم السماح لدول مثل إيران والعراق وسوريا بالتحوّل إلى لاعبين مهمين في سوق النفط والغاز العالمي.

مع ذلك، إنَّ المهندس علي عباس يؤمن بأنَّه رغم "التأثير السلبي للأزمة في سوريا في قيام دمشق بهذا الدور الاستراتيجي المهمّ كبلد لعبور خطوط الطاقة، وتالياً ربط الدول المنتجة مع الدول المستهلكة، فإنَّ ذلك لن يفقد سوريا هذه الأهمية، وستبقى بلد العبور المهم مستقبلاً، وخصوصاً أنه خلال السنوات العشر الماضية، لم يتم تنفيذ مشاريع طاقة جديدة تغير مسار العبور. وفي النهاية، تبقى السياسة هي العامل الأساسي في هذا المجال".