الولايات المتحدة تعرض الاستسلام على محور القدس
ما يقوم به الأميركي لا يعدو كونه تهويلاً كاذباً بحرب لا قِبل له بها، إذ إن التهديدات التي تمثّلها الحرب الشاملة على مجمل المصالح الأميركية في المنطقة لا تزال على حالها.
اقترف العدو الصهيوأميركي سلسلة اعتداءات متتابعة على 3 عواصم إقليمية، ارتقى فيها الشهيد القيادي فؤاد شكر، وكوكبة من مجاهدي الحشد الشعبي العراقي، والشهيد القائد إسماعيل هنية، وكان هذا في خلال وقت لم يتخطَ 12 ساعةً.
يتعثّر منطقياً فصل هذه الاعتداءات الثلاثة الجسام عن بعضها البعض، إذ إن التزامن بينها، والترابط العضوي بين مرتكبيها، والتوقيت الذي جاءت به عقب زيارة نتنياهو للولايات المتحدة الأميركية، يفرض التعامل معها على أنها تأتي في سياق متصل وضمن خطة موحّدة؛ خطة من شأنها نقل الحرب الدائرة في المنطقة إلى مرحلة مغايرة كلياً، وهذا بالتالي يقتضي الخروج بتقدير موقف محدَّث يأخذ بالحسبان دلالات هذه الاعتداءات التي تشكّل محطةً فارقةً في مسار الحرب.
لقد بَنى نتنياهو كلمته أمام الكونغرس الأميركي على فكرة رئيسة مفادها أن الحرب التي يشنّها الكيان ضد غزة وجبهات الإسناد هي حرب (الحضارة) ضد (البربرية)، وأنها حرب (ثقافة الحياة) ضد (ثقافة الموت).
وقد ركّز في طرحه على أن هذه الحرب يخوضها الكيان ضد إيران في المقام الأول، وذلك نيابةً عن الولايات المتحدة الأميركية، وتماشياً مع مصالحها العليا في محاربتها، إذ ادعى أن حركة حماس وحزب الله وحركة أنصار الله ليسوا إلا (أذرع) إيران في المنطقة.
يعد أمراً هامشياً في تقدير الموقف أكان نتنياهو قد أقنع المؤسّسة الأميركية بهذا الطرح أم أنها كانت بالأصل تنظر إلى الحرب من هذا المنظور، فالمهم هنا كون الاعتداءات الثلاثة الأخيرة قد وقعت فور عودة نتنياهو للمنطقة، وأن من المستبعد بمكان إقدام الكيان على تصعيد كهذا يمكن أن يأخذ المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة من دون مباركة وتنسيق كامل أميركيين.
يظهر أن الأميركي تخلّى عن تحفظاته السابقة حيال توسيع دائرة المواجهات، بل على العكس، فإن اغتيال رئيس حركة حماس في طهران يُدخِل الجمهورية الإسلامية في الحرب بصورة مباشرة، فالعدو الإسرائيلي غدا عالقاً في غزة من دون أفق استراتيجي بائن للمعارك الدائرة هناك، وهو ليس قادراً على طرح إجابات واضحة عن وضع مستوطناته في شمال فلسطين المحتلّة، ما بات ينذر بخسارة الحرب أمام المحور، وهذا أمر يصعب على الأميركي تجرّعه.
يسعى الأميركي من خلال تصعيده الأخير إلى قلب موازين القوى رأساً على عقب، وإبطال مفاعيل طوفان الأقصى وصمود غزة الأسطوري، إضافة إلى تفكيك فكرة وحدة الجبهات التي ترسّخت في هذه المعركة.
أكثر من ذلك، يسعى الأميركي إلى إعادة فرض معادلات كانت المنطقة قد تجاوزتها في العقدين الماضيين، وإرجاعها إلى زمن كان الكيان يضرب فيه أي مكان كان من دون تبعات، بمعنى إرجاع المنطقة إلى زمن الهزائم الذي قال عنه يوماً أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله: "قد ولى زمن الهزائم".
لقد رفع التصعيد الصهيو- أميركي المواجهة إلى مستوى أكثر خطورةً، إذ إنه يختبر جدّية مقولة: "لا نريد الحرب لكن لا نخشاها"، فهو يضع قوى المحور أمام خيارين:
1. إما قبول التحدي، وذلك بتوجيه رد متناسب من قبل حزب الله والجمهورية الإسلامية إلى الضربات المؤلمة وغير المسبوقة الأخيرة، ما يهدّد باندلاع الحرب المفتوحة على مساحة الإقليم، فالردود المتناسبة في هذه الحالة ستوصل الأوضاع إلى شفا الانفجار الكبير. وحينها، لا يمكن استبعاد احتمال انخراط الجيش الأميركي بالحرب بشكل مباشر.
2. وإما أن تقبل قوى المقاومة بالاستسلام الضمني، وذلك بأن تكتفي بردود ضعيفة وغير مؤثّرة. وبهذا، يكون الأميركي قد رسم حدود موازين القوى التي ستحكم المنطقة لعقود قادمة، والتي سيكون لها بعد ذلك تداعيات كارثية على عموم أركان محور القدس.
يلخّص هذان الخياران تصريح وزير الدفاع الأميركي، حين قال عقب اعتداءات العدو الإسرائيلي الأخيرة إن "الولايات المتحدة الأميركية ستقف إلى جانب (إسرائيل) حال تعرّضها لهجوم"، ثم أردف قائلاً: "لكن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى خفض حدّة التوتر في المنطقة"، بما يمكن تفسيره على أنه عرض استسلام ضمني على قوى محور المقاومة، ودعوة لاختيار الخيار الثاني من بين الخيارين المطروحين.
يبقى هناك احتمال منطقي قائم، ذلك أن ما يقوم به الأميركي لا يعدو كونه تهويلاً كاذباً بحرب لا قِبل له بها، إذ إن التهديدات التي تمثّلها الحرب الشاملة على مجمل المصالح الأميركية في المنطقة لا تزال على حالها.
وقد حالَت تلك التهديدات طيلة السنوات الفائتة دون ذهاب الأميركي إلى المواجهة العسكرية مع خصومه الإقليميين، ولا سيما مع الجمهورية الإسلامية، وذلك رغم وجود رغبة لديه غي الحرب وقرار بها معلّق منذ سنين.
لكن بمعزل عن مدى جدية قرار الأميركي بالمواجهة، تظل الاعتداءات الأخيرة إعلان حرب صريحاً على كل أركان محور القدس، ويظل أن يزيد هذا الزمان يعرض على حسين العصر الخضوع، فهل يكون الجواب ما قاله سيّد الشهداء الإمام الحسين: "لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد"؟