الصومال في دائرة الاستهداف الإسرائيلي هل تنزلق للتطبيع؟
مرّت المحاولات الإسرائيلية لاستدراج الصومال بمنعطفات كثيرة شهدت حالات من المد والجزر، لكنها مؤخّراً بدأت إلى التقارب أميل.
بينما تحاول دول القارة الأفريقية تجاوز الانقلابات والزلازل والأعاصير وتحدياتها، يحاول كيان الاحتلال استغلال الانشغال الحاصل للمرور إلى القارة الأفريقية، فبعد رسوب رئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو صاحب مقولة "إسرائيل تعود لأفريقيا"، ووزير خارجيته إيلي كوهين في ليبيا، تجدّدت الاستدارة الإسرائيلية هذه الأيام لإحداث عملية اختراق في الصومال.
في مسرحية هزلية وخلاف مصطنع وجدلية تبادل الأدوار لتجنّب تكرار سيناريو ليبيا، ذكر موقع "زمان إسرائيل"، في 8 أيلول/سبتمبر الجاري، بأن الصومال هو إحدى الدول التي يريد وزير خارجية كيان الاحتلال، إيلي كوهين، ضمّها إلى قائمة التطبيع. إلا أنه يواجه معارضة من جانب مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الذي يرى بأنه لا مصلحة ذات أهمية ولا جدوى من التطبيع مع الصومال.
تذهب التقديرات الإسرائيلية إلى أن مناسبة الحديث عن التطبيع مع الصومال بأن وزير خارجية كيان الاحتلال إيلي كوهين قد يكون التقى مؤخراً مع جهات مقرّبة من الرئيس الصومالي؛ حسين شيخ محمود، في دولة أفريقية. وبالتالي فإن الأهمية التي يحاول مجلس الأمن القومي التقليل منها بخصوص الصومال لأنها دولة فقيرة غير موضوعة في التقديرات الإسرائيلية على الأقل أمنياً وجغرافياً وسياسياً.
ويعد التطبيع عموماً ومع القارة الأفريقية على وجه الخصوص هدفاً أساسياً استراتيجياً وحيداً لرئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو، الذي لا يمتلك أي مشروع سياسي آخر. باستثناء اختراق القارة الأفريقية كاستراتيجية أعلن عنها منذ العام 2016.
موقع الصومال في الرؤية الإسرائيلية، والسعي لإقامة علاقات معها قديم، بل يسبق استقلال الصومال، ففي أواخر عام 1959، التقت وزيرة خارجية الاحتلال آنذاك، غولدا مائير، في ليبيريا مع محمد جيو أحد قادة حركة المقاومة الصومالية، وعرضت عليه مساعدات اقتصادية وعسكرية.
وأتوقّف هنا عند واحدة من أهم المفارقات في محددات السياسة الخارجية لكيان الاحتلال، غولدا مائير، التي نشأ كيانها بجرّة قلم من "بلفور"، وبدعم بريطاني غير محدود وغير مسبوق تعرض المساعدة على الصومال لمقاومة الاحتلال والاستقلال، مقابل إقامة علاقات معه، يدّعي مجلس الأمن القومي أن لا جدوى منها.
واصل كيان الاحتلال محاولاته لاختراق الصومال ولكن بصبغة أمنية استخباراتية هذه المرة في 6 حزيران/يونيو 1960، وصل "راحاميم تيمور" مسؤول وحدة تشغيل العملاء في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، والقنصل الأسبق لكيان الاحتلال في أديس أبابا، إلى مقديشيو والتقى بكلٍّ من عبد الله عيسى رئيس وزراء الصومال، ومحمد جيو الذي أصبح وزيراً للدستور وكرَّر عليهما عرض غولدا مائير.
مرّت المحاولات الإسرائيلية لاستدراج الصومال بمنعطفات كثيرة شهدت حالات من المد والجزر، لكنها مؤخّراً بدأت إلى التقارب أميل، وشواهد ذلك اللقاءات المتعددة وإن كانت سرية ومن خلال وسطاء؛ إلا أن تسريبها كبالون اختبار كان مقصوداً. ففي تموز/يوليو 2016، مُرّر في الإعلام العبري أن "نتنياهو" التقى سراً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في العاصمة الكينية نيروبي.
ولم تنفِ الصومال خبر اللقاء، بينما ذهبت صحيفة "تايم أوف إسرائيل" إلى رواية أخرى مختلفة الدلالات، إذ ذكرت -الصحيفة-أنّ رئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو، التقى بالرئيس الصومالي والوفد المرافق له في "تل أبيب" وليس في نيروبي. وعقب إعادة انتخاب حسن شيخ محمود، في 15 أيار/مايو 2022، عادت الصحيفة لنشر خبر اللقاء في "تل أبيب" بين نتنياهو والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في حزيران/يونيو 2016، مرة أخرى.
محاولات "تل أبيب" في اختراق الصومال لا تتبدّل بتبدّل رؤساء البلاد، فاللقاءات متواصلة، فالرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله محمد المعروف باسم "فرماجو"، التقى هو الآخر مرتين على الأقل برئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو، المرة الأولى في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، في نيروبي، ثم تطوّر اللقاء لاحقاً ليصبح من دون وسطاء ومباشر ومعلن، كانت المرة الثانية في شباط/فبراير 2020، مع رئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو في القدس، وناقش نتنياهو مع فرماجو إقامة علاقات دبلوماسية، لكن المحاولة وقعت في الفخ الليبي ذاته، وبحيثيات تكاد تكون متطابقة.
على غرار السيناريو الليبي الذي حدث مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، كان الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله محمد، قد أوعز لسفيرة الصومال في سويسرا، فاطمة عبد الله محمود، بالامتناع عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعام 2019 الذي يدين "إسرائيل" بشأن الجولان السوري المحتل. ويبدو أن الرجل أراد اختبار رد الفعل المحلي والدولي على العرض العلني الصغير لدعم "إسرائيل". لكن السفيرة تلقّت تهديدات داخلية وخارجية؛ فما كان من الرئيس فرماجو من خيارات إلا استدعاءها.
تطوّر ملف التطبيع بين الصومال وكيان الاحتلال، عقب إعادة انتخاب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في أيار/مايو 2022، وفي تموز/يوليو 2022، ذكرت هيئة البثّ الرسمية الإسرائيلية "مكان"، أن الناطق بلسان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أكد أن حكومة مقديشو ستجري مشاورات مع أعضاء البرلمان وجهات أخرى حول مسألة التطبيع مع "إسرائيل".
تجدّد الرواية الإسرائيلية عن احتمالية التطبيع مع الصومال، تحمل مجموعة دلالات في بيئة عربية وأفريقية متحركة، في الخلفية فيها تبدو الدول العربية تتدحرج تباعاً صوب التطبيع، والصومال ليست بمعزل عن ذلك التطبيع، حتى وإن حاولت النأي بنفسها عن الانزلاق، وإن بدا مستبعداً وفق كثير من المعطيات والمؤشرات؛ فإن ما يدور في الكواليس بين "تل أبيب" والرياض من تطبيع مرتقب ومتوقّع، سيوقع الصومال ونخبتها في فخ التطبيع.
يبدو أن "تل أبيب" لن تكتفي بانزلاق الدول العربية لفخ التطبيع تباعاً حتى لو وقعت السعودية في ذلك، فأفريقيا حاضرة هي الأخرى، والصومال اليوم في مرمى الاستهداف، وربما موريتانيا في قائمة الأهداف المؤجّلة. وأما فقر الصومال وغياب الجدوى من العلاقة معها كأحد دفوع مجلس الأمن القومي لرفض التطبيع مع الصومال، فهو خلاف مصطنع يخفي الكواليس الحقيقية التي يبدو أنها قطعت شوطاً كبيراً في مسار التطبيع بين كيان الاحتلال والصومال.
إن التطبيع عموماً ومع الصومال بخاصة في التقديرات الإسرائيلية، لا يعني فقط تحقيق رؤية نتنياهو الاستراتيجية ومشروعه الوحيد، ولا تعني رصيداً إضافياً لوزير خارجيته "إيلي كوهين" بعد "صفر" ليبيا، لكنها تعني وضع قدم "تل أبيب" في واحدة من أهم الدول العربية الأفريقية.
فالصومال تمتلك موقعاً جغرافياً استراتيجياً، ويبلغ طول سواحلها 3 آلاف كم، وتطل على خليج عدن والمحيط الهندي وباب المندب، الذي يشهد مرور قوافل التجارة البحرية عبر قناة السويس، إضافة إلى إطلالتها على شبه الجزيرة العربية، وحدودها الممتدَّة مع إثيوبيا وعمقها الأفريقي غرباً وجنوباً. ويعد باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الأحمر الذي يُعتبر كلمة السر في المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
التطبيع مع الصومال يعني أن "تل أبيب" التي طُردت من الاتحاد الأفريقي من الباب تعود إلى القارة الأفريقية من النافذة. ويعني أنه بينما يتراجع النفوذ الفرنسي والأميركي في القارة الأفريقية تتقدّم "تل أبيب"، لتصبح فاعلاً حاضراً لا يمكن استبعاده في إطار التنافس الدولي الحاصل، ويعني إحداث اختراق في النفوذ الصيني الروسي المتمدّد في القارة الأفريقية. ويعني تحييد الصومال أو امتناعها عن التصويت ضد "تل أبيب" في المحافل الدولية.
لكل ما سبق، لن تتوقّف "تل أبيب" عن استدراج الصومال إلى الانزلاق في فخ التطبيع، لأنّ أي اختراق إسرائيلي للدول العربية والإسلامية يعني إضعافاً للجدار الفلسطيني، وتسوية الصراع حول القضية الفلسطينية من دون أي تنازلات، ووفق الإملاءات والشروط الإسرائيلية. ولأنه لم يعد أمام نتنياهو فرصة لأي إنجاز سياسي لتجاوز أزمته الداخلية إلا الذهاب إلى التطبيع سواء مع الصومال أو غيرها من الدول.
طريق التطبيع إلى الصومال وإن بدا أنه محكوم بمحدّدات براغماتية بالنسبة إلى كلّ من "تل أبيب" ومقديشيو، إلا أنه لا يخلو من تحدٍ يتعلق بمدى قدرة الصومال على مواجهة ردود الفعل الداخلية. ذلك أن واقع الصومال الداخلي ومكوّناته وتحدياته مختلفة تماماً عن أثيوبيا والسعودية، إن أرادت الصومال اللحاق بهما والوقوع في فخ التطبيع.