المصلحة في إذكاء الصراع الأوكراني- الروسي: ابحَثْ عن التكنولوجيا!
شركات التسليح والصناعات العسكرية المتعاقدة مع الجيش الأميركي مستعدة لتمويل أيّ حرب بهدف اختبار منتوجاتها، وتسويقها.
عندما اشتعل الصراع العسكري بين أذربيجان وأرمينيا، في أواخر عام 2020، استخدمت القوات الأذرية طائرات من دون طيار، إسرائيلية وتركية الصنع، من أجل تنظيم دوريات عند جبهات القتال. كانت تلك الطائرات يومها مزوَّدة بمتفجرات عند الارتطام بأي هدف محدَّد.
استخدم الجيش الأميركي، سابقاً، مسيَّرات مماثلة شبه "مؤتمتة" في العراق وأفغانستان، لكنّ هذا القطاع يشهد تحوّلاً تاريخياً، بكل معنى الكلمة، بالنسبة إلى البنتاغون، في هذه المرحلة.
في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، أطلقت قيادة المستقبل في الجيش الأميركي مشروعاً للتحديث، عرضت فيه أكثر من 100 تقنية عسكرية مبتكَرة، في ضوء العِبَر المستخلَصة من العمليات الروسية في عام 2014 في أوكرانيا.
كان الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا، آنذاك، محل متابعة حثيثة، بسبب ما احتوى من تقنيات جديدة وتكتيكات حديثة، حتى بالنسبة إلى الأميركيين.
أظهر الروس، في عام 2014، قدرة عالية على توسيع ساحات المعارك باستخدام الفضاء الإلكتروني وسلاح المعلومات. وخلصت إحدى الدراسات العسكرية الأميركية إلى أن تجربة روسيا تتطلّب من الولايات المتحدة اللَّحاق بركب موسكو، وخصوصاً في مجال الأسلحة الآلية، وهجمات الدرونز، والقذائف العالية الدقة والتنسيق بين الرادارات مع الحوسبة السحابية والذكاء الصناعي.
يهدف مشروع التحديث الأميركي الراهن إلى تطبيق أكبر سرعة ممكنة في مشاركة البيانات المتعلقة بالموقع والمسافة ووقت الانتقال بين نقطة وأخرى، بين جميع أذرع الجيش في اللحظة نفسها. هو الهدف نفسه الذي أظهرت فيه القوات الروسية أداءً لافتاً في معارك عام 2014.
ويسعى الأميركيون، في عملية التحديث الحالية، لتحليل البيانات من مصادر متعددة، يجري جمعها في السحابات الحاسوبية، قبل أن يتولى الذكاء الاصطناعي والخوارزميات معالجتها بهدف اختيار أفضل سلاح للتعامل مع هدف بعينه.
تخيلوا المشهد التالي:
ترصد طائرة "أف 16" هدفاً للعدو، لكن غرفة القيادة والسيطرة تقرّر، بصورة آنية، عبر نظام "مؤتمت"، أن غواصة في البحر قادرة على ضمان تدمير الهدف بواسطة صاروخ كروز، بدلاً من الطائرة نفسها.
هذا النوع من العمليات كان يستغرق ساعات من التخطيط سابقاً، لكنه بات اليوم حقيقة يجري تطويرها بسرعة.
لكنْ، ما علاقة مشروع التحديث العسكري الأميركي بما يجري في أوكرانيا اليوم؟
خلص الجيش الأميركي، في عام 2014، إلى أن الجيش الروسي يطبّق تكتيكات غير مألوفة بالنسبة إلى الجيوش التقليدية. واليوم، لا بدّ من أن الكرملين امتلك قدرات عسكرية أكثر تطوراً منذ سبعة أعوام إلى الآن.
