تركيا في أفريقيا.. من هو الهدف؟
تصريحات الرئيس إردوغان صادفت المعلومات التي تحدثت عن اتفاق تركي - صومالي لبناء قواعد تركية بحرية في السواحل الصومالية بعدما نجحت أنقرة عام 2012 في إقامة قاعدة برية قرب العاصمة مقاديشو.
بعدما هدد الرئيس إردوغان الكيان الصهيوني بسبب مجازره ضد الشعب الفلسطيني، وقال: "تماماً كما دخلنا كاراباخ (أذربيجان)، وكما دخلنا ليبيا، قد نفعل الشيء نفسه معهم (يقصد إسرائيل).. لا يوجد شيء لا نستطيع فعله.. يجب أن نكون أقوياء فقط، ومن ثم ماذا نفعل؟"، احتدم النقاش بين أتباعه ومعارضيه.
تصريحات الرئيس إردوغان هذه صادفت المعلومات التي تحدثت عن اتفاق تركي - صومالي لبناء قواعد تركية بحرية في السواحل الصومالية بعدما نجحت أنقرة عام 2012 في إقامة قاعدة برية قرب العاصمة مقديشو، كما صادفت التحضيرات التركية لإرسال سفينة التنقيب عن الغاز والبترول قبالة السواحل الصومالية.
وجاء الاتفاق المصري الصومالي الذي سيتسنى بموجبه للقاهرة بناء قواعد برية وجوية في الصومال، وهو الحال بالنسبة إلى أميركا التي قيل إنها حصلت على إذن مسبق لإقامة 4 قواعد عسكرية في البلد نفسه، في الوقت الذي يشهد الصومال منافسات حقيقية على أرضه بين كل من تركيا ومصر المدعومة من الإمارات وقوى إقليمية ودولية مختلفة بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي القريب من باب المندب، في الوقت الذي تواجه في دولة الصومال العديد من المخاطر، وأهمها تمرد حركة الشباب الإسلامية من جهة، والانفصاليين في منطقة أرض الصومال شمال البلاد من جهة ثانية، إذ تقوم إثيوبيا، العدو التقليدي للصومال وكل من مصر والسودان بسبب سد النهضة، بدعم هـؤلاء الانفصاليين، من دون أن يمنع ذلك أنقرة من بيع طائراتها المسيّرة لأديس أبابا خلال حربها ضد تمرد شعب التيغراي.
وسبق ذلك حديث الإعلام عن مساعي أنقرة لإقامة علاقات عسكرية مع حكومة الانقلابية عبد الفتاح البرهان الذي أطاح عمر البشير صديق إردوغان من دون أن تهمل علاقاتها مع تشاد، وأخيراً كل من مالي والنيجر، وهي قريبة من مصر المنافس التقليدي لتركيا في ليبيا، إذ تقف قطر إلى جانب أنقرة في دعمها للفصائل الإسلامية التي سيطرت على العاصمة طرابلس صيف 2020 بعدما تدخل الجيش التركي مباشرة في الحرب هناك، وهو ما أشار إليه الرئيس إردوغان، فيما تقدم القاهرة وبدعم من الرياض وأبو ظبي، وأحياناً موسكو، الدعم العسكري لقوات خليفة حفتر التي تسيطر على بنغازي وأجزاء واسعة من شرق ليبيا.
ومع التذكير بمساعي أنقرة لتطوير علاقاتها مع الجزائر، في الوقت الذي تبيع مسيراتها للمغرب، وهو الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني، فوجئ الجميع مؤخراً بالمعلومات التي تحدثت عن قيام شركة SADAT للخدمات العسكرية بنقل المرتزقة السوريين إلى مالي والنيجر التي زارها وزير الخارجية هاكان فيدان، ومعه رئيس الأركان يشار جولار ورئيس المخابرات إبراهيم كالين، قبل أسبوعين.
يذكر أن شركة SADAT كانت قد نقلت الآلاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وبعدها المئات منهم إلى كاراباخ للقتال هناك، وهو ما تفعله الآن بالتنسيق مع شركة واغنر الروسية الموجودة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي تواجه مخاطر التدخل الفرنسي والأميركي والبريطاني حالها حال العديد من الدول الأفريقية التي تسعى لتطوير علاقاتها مع بكين وموسكو وطهران، وأخيراً أنقرة، فقد نجحت تركيا خلال السنوات الأخيرة في إقامة وتطوير علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية التي كان فيها 12 سفارة عندما استلم العدالة والتنمية السلطة بداية 2003. والآن، وصل عددها إلى 46 دولة.
تحاول أنقرة إقامة وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية معها من خلال بيع المسيرات وبعض الأسلحة الخفيفة لها ولدول أخرى ما زالت على علاقات وطيدة مع باريس وواشنطن ولندن و"تل أبيب" التي لطالما استغلت الصراعات الداخلية في القارة السمراء، وسرقت ثرواتها الاستراتيجية، كاليورانيوم والبترول والذهب والألماس وغيره من الأحجار الثمينة.
هذا بالطبع إذا تجاهلنا مشاريع ومخططات الكيان الصهيوني منذ قيامها عام 1948 لإقامة علاقات سرية وعلنية مع العديد من الدول الأفريقية، وخصوصاً ذات العلاقة بنهر النيل، وذلك لتضييق الحصار على مصر والانتقام منها لطردها النبي موسى وبني إسرائيل وفق النصوص والأساطير اليهودية التي ترى في إثيوبيا امتداداً دينياً (يهود الفلاشا) ومنطقة استراتيجية لتحقيق مجمل أهدافها في القارة السمراء التي يبدو أن تركيا باتت تنافسها فيها، وأياً كانت أسبابها في ذلك، وهو ما يفسر الوجود العسكري التركي الكبير في ليبيا والصومال، وقريباً في مالي، وبعدها النيجر، وربما السودان لاحقاً، من دون أن يكون واضحاً من سيكون الهدف في كل ذلك: مصر أم "إسرائيل"؟
وخصوصاً مع تصاعد لهجة التهديدات التركية للكيان الصهيوني واستمرار الفتور في العلاقات مع القاهرة التي يبدو أنها تنتظر العديد من الخطوات العملية على طريق التوافق التركي -المصري حيال مجمل قضايا الخلاف الثنائية، ثم المشكلات الإقليمية، وبشكل خاص سوريا والعراق، والتي تؤخر زيارة الرئيس السيسي لأنقرة، والتي إن تحققت وانتهت بنتائج ملموسة، فحينها يتحول البلدان المتنافسان، وأحياناً المعاديان تاريخياً وسياسياً واستراتيجياً، إلى حليفين صادقين، وهذه المرة ضد العدو المشترك، وهو الكيان الصهيوني، الذي لا يخفي أطماعه في نهر النيل في مصر والفرات في تركيا وما بينهما من دول كسوريا والأردن والعراق ولبنان، فهي جميعاً أعداء لهذا الكيان وأداته الإجرامية العدو الديني اللدود لكل شعوب المنطقة والعالم أجمع!