رفاق درب إردوغان.. ساعة الانتقام
بولنت أرينج هو الحلقة الأخيرة في مسلسل رفاق الدرب الذين ابتعدوا عن إردوغان، وفي مقدمتهم عبد الله غول وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وعبد اللطيف شنار.
منذ أشهر، يستنفر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كل إمكانياته لمصالحة أعدائه السابقين في الخارج، ومنهم زعماء الإمارات و"إسرائيل" والسعودية ومصر، وهو ما أجبره على التراجع عن جميع مقولاته ومواقفه وتصرفاته ضد هؤلاء الزعماء، وهو الّذي قال عنهم "إنهم أعداء الأمة التركية والدولة التركية".
في المقابل، يستمرّ في حملاته ضد جميع أعدائه في الداخل، ويتّهمهم تارة بالخيانة، وتارة أخرى بالعمالة، وأحياناً بالإرهاب والتآمر على الأمة والدولة التركيتين، من دون أن يستثني أحداً من هذه التهم، بمن فيهم رفاق دربه السابقون، فقد فاجأ رئيس البرلمان ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينج الجميع عندما وجَّه الأسبوع الماضي انتقادات عنيفة إلى الرئيس إردوغان، واتهمه "بالاستبداد والاستكبار والتسلط"، وناشده "إعادة النظر في مجمل مواقفه وسياساته وإجراءاته".
بولنت أرينج هو الحلقة الأخيرة في مسلسل رفاق الدرب الَّذين ابتعدوا عن إردوغان، وفي مقدمتهم الرئيس السابق عبد الله غول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، وهو الآن زعيم حزب المستقبل، ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، وهو الآن زعيم حزب الديمقراطية والتقدم. وقد سبقهم جميعاً نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق عبد اللطيف شنار، الذي استقال من الحكومة ومن حزب العدالة والتنمية عام 2007، بعد أن اتهم إردوغان بالتورط في قضايا فساد خطرة كان اليهود طرفاً فيها.
عبد الله غول وبولنت أرينج وعبد اللطيف شنار هم من أهم مؤسسي العدالة والتنمية عام 2001، وهم الآن، ومعهم المئات من رفاق الدرب، جميعاً ضد إردوغان، الَّذي يقولون عنه إنه لم يعد إردوغان عام 2001.
وتتلخّص اتهامات رفاق دربه في العديد من القضايا الداخلية والخارجية، أهمها التورط في قضايا فساد خطرة، والاستبداد والديكتاتورية والاضطهاد والاستيلاء على مرافق الدولة وأجهزتها بالقوة، وأبرزها الأمن والمخابرات والجيش والقضاء.
ويقول هؤلاء إنَّ ذلك ساعد إردوغان على فرض أجندته الداخلية والخارجية على الجميع، بعد أن سيطر على 95% من الإعلام الخاصّ، وأحكم سيطرته على الإعلام الحكومي، وهو يبدو الآن البوق الذي يلعلع باسمه، فالمحاكم، وبتوجيهات من السلطة، تصدر أحكامها ضد معارضيه السياسيين والإعلاميين والأكاديميين، وحتى المواطنين العاديين، وآخر مثال على ذلك هو إسقاط الحقوق المدنية عن رئيسة حزب الشعب الجهوري في إسطنبول، ومنعها من ممارسة النشاط السياسي، انتقاماً من دورها الفعال في انتصار أكرم إمام أوغلو في الانتخابات البلدية في آذار/مارس 2019.
ولم يكتفِ إردوغان بذلك، فقد أمر البرلمان باستصدار قانون جديد اعتبرته المعارضة الضربة القاضية لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي. ويمنع القانون الجديد، في حال صدوره، أي شخص، مهما كان موقعه، من أن يكتب أو يتحدث عن أي قضية تشكل خطراً على الأمن القومي والسلم الاجتماعي، وهو ما سيحدد القانون إطاره.
على سبيل المثال، لن يستطيع أحد أن ينتقد سياسات إردوغان في سوريا أو ليبيا أو أي مكان آخر. كما لن يستطيع أحد أن يتحدث عن التضخم والبطالة وغلاء المعيشة وتراجع قيمة الليرة التركية إلا في إطار المعلومات الرسمية، ولن يستطيع أحد أن ينشر أيّ شيء عن نتائج استطلاعات الرأي التي تتوقع لإردوغان هزيمة مدوية في الانتخابات القادمة.
هذا القانون ليس سلاح إردوغان الوحيد ضد معارضيه، فهو يستعد لاتخاذ إجراءات وتدابير لا تخطر على بال أحد مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في حزيران/يونيو القادم. وتتحدث المعارضة عن سيناريوهات عديدة تحدد مصير هذه الانتخابات التي قد يؤجلها إردوغان لأسباب أمنية، داخلية أو خارجية، ومنها الحرب في سوريا أو العراق أو ليبيا، وحتى مع اليونان، فيما يتحدث آخرون عن سيناريوهات أخطر، منها أن يعقد رئيس المفوضية العليا للانتخابات مؤتمراً صحافياً ليلة الانتخابات، ويعلن فوز إردوغان على منافسه، فالمفوضية هي السلطة القضائية الأعلى، ولا اعتراض على قراراتها بأيِّ شكل كان. وقد اتهمته المعارضة بإحكام سيطرته عليها، وذلك بتعيين شخصيات موالية له فيها، كما أنه غيّر قانون تشكيل اللجان الانتخابية، ليتسنى له تعيين القضاة الموالين له أعضاء ورؤساء لهذه اللجان.
وتكتسب مخاوف المعارضة هذه خطورة أكبر لدى الحديث عن احتمال انفجار الوضع الأمني في حال خروج المواطنين إلى الشوارع للاعتراض على قرار المفوضية، إذ ستتصدى لهم الميليشيات المسلحة الموالية لإردوغان، وهي المخاوف التي تحدث عنها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، فيما يتحدث الإعلام المعارض عن سيناريوهات أخطر، مفادها أن إردوغان لن يتردد في الاستنجاد بمسلحي الفصائل السورية المسلحة للتصدي لمعارضيه في الداخل، وهو شأن خطر جداً.
لهذه الأسباب جميعاً، ربما خرج نائب رئيس الوزراء الأسبق بولنت أرينج ليعبر عن قلقه البالغ من مثل هذه السيناريوهات، وهو أدرى بها، لأنه كان مقرباً جداً من إردوغان، حاله حال عبد الله غول وأحمد داوود أوغلو وعبد اللطيف شنار وعلي باباجان والعشرات من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، وهم الآن جميعاً ضد إردوغان وسياساته وحساباته ومغامراته الخطرة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية.
لا يبالي إردوغان بكلّ ذلك ما دام يسيطر على جميع أجهزة الدولة والإعلام الحكومي والخاص الذي يسوّق لأفكاره ومقولاته المتناقضة باستمرار، وهو ما لم يكن كافياً لمنع تدهور شعبيته التي تراجعت إلى أقلّ من 30% في جميع استطلاعات الرأي التي يستعدّ لمنعها أيضاً، في آخر محاولة منه لضمان بقائه في السلطة.
ويحتاج ذلك إلى أكثر من معجزة، أولاً لإقناع ملوك الخليج وأمرائه وأصحاب الرساميل الأجنبية بدعمه بما لا يقل عن 200 مليار دولار، وبالتالي إقناع الرئيس بايدن بالاعتراف له بدور بطولي في المسرحية الكبرى إلى جانب السعودية ومصر و"إسرائيل".
وأخيراً، والأهم من كلّ ذلك، إيجاد السبل والوسائل الكفيلة بمواجهة أعدائه داخل البيت، لأنهم أدرى بكلّ خفاياه. وفي حال أفصحوا عنها، سوف يحرجونه ويؤدون دوراً مهماً في التخلص والانتقام منه، كما تخلَّص منهم فرداً فرداً، ثم استفرد بالسلطة التي جاء إليها من أجل القيم الديمقراطية، ولكنه أصبح من ألد أعدائها، بعد أن أوصل البلاد إلى نهاية النفق المظلم، باعتراف رفاق دربه. ولولاهم لما وصل إلى السلطة.
وبإعلان الحرب ضده، سيخسر إردوغان هذه السلطة في الانتخابات القادمة التي سيتحالف فيها رفاق دربه السابقون مع أعدائه في اليسار واليمين، لأن المهم هو التخلص منه. وبعد ذلك، ستعود الأمور إلى وضعها الطبيعي بالعودة إلى النظام البرلماني الذي قام بتغييره في استفتاء نيسان/أبريل 2017، ليصبح الحاكم المطلق للبلاد بلا منافس أو معارض، وبأكبر عدد من الأعداء، بمن فيهم رفاق دربه السابقون.