الهجوم الروسي على أوكرانيا يقدّم إلى الأميركيين دراسة عن قدرات الجيش الروسي، وخصوصاً في مجال استخدام التكنولوجيا والمعلومات. وتُعَدّ المسيّرات أحد أبرز مصاديق الاختبار بالنسبة إلى الجيش الأميركي.
سارع البنتاغون، فعلاً، في الأسابيع القليلة الماضية، إلى توقيع عقد مع شركة "سكايديو" الرائدة في صناعة الطائرات من دون طيار، من أجل اختبار نظامها للاستطلاع القصير المدى، ضمن عقد تبلغ قيمته 100 مليون دولار.
ويهدف برنامج SRR، الذي يديره مكتب إدارة مشاريع أنظمة الطائرات غير المأهولة، والتابع للمكتب التنفيذي لبرنامج الطيران، إلى تجهيز الجنود بحل عملي مرن للقيام بأنشطة الاستطلاع.
وقد رست المناقصة على "سكايديو" بعد اختبار صارم لعدد من الشركات في مجال التصنيع العسكري، بحيث وضع الجيش الأميركي معايير تتعلق بتقييم الأداء والجودة وجاهزية الإنتاج.
وتوفر أنظمة "سكايديو" أنظمة قيادة ذاتية للمسيرّات، مدعومة بالذكاء الصناعي، وتتمتع طائراتها بهيكل قابل للطيّ والحمل، وهي مزودة بأجهزة استشعار حرارية وبصرية للعمل في مختلف الظروف الجوية، وبتقنيات أمن سيبراني منعاً للاختراق، لكنّ مشكلتها الحالية تكمن في أنها لا تستطيع الطيران سوى مدة 35 دقيقة في شحنة البطارية الواحدة.
وتعمل "سكايديو" على تطوير درونز تنطلق آلياً في بيئة لا يعمل فيها النظام العالمي لتحديد المواقع GPS، كما في مقدورها إسقاط الشحنات (سواء كانت عتاداً عسكرياً أو مساعدات للمشاة)، وتجنب العقبات واختيار مسارات الطيران الأفضل ومواقع الهبوط الآمنة، والعودة إلى نقطة انطلاقها. كل هذه العمليات تتم بصورة آلية، ومن دون أي تدخل بشري.
مثال آخر على الحاجة إلى اختبار قدرات الجيش الروسي حالياً، هو حاجة الجيش الأميركي إلى تعزيز فعالية الضربات الصاروخية البعيدة المدى.
في الواقع، يمتلك الجيش الأميركي خطة رائدة يجب أن تكون قيد الإنجاز بحلول عام 2023، من أجل تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، واختراق دفاعات العدو الجوية، وتهيئة الظروف لسلاح الطيران الأميركي، علما بأن تطوير تقنيات كهذه يعني توفير أكثر من 106 ملايين دولار في كل عملية إطلاق صاروخ واحد!
وإلى الصواريخ، يسعى العسكريون الأميركيون لاختبار نموذج لمدفعية خارقة قادرة على ضرب أهداف عن بُعد 1600 كيلومتر، وهي مسافة قياسية غير مسبوقة في تاريخ الصناعات العسكرية.
تطوير الصواريخ فوق الصوتية والمدافع الخارقة هو أحد دروس الجيش الروسي في عام 2014.
في السابق، كان المحللون يبحثون عن خطوط الطاقة والموارد الطبيعية من أجل فهم الصراعات الساخنة والحروب. ومع تحوّل البيانات إلى "نفط" المستقبل، باتت شركات التسليح تبحث عن ميادين لاختبار تقنياتها، ودراسة قدرات الخصوم، في تجارب حيّة وحقيقية.
ولَئِن كان جمع عقود شركات التسليح والصناعات العسكرية المتعاقدة مع الجيش الأميركي يتطلّب جهداً جبّاراً، فإن المؤكَّد أن هذه الشركات – كعادتها التاريخية – مستعدة لتمويل أيّ حرب جديدة بهدف اختبار منتوجاتها، وتسويقها.