الشيخ المقاوم إسماعيل هنيّة تحمّل كأنه جبل
على طريق تحرير فلسطين سيسقط كثيرون في الميدان، وراية فلسطين ستملأ سماء العالم لأنها راية الحقّ والحريّة وتنظيف العالم من شرور الصهيونية المعادية للبشر أجمعين.
إسماعيل هنيّة رحل جسديّاً بعد أن عاش مقاوماً، ودفع الثمن من عائلته، الأبناء والأحفاد، والابنة. ولم يكسره الحزن على فراق أحبّته الذين كانوا يعيشون مع الناس في قطاع غزّة وليس في تركيا، كما روّج من أرادوا النيل من سمعته، بعيداً عن تدمير غزة على رؤوس أهلها، وتمزيق أجسادهم وعجنها تحت دمار الأبنية.
وهو يمشي في لقاءاته أثناء زياراته بدا كأنه جبل، والعين الخبيرة بالهمّ الفلسطيني والفقدان التقطت حركة جسده، ولم يُخفِ إيمانه وهو يردّد: حالهم حال الأهل في قطاع غزّة..
أدرك القتلة الصهاينة أنّ قتل الأبناء والأحفاد لم يكسر ظهر المجاهد الكبير إسماعيل هنيّة ولم يحنه، وأنّ ذلك الظهر منذ الطفولة كبر وقوي ليحمل ثقل فلسطين القضيّة، وفي الطريق لتحريرها كان يعرف أنه سيفقد الأحبة من أخوة الطريق والأقربين الذين حالهم من حال شعبهم، أو ما حدث لأبنائه وأطفالهم بنيناً وبناتاً.. فتلقّى النبأ وترحّم على من فقدهم وواصل مؤمناً أنّ كلّ مقاوم ومجاهد يعدّ نفسه منذ بداية الطريق للفقدان حتى يأزف ذلك اليوم الذي يقترب بقدر ما نقدّم له من تضحيات.. يوم تحرير فلسطين الذي قدّم له الفلسطينيون، ومعهم عرب شرفاء كثيرون تضحيات لا يمكن أن تحصى، وفلسطين ما زالت تطلب المزيد والفلسطينيون لم يبخلوا ولن يبخلوا ومعهم عرب شرفاء.
عدونا الصهيوني اتخذ من الاغتيالات نهجاً لبث الذعر في نفوس الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة، واستهدف كل مقاوم لنصرة فلسطين، ولذا لم يكن صدفة أن يستهدف قائداً من حزب الله هو (الشيخ فؤاد شُكر) ثم يستهدف القائد المجاهد الكبير إسماعيل هنيّة.. وأين؟ في إيران، في العاصمة الإيرانية التي حلّ فيها ضيفاً مشاركاً في احتفالية تنصيب رئيس الجمهورية الإيرانية الذي انتخب ليخلف الشهيد إبراهيم رئيسي..
وفي هذا الاغتيال لؤم، وفيه أكثر من هدف: اغتيال قائد فلسطيني كبير، هو قائد حماس المