تشاد تهدّد بطرد القوات الأميركية.. هل تتدحرج قطع الدومينو؟
الخطوة التي أقدمت عليها النيجر بطرد القوات الأميركية من أراضيها، قد أفضت لتدحرج قطع الدومينو، وتشاد تسير على الخطى ذاتها.
على الخطى ذاتها التي مضت بها النيجر قبل شهر تقريباً؛ قرّرت حكومة تشاد السير في الطريق ذاته؛ وفي تطوّر مفاجئ هدّدت بطرد القوات الأميركية من أراضيها وأرسلت تشاد رسالة بهذا الخصوص إلى واشنطن؛ مفادها أنّها "ستنهي اتفاقية أمنية حاسمة". ما يعني بأن النفوذ الأميركي في أفريقيا قد بات على الحافة، وأنّ قطع الدومينو قد تتدحرج تباعاً.
في حيثيات الموقف؛ أفادت قناة "سي أن أن" الأميركية في 18 نيسان/أبريل الجاري؛ بأن حكومة تشاد وجّهت رسالة إلى الولايات المتحدة في 4 نيسان/أبريل، هدّدت فيها بإلغاء الاتفاقية حول وجود القوات الأميركية على أراضي البلاد من دون المطالبة مباشرة بالمغادرة.
وكشف المتحدث الرسمي باسم حكومة تشاد وزير الإعلام، عبد الرحمن غلام الله، بأنّ "الأمر يرتبط بوجود قوات أميركية في تشاد في مكان غير مصرّح لها أن تكون موجودة فيه، ودون الأماكن المخصصة لها، الأمر الذي دفعنا لمراسلة الجانب الأميركي بأن القوات الأميركية يجب أن تلتزم بالأماكن المخصصة لها".
وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن الرسالة لم تتضمّن مطالبة مباشرة بمغادرة القوات الأميركية، ولم توجّه عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية. لكنها هدّدت بإلغاء الاتفاقية حول وضع القوات التي تحدّد شروط وجود القوات الأميركية في قاعدة عسكرية فرنسية في العاصمة نجامينا. وخصّت الرسالة الموجّهة من رئيس أركان القوات الجوية التشادية إدريس أمين؛ فريق العمل للعمليات الخاصة الموجود في القاعدة العسكرية المذكورة.
وفي الرسالة المؤرّخة في 4 نيسان/أبريل الجاري؛ قال رئيس أركان القوات الجوية إدريس أمين أحمد إنه أبلغ الملحق العسكري الأميركي بوقف الأنشطة الأميركية في قاعدة "أدجي كوسي" الجوية بعد أن فشل الأميركيون في تقديم وثائق تبرّر وجودهم العسكري.
وعلى الرغم من أن عدد القوات الأميركية في تشاد لا يزيد عن 100 جندي وضابط أميركي؛ إلا أن تهديد تشاد بطرد القوات الأميركية لا يخلو من جملة دلالات وتداعيات لا تقتصر على عدد الجنود بقدر ما تستهدف الوجود الأميركي؛ الذي بدأ يتراجع ويشهد تأكّلاً لصالح النفوذ الروسي في القارة الأفريقية. يذكر أن النيجر ألغت "بمفعولٍ فوريّ"، في 17 آذار/مارس الماضي، اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، وطلبت من واشنطن سحب كامل قواتها من البلاد.
مرة أخرى تؤكد الشواهد بأن الولايات المتحدة الأميركية حتى اللحظة لم تلتقط حجم التحوّلات الحاصلة في القارة الأفريقية والرافضة للوجود الأميركي والغربي، لذلك عند متابعة القراءة الأميركية لتلك التحوّلات ستجدها تذهب إلى أنّ ما يحدث هو مجرد مناورة أو تكتيك تفاوضي من أجل تحسين أو تغيير شروط وجود القوات الأميركية في القارة الأفريقية عموماً أو في تشاد على وجه الخصوص.
وهو ما عبّرت عنه بعض التقديرات الاستخبارية الأميركية في قولها بأن تشاد تحذو حذو النيجر، وتحاول استغلال الفرصة لانتزاع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة؛ رغم الإقرار بأنّ تهديد تشاد بإنهاء اتفاقية SOFA فاجأ المسؤولين الأميركيين.
بينما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "نحن نجري محادثات مستمرة مع المسؤولين التشاديّين حول مستقبل شراكتنا الأمنية". وأضاف: "بما أن تشاد تركّز على التحضير لانتخاباتها الرئاسية في 6 أيار/مايو المقبل، فإننا نتوقّع إجراء مشاورات حول معايير تعاوننا الأمني بعد الانتخابات".
تدرك تشاد تداعيات التلويح بطرد القوات الأميركية، وتوصيف الأزمة الحاصلة مع واشنطن؛ الذي كشف عنه المتحدث الرسمي باسم حكومة تشاد وزير الإعلام، عبد الرحمن غلام الله، بأنّ "الأمر يرتبط بوجود قوات أميركية في تشاد في مكان غير مصرّح لها بأن تكون موجودة فيه، ودون الأماكن المخصصة لها، الأمر الذي دفعنا لمراسلة الجانب الأميركي بأن القوات الأميركية يجب أن تلتزم بالأماكن المخصّصة لها".
وأوضح غلام الله أنه بعد التواصل مع الجانب الأميركي عادت القوات إلى أماكنها المخصصة، ولم تعد هناك "مشكلة" في الوقت الراهن. ما يعني بأن الأمر مستقبلاً مفتوح على كل الاحتمالات.
ما حدث ولوّحت به تشاد لم يكن مجرد أزمة عابرة؛ ولا يعني أن المشكلة قد انتهت في "الوقت الراهن" على حد وصف المتحدث باسم حكومة تشاد، لكنه يعني أن وجود القوات الأميركية بما له من رمزية نفوذ ووجود وتغلغل قد بات على المحك، وأن تشاد قد تنتقل من مجرّد التلويح إلى التنفيذ، والأهم بأن تحرّك القوات الأميركية في تشاد وإن كان يقتصر على بضع جنود؛ لم يعد متاحاً وممكناً ومشاعاً من دون ضوابط.
في محدّدات التطلّع الأميركي لتمدّد النفوذ في القارة الأفريقية فإنّ تهديد حكومة تشاد بطرد القوات الأميركية من أراضيها، ليس مجرد أزمة أو صحوة وطنية متأخّرة أو جرأة أفريقية متدحرجة؛ ولا نقطة سياسية تسجّل في مزاد الانتخابات الرئاسية التشادية المرتقبة الشهر المقبل، كما تظنّ واشنطن؛ ذلك أن تشاد لها حضور ودور سياسي وجغرافي وأمني وعسكري في التطلّع الأميركي نحو التمدّد في أفريقيا، والأهم من ذلك أن واشنطن كان تقديرها بأن عسكر تشاد لن يتمرّدوا على الحضور والنفوذ الأميركي أو يرفضوه، لكن ما حدث أن تشاد ترفض مجرّد تحرّك أو وجود بضع جنود أميركيّين في مناطق غير مخصّصة لهم.
الرهان الأميركي على وداعة عسكر تشاد؛ مردّه أنه حتى مقتل ديبي الأكبر في عام 2021، كانت قوات العمليات الخاصة الأميركية قد درّبت الكوماندوز التشاديين، بتكلفة عشرات الملايين من الدولارات منذ عام 2015.
في إجابة عن السؤال حول ما الذي يعنيه مجرّد تهديد تشاد بطرد القوات الأميركية من أراضيها؟؛ يمكن إيجاز الإجابة في النقاط الآتية:
- تشاد ليست مجرد دولة أفريقية في معادلة النفوذ الأميركي في القارة السمراء؛ ذلك أن تشاد تعدّ إحدى أهم الدول الأفريقية، وتوصف بأنها أكثر الحصون التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة تمدّد التنظيمات والمجموعات العسكرية كالقاعدة. وتتقن قواتها حروب الصحراء وتمتلك وحدة نخبة لمكافحة الإرهاب قوامها 11 ألف فرد. وأرسلت تشاد 1400 جندي لمحاربة الجماعات الجهادية في شمال مالي و1800 جندي للقيام بعمليات في الحدود الثلاثية المضطربة عند تقاطع بوركينا فاسو والنيجر ومالي. ما يجعلها حليفاً نادراً في الحفاظ على استقرار دول الساحل الأفريقي.
- تهديد تشاد بطرد القوات الأميركية، يتعارض مع التوجّهات الأميركية الجديدة صوب القارة الأفريقية ويهدّدها، وقد جاء بعد أقلّ من شهر من تخصيص واشنطن لـ 25 مليون دولار لمواجهة روسيا في أفريقيا. ففي 12 آذار/مارس الماضي، نص مشروع الميزانية الأميركية للسنة المالية 2025 على تخصيص 25 مليون دولار لمواجهة روسيا في الدول الأفريقية. وجاء في الوثيقة الصادرة عن البيت الأبيض:
- "الميزانية تتضمّن تخصيص 25 مليون دولار لصندوق جديد لمواجهة الجهات الروسية المعرقلة في أفريقيا أو غيرها من الجهات الضارة في المنطقة، فضلاً عن تعزيز الديمقراطية وتحسين استجابة قوات الردّ".
- أيّ تراجع أو انسحاب للحضور الأميركي من القارة الأفريقية يقابله تمدّد النفوذ الروسي فوراً، ودولة تشاد ليست بمعزل عن ذلك، وواشنطن هنا تدفع ثمن موقفها من التطورات السياسية التي شهدتها تشاد عقب مقتل ديبي الأب، وتلويحها بتعليق المساعدات المقدّمة للمجلس العسكري الحاكم في تشاد.
- تشاد تتطلّع لتوظيف صراع النفوذ الحاصل بين واشنطن وموسكو، وتدرك ذلك، وهو ما تفسّره الزيارة التي قام بها رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد إدريس ديبي إتنو، في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، لروسيا؛ وهي الأولى له منذ تولّيه السلطة، وقوله عقب مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ إن بلاده "دولة شقيقة لروسيا" مضيفاً أن "تشاد دولة ذات سيادة وأنا هنا لتعزيز العلاقات مع دولة صديقة".
- تهديد تشاد يعني فشل الولايات المتحدة الأميركية في الحلول محلّ فرنسا، وأنها تسير على الخطى ذاتها لجهة تراجع وتقليص نفوذها، وأن الجيل الجديد من الأفارقة لا يرفض الوجود الفرنسي فقط لكنه ضدّ أيّ وجود غربي في بلاده، مثال حادثة طرد السفير الألماني "غوردون كريكه"، في 10 نيسان/ أبريل الجاري، من تشاد، والطلب منه مغادرة البلاد في غضون 48 ساعة.
- ختاماً فإن الخطوة التي أقدمت عليها النيجر بطرد القوات الأميركية من أراضيها، قد أفضت لتدحرج قطع الدومينو، وتشاد تسير على الخطى ذاتها، وهناك دول أفريقية أخرى مرشحة للذهاب صوب سيناريو مكوّن من شقّين؛ الأول طرد القوات الأميركية، والثاني: الاستدارة صوب إقامة علاقات جديدة مع روسيا. ولا سيما أن هناك مزاجاً شعبياً أفريقياً يميل لصالح روسيا بدل دول أوروبا والولايات المتحدة، وأنّ وجود القوات الغربية بذريعة مواجهة الجماعات المسلحة لم يعد مقبولاً.