الصين وروسيا وطبيعة العلاقة بإيران
معظم دول الجنوب وروسيا والصين يدعو إلى الوقوف في وجه الأحادية القطبية. لكن الصراع، الذي يصل إلى إيران، يمكن أن يهدد أيضاً مصالح الصين وروسيا.
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، كان الإسرائيليون نشطين للغاية في جعل احتمال قيام دولة فلسطينية مسألة شبه صفرية، لكن السابع من أكتوبر أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد. انقلبت المنطقة رأساً على عقب بحلول 7 أكتوبر. لكن هذا لا يعني أن نظاماً جديداً سوف يولد غداً بينما تشتعل المنطقة من غزة ولبنان إلى ايران، وهو ما يطرح تساؤلات عن العدوان ضد إيران الذي تخططه "إسرائيل" بالتعاون مع الولايات المتحدة. فهل يهدد مصالح روسيا والصين؟ وهل ما يجري في غربي آسيا يندرج ضمن التحولات التي يشهدها العالم؟
العلاقة الإيرانية الصينية
دعمت الصين، في القرن الماضي، المنظمات الفلسطينية. أمّا اليوم، في ظل الحرب في غزة، فدعمت المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وصوتت لمصلحة إقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين. عملت كذلك قبل عامين على المساهمة في التقارب بين السعودية وإيران، مع العلم بأنها أصبحت الشريكة الثانية لـ"إسرائيل" في مجال التبادل التكنولوجي، بعد الولايات المتحدة، ولديها استثمارات داخل الكيان، لكنها عقدت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع إيران، ومدتها 25 عاماً، والتي ساهمت بإضافة عمقاً لعلاقتها وزادت في حجم التواصل العسكري.
لطالما رسخت الصين نفوذها من خلال التجارة والاستثمارات، التي تشكل استراتيجيتها وهي تبتعد عن الصراعات ومعادلاتها. وأظهرت هذه السياسة قدرتها على تضييق نطاق النفوذ الأميركي.
وهي الدولة الأكثر استفادة من العقوبات الأميركية ضد إيران، التي تبيعها صادرات النفط بسعر رخيص. أما مهاجمة منشآت النفط الإيرانية فتشكل ضربة مباشرة لمصالحها.
موسكو بين المبدئية والبراغماتية في العلاقة بإيران
حصلت موسكو، التي تقاتل في أوكرانيا، على الطائرات من دون طيار من إيران، وتطورت علاقات روسيا الودية بإيران بفضل الاتفاق النووي 5+1، واكتسبت زخماً في سوريا، لكن موسكو منعت حزب الله والإيرانيين من الاقتراب من "إسرائيل" في خطي الجولان ودرعا.
ومن الطبيعي، وفقاً للاتفاق الروسي الأميركي، ألا يقترب حزب الله والايرانيون إلى مسافة 80 كيلومتراً من "إسرائيل". أبرم الروس هذا الاتفاق من أجل إغلاق الأميركيين غرفة عمليات عمان وإيقاف الجبهة الجنوبية. ورداً على الأمن الإسرائيلي، تم إغلاق جبهات المعارضة في درعا والقنيطرة. تدعم روسيا القضية الفلسطينية وتستضيف حماس في موسكو، لكنها لا تحيد عن الأهمية التي توليها للعلاقات بـ"إسرائيل"، بيد أن التضامن الشامل مع إيران يفرض مخاطر كبيرة على مصالح روسيا الإقليمية. من هنا يأتي ترتيب الأولويات انطلاقا من مصالحها الوطنية.
روسيا لا تريد أن تكون جزءاً من الصراعات المحتملة بين طهران و"إسرائيل"، وهي تبتعد عن فتح جبهة جديدة تضاف إلى جبهة أوكرانيا، وانسحابها من الجنوب السوري لا يعني إعطاء الضوء الأخضر لـ"إسرائيل" كي تتوسع عملياتها، لكن تورط "إسرائيل" في سوريا من شأنه في الوقت عينه أن يعرض مكاسب روسيا للخطر، ولا تتحمل روسيا أي استبعاد لها من معادلة الشرق الأوسط، لكنها براغماتية في سياسة التوازن.
وهي ترى في الصراع الدائر في غزة إيجابية لها، بحيث إن الأموال والأسلحة المتوقع تخصيصها لأوكرانيا يتم توجيهها إلى "إسرائيل".
كذلك، يمكن القول إن موسكو تعطي اهتمامها للدول الخليجية التي رفضت العقوبات في أوكرانيا. ولإظهار موازنتها عارضت الحجج الإيرانية بشأن قضية الجزر المتنازع عليها في الخليج.
العلاقات المعقدة بين إيران والصين وروسيا
هل يمكن أن يكون العدوان على إيران جزءاً من حرب الاحتواء والاستنزاف التي تخوضها الولايات المتحدة، التي تَعُدّ إيران والصين وكوريا الشمالية وروسيا محوراً للشر؟ يتم التأكيد أن هذا العدوان سيؤسس شرق أوسط جديداً وشريك المشروع في آسيا هو الهند، العدو الأكبر للصين.
معظم دول الجنوب وروسيا والصين يدعو إلى الوقوف في وجه الأحادية القطبية. لكن الصراع، الذي يصل إلى إيران، يمكن أن يهدد أيضاً مصالح الصين وروسيا، والتضامن الشامل معها يفرض مخاطر كبيرة على مصالح روسيا الإقليمية.
تعمل روسيا على زيادة القدرة العسكرية النووية الإيرانية، الأمر الذي يمكنه أن يؤدي إلى تقويض المصالح الاستراتيجية لروسيا مع دول الخليج. وهذا ينطبق أيضاً على الصين، التي تحاول أن توازن بين العلاقة بإيران ودول الخليج، وربما تكون النقطة التي يغيب عنها الميزان هي حصول إيران على مزيد من الأسلحة والتكنولوجيا النووية من روسيا، التي تتجه نحو اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي يجري التفاوض بشأنها، ويمكنها أن تزيد في قوة الردع الإيرانية، الأمر الذي قد يؤثر في العلاقات الروسية الخليجية، فالخليج متوتر بسبب دوامة الانتقام بين إيران و"إسرائيل".
تحاول إيران حماية العلاقات التي أقامتها بدول الخليج، لكنها تخشى تسهيل هذه الدول للهجمات الإسرائيلية عليها. وضعت خطوط حمراً بشأن فتح المجال الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، واستخدام القواعد الأميركية في الهجوم.
وأكدت الدول الأعضاء في اجتماع مجلس التعاون الخليجي، الذي عُقد بمشاركة إيران، أنها ستبقى على الحياد، لكن إذا تعرضت منشآت النفط والغاز الطبيعي الإيرانية للقصف، فإن إيران لن تظل مكتوفة اليدين. وفي كلتا الحالتين، ستكون أسواق النفط في حالة اضطراب.
تعارض دول الخليج و"إسرائيل" توريد الأسلحة المتقدمة إلى إيران. وكان الروس استجابوا لطلب إيران الحصول على S 300 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 في عام 2005، لكن عندما يتعلق الأمر بطلبيات S-400 وSu-35، فقد تُركوا معلقين. إلاأن "إسرائيل" ضربت بطارية S-300 في إيران في 19 أبريل/نيسان، وذكر الإعلام أن روسيا بدأت توريد أنظمة S-400 .
ومؤخراً، عندما اقترب القصف الإسرائيلي من قاعدة حميميم، حذرتها موسكو "تل أبيب" بشأن ضرورة تجنب الأعمال التي من شأنها الإضرار بالجيش الروسي. لذا، فإن الاتفاقية القديمة لا تزال سارية.
قد تدعم روسيا والصين إيران إلى الحد الذي يجعل مهمة الولايات المتحدة صعبة. ولا يضر بالعلاقات بينها وبين "إسرائيل" أو دول الخليج، ولا تستطيع إيران أن تجر الصين وروسيا إلى صراع من شأنه أن يصرفهما عن مصالحهما الإقليمية، على الرغم من أن"محور رد الفعل" ضد الهيمنة الغربية يكتسب زخماً في منصات بديلة، مثل مجموعة البريكس + ومنظمة شنغهاي للتعاون.
التحولات من نظام إقليمي إلى آخر لا تكون باردة، بل ساخنة في كثير من الأحيان، كما يحدث في غزة أو لبنان. وهناك دائماً تأخير في تحرك عدد من الأطراف، إما لأنها لا تدرك أن النظام الإقليمي في طور التكوين، وإما لأن النظام القديم يناسبها تماماً. وبينما تنهار عناصر النظام القديم بصورة خطيرة، تبقى الملامح التي سيتخذها هذا النظام الجديد غير واضحة .
لكن، عندما يتغير النظام الدولي نفسه، فمن الصعب جداً على الهياكل الإقليمية أن تنتقل من تكوين إلى آخر بسهولة. إن ولادة النظام الإقليمي الجديد ستكون مؤلمة وربما بطيئة. ويؤدي الشرق الأوسط، أي غربي آسيا، دوراً ضاراً إلى حد ما هنا، بمعنى أن التواطؤ مع ممارسات "إسرائيل" غير المقبولة على الإطلاق في غزة هو أمر من شأنه أن يهزّ أسس ما يمكن أن نسميه النظام الإنساني الدولي.