زيارة بوتين للصين... توطيد وإثراء للعلاقات الصينية - الروسية
لا تزال الصين وروسيا، بوصفهما بلدين رئيسيين في العالم وعضوين دائمين في مجلس الأمن، تعززان حسن الجوار والتعاون الودي الذي يتسم بأهمية كبيرة للسلام والاستقرار الإقليميين.
تلبية لدعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصين بين يومي 16 و17 مايو. هذه الرحلة هي الزيارة العشرون لبوتين إلى الصين، وهي أول زيارة له منذ بدء فترة رئاسته الجديدة.
وقد التقى الرئيسان الصيني والروسي أكثر من 40 مرة منذ عام 2013، وكانت الزيارة المتبادلة الأخيرة العام الماضي، إذ إن الرئيس الصيني شي جين بينغ زار روسيا في مارس 2023، في أول زيارة دولية بعد إعادة انتخابه رئيساً للصين، كما زار بوتين الصين في أكتوبر الماضي لحضور منتدى "الحزام والطريق" الثالث للتعاون الدولي.
تصادف هذا العام الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا. تصف وزارة الخارجية الصينية زيارة الرئيس بوتين للصين بأنها "جاءت في الوقت المناسب وحققت نتائج مثمرة".
وفي مقابلة مكتوبة مع وكالة أنباء شينخوا الصينية، قال بوتين أيضاً: "إن المستوى غير المسبوق للشراكة الاستراتيجية بين البلدين هو الذي دفعني إلى اختيار الصين كأول دولة لزيارتها منذ أن بدأت فترة جديدة لرئاسة الاتحاد الروسي".
وخلال الزيارة، وقع رئيسا الصين وروسيا وأصدرا معاً "البيان المشترك لجمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي بشأن تعميق شراكة التعاون الاستراتيجي الشامل في العصر الجديد لمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، وشهدا توقيع أكثر من 10 وثائق تعاون مهمة بين الطرفين.
إن التعاون العملي بين الصين وروسيا له أساس متين، وتطوير العلاقات الثنائية ليس حلاً مؤقتاً، ولكنه يتمتع بزخم داخلي قوي وقيمة مستقلة.
من حيث الاقتصاد والتجارة، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا لمدة 14 عاماً متتالية عام 2023. وصل حجم التجارة بين الصين وروسيا إلى مستوى قياسي بلغ 240.1 مليار دولار أميركي عام 2023، بزيادة سنوية قدرها 26%، أي أكثر من ضعف حجم التجارة لعام 2020 الذي بلغ 1078 مليار دولار أميركي.
وتم تحقيق هدف 200 مليار دولار أميركي للتجارة الثنائية، الذي حدده رئيسا الدولتين عام 2019 قبل عام واحد من الموعد المحدد. ومن يناير إلى أبريل من هذا العام، بلغ حجم التجارة بين الصين وروسيا 76.58 مليار دولار أميركي، بزيادة سنوية قدرها 4.7%. إذا تم الحفاظ على هذا الزخم، فمن المتوقع أن يسجل حجم التجارة الثنائية رقماً قياسياً جديداً عام 2024.
تشمل الواردات الروسية الرئيسية من الصين السيارات ومكوناتها والمعدات الميكانيكية والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والملابس والأحذية، وتصدر روسيا النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم والنحاس والخشب والمأكولات البحرية إلى الصين.
كانت تجارة المنتجات الميكانيكية والكهربائية التقليدية الكثيفة والعمالة المنخفضة والقيمة المضافة هي المحور الرئيسي للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الروسي في الماضي، ولكن في السنوات الأخيرة، تطورت المنتجات ذات القيمة المضافة العالية المتمثلة في السيارات وآلات البناء وما إلى ذلك بسرعة.
عام 2023، أصبحت روسيا أكبر بلد لتصدير السيارات الصينية، إذ صدرت الصين أكثر من 900 ألف مركبة إلى روسيا. إضافة إلى ذلك، هناك العديد من العلامات التجارية الصينية مثل الهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية وآلات البناء التي تكتسب شعبية واعترافاً كبيراً في السوق الروسية، والتي يفضلها المستهلكون الروس بشكل متزايد.
ويعد التعاون في مجال الطاقة جزءاً هاماً من الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وقد تجاوزت روسيا المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر مورد للنفط الخام للصين عام 2023.
كدولة غنية بالموارد، تحتل روسيا المرتبة الأولى في إنتاج الغاز الطبيعي، والمرتبة الثامنة في احتياطيات النفط في جميع أنحاء العالم. وكقوة صناعية عالمية، تستهلك الصين كمية كبيرة من الطاقة، وتعتمد على الدول الأجنبية في هذا المجال بشكل كبير.
لا يضمن التعاون في مجال الطاقة بين الصين وروسيا أمن إمدادات الطاقة الصينية فحسب، بل يساعد أيضاً في تحقيق تنويع صادرات الطاقة الروسية، ما يحقق الكسب المشترك للتعاون الصيني الروسي. إضافة إلى ذلك، يواصل البلدان دفع التنمية الرفيعة المستوى للتعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة وتعزيز التعاون في مجالات مثل الطاقة المتجددة وطاقة الهيدروجين وسوق الكربون والطاقة النووية وغيرها من الطاقة النظيفة.
في ما يتعلق بالزراعة، تتمتع الصين وروسيا بمزايا تكاملية للغاية في الزراعة. تمتلك روسيا موارد زراعية وفيرة، مع 9% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، و25% من مواردها من المياه العذبة، وهي مصدر مهم للمنتجات الزراعية العالمية، إذ يمثل إنتاج القمح ما يقارب 10% من إجمالي العالم عام 2021، ونحو 16% من الصادرات العالمية.
على الرغم من أن الصين بلد زراعي رئيسي أيضاً، فإن نصيب الفرد من مواردها الزراعية غير كافٍ. مع تحديث هيكل الاستهلاك الغذائي للسكان، سيستمر الطلب الدولي للصين على المنتجات الزراعية عالية البروتين، مثل المنتجات المائية والحيوانية، في الزيادة.
يشير البيان المشترك الموقع هذه المرة إلى أن الصين وروسيا ستوسعان الوصول المتبادل إلى الأسواق للمنتجات الزراعية للبلد الآخر، ورفع مستوى التجارة في المنتجات الزراعية، مثل فول الصويا ومنتجاته المصنعة، والمنتجات المائية والحبوب وما إلى ذلك، ومواصلة دراسة إنشاء مناطق تجريبية رائدة للتعاون الزراعي الصيني في الشرق الأقصى ومناطق أخرى من روسيا.
وظل رئيسا الصين وروسيا يعلقان أهمية كبيرة على تعزيز التعاون في المجالين الثقافي والإنساني. عام 2023، أعلن رئيسا الصين وروسيا بشكل مشترك عقد فعالية العام الثقافي الصيني الروسي من 2024 إلى 2025.
خططت الأجهزة الثقافية الصينية والروسية للمئات من أنشطة التبادل المتنوعة في إطار هذا العام الثقافي. وفقاً لبيانات وزارة الخارجية الصينية، تجاوز عدد الطلاب المتبادلين بأنواع مختلفة بين الصين وروسيا 100 ألف عام 2019.
في الوقت نفسه، تعد الصين وروسيا وجهات سياحية لبعضهما البعض. وفقاً للإحصاءات الصينية، بلغ إجمالي عدد السياح الروس إلى الصين 997.9 ألف عام 2023. ووفقاً للإحصاءات الروسية، بلغ عدد السياح الصينيين إلى روسيا خلال الفترة نفسها 477 ألفاً، وهي المرتبة الأولى بين جميع الدول التي يزور مواطنوها روسيا.
تتمتع الصين وروسيا بتكامل اقتصادي قوي، ويثري البلدان ويعمقان تعاونهما على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة. ولطالما التزمت العلاقات الصينية الروسية بمبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف الطرف الثالث، وهي لا تتأثر بعوامل الطرف الثالث.
لقد ضخت دبلوماسية القيادة الصينية والروسية زخماً وحيوية جديدين للعلاقات الصينية الروسية. وفي البيئة الدولية المعقدة، لا تزال الصين وروسيا، بوصفهما بلدين رئيسيين في العالم وعضوين دائمين في مجلس الأمن، تعززان حسن الجوار والتعاون الودي الذي يتسم بأهمية كبيرة للسلام والاستقرار الإقليميين، كما أنه ضمان هام للسلام والاستقرار العالميين.