هل ستنجح الحكومة السورية القادمة بتوليد الكهرباء 24 ساعة يومياً؟

خلال الحرب الشرسة على سوريا، خسرت البلاد عدداً من محطات توليد الطاقة الكهربائية التي كانت تغذي الشبكة العامة بالكهرباء. ومع تقدم الزمن، تهالك بعضها الآخر، وأصبح بحاجة إلى صيانة دورية تكلف الخزينة العامة مليارات الليرات السورية

  • صيانة محطة تحويل كهربائية في سوريا (اندبندنت عربية)
    صيانة محطة تحويل كهربائية في سوريا (اندبندنت عربية)

بعد خِطاب القسم الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد، تتّجه الأنظار إلى تشكيل الحكومة الجديدة في سوريا، في حين تبقى الآمال معقودة على أن يتحلى وزراؤها الجدد بصفات إيجابية شبيهة بصفات ذاك الرئيس الذي رأيناه صباحاً في قصر الشعب يؤدي القسم. وفي المساء، حلّ بين جماهيره يستمع إلى همومهم في أسواق العاصمة دمشق.

حمل السوريون آمالاً وأمنيات في الشارع، آملين أن تكون حكومتهم القادمة حكومة بناءً وعنايةً لا إحصاء وجباية؛ حكومة تمهّد أرضاً خصبة لجذب المغتربين والصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال النظيفة الذين أنعشوا في استثماراتهم دولاً عربية عديدة عبر مصانعهم الضخمة، مؤمّنين عشرات آلاف فرص العمل لأبناء البلد الأصليين!

اليوم، ومما لا شكّ فيه، تتجه معظم الحكومات للحصول على مصادر من الطاقات المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة عنفات السدود، لكونها مصدراً طبيعياً يتجدد باستمرار، بعد أن انتهى تقريباً زمن توليد الطاقة من النفط، وبدأ زمن الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية، لكن السؤال الأبرز هنا: هل سيتم تنفيذ مشاريع الطاقة في سوريا بالشكل الأمثل؟

خلال الحرب الشرسة على سوريا، خسرت البلاد عدداً من محطات توليد الطاقة الكهربائية التي كانت تغذي الشبكة العامة بالكهرباء. ومع تقدم الزمن، تهالك بعضها الآخر، وأصبح بحاجة إلى صيانة دورية تكلف الخزينة العامة مليارات الليرات السورية.

حول هذا الموضوع، تحدّث رجل الأعمال السوري ورئيس الجالية السورية في الصين فيصل العطري، مستنداً بالأدلة والصور إلى تجارب صينية ناجحة في هذا المجال، فقال ضمن منشور له في منصة "فيسبوك" :"ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات الداعية إلى استخدام الحكومة الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء، بهدف التخلّص من مشاكل المولدات والوقود.. لكنَّ الغريب في الأمر أنَّ معظم تلك الوسائل عجزت عن تقديم إجابة مقنعة لسؤالين بسيطين هما:

1- من أين سنحصل على الطّاقة بعد غياب الشّمس؟

2-كيف سنحقّق ديمومة الطّاقة في الأيام الغائمة؟".

وأردف العطري موضحاً أنّ محاولة تغذية بلد بأكمله بالطاقة عن طريق الألواح الشمسية فقط، هي عملية أشبه بنقل مياه البحار بدلو ماء! واصفاً أنّ تلك العملية ستكون مفيدة كداعم (رديف بساعات محددة) للشبكة الكهربائية، وليس كداعم "أساسيّ" لها!

إذاً، ما العمل؟

هناك نمطان من الطاقة يمكن الركون إليهما للوصول إلى حل:

1- طاقة الرياح، وهي مصدر مهم جداً، وخصوصاً أننا في بلد يحوي عدداً مقبولاً من الفتحات الهوائية التي يمكن أن توضع في طريقها مزارع للرياح تولد الطاقة الكهربائية بطريقة ثابتة ومنتظمة.

2- استخدام الطاقة الشمسية، ولكن بتقنية التركيز " NCENTRATING SOLAR POWER CSP". ولعلَّ من أهم ميزات هذه التقنية أنها تؤمن طاقة مستمرة في الليل والنهار، وبمختلف ظروف العمل.

لذا، أوضح عطري أنَّ تقنيّة الطاقة الشمسيّة في التوليد، لا بدّ من أن تكون مُرفقة بعدد كبير من المرايا المقعرة، يتم تركيبها بطريقة معيّنة على محركات خاصّة، بحيث تشكّل دائرة يوضع في مركزها برج يحوي في أعلاه خزاناً من الملح، بحيث يتم تسليط المرايا على هذا الخزان، فترتفع حرارته لتصل إلى 800 درجة مئوية، إذ تقوم هذه الحرارة بتحريك توربينات بخارية تتّصل بمولدات كهربائية، في حين أنَّ حرارة الملح المنصهر تبقى مختزنة وتبقى كافية لاستمرار عمل العنفات البخارية بعد غياب الشمس.

كيف نحصل على هذه التقنية؟

يجيب السيد عطري موضحاً أنَّ الصين طوّرت هذه التقنية وتميزت بها، وبالتالي تستطيع الحكومة السورية أن تستدرج عروضاً من إحدى الشركات الصينية لبناء هذه المحطات لمدة 25 عاماً وتشغيلها واستثمارها، وذلك لقاء نسبة من الأرباح. وبهذا، نكون قد حصلنا على الميزات التالية:

1- كهرباء مستمرة وثابتة تؤمّن أحد أهم المرتكزات لبناء الصّناعة والسّياحة والتجارة.

2- تحويل قطاع الكهرباء من خاسر تدعمه الدولة إلى رابح تحصل الدولة على جزء من أرباحه وتستعيده بعد فترة زمنية.

3- التخلّص من التلوّث البيئي الذي تسبّبه العنفات الحالية والمولّدات والبطاريات.

4- الحفاظ على مئات الملايين من الدولارات التي تُهدر سنوياً لاستيراد معدات وحلول "ترقيعية" لا تُسمن ولا تُغني عن جوع.

5- بيع الفائض من الطاقة لبلاد الجوار.

أخيراً، ومع اقتراب تشكيل وزراء الحكومة الجديدة في سوريا، يتمنى السوريون أن تخطو الحكومة الجديدة، برئاسة المهندس حسين عرنوس، خطى ثابتة تجاه بناء مستدام وإقامة مشاريع طاقة نوعية مع الحليف الصيني، وخصوصاً بعد زيارة وزير خارجية الصين لدمشق منذ أسابيع، وتوقيعه اتفاقيات تعاون عديدة معها، فالكهرباء وحدها كانت، وما زالت، عصب الحياة وشريان الصناعة التي ستعيد بناء الاقتصاد وتدعيمه، فهل ستقفز الحكومة السورية المقبلة مرتين، وتنفّذ مشاريع متكاملة الدراسة، وتقدم حلولاً عملية سريعة تجعل سوريا تنتج كامل احتياجاتها من الكهرباء، ولا سيما أن الصين ما زالت تقدم عروضاً وقروضاً سخيّة للعديد من دول العالم، وفي مختلف المشاريع الإنمائيّة، علاوةً على أنّها قد تمنح إعفاءات كثيرة من سداد الديون، كما حصل فعلياً في العام السابق مع أكثر من 20 دولة، وفقاً لِما أورده التلفزيون الرسمي الصيني ووكالات أنباء دولية، نقلاً عن الرئيس شي جين بينغ في العام 2020، فهل سنستثمر تلك الفرصة المهمة ونُعيد بناء سوريا المزدهرة اقتصادياً وصناعياً في المرحلة المقبلة؟

سيبقى الأمل معقوداً على أن نرى سوريا في القريب العاجل تشغل نقطة حيوية مهمّة في الوصل بين البحار الخمسة، كالملكة في تربّعها على عرش النقل البحري والبرّي والتبادل التجاري حول العالم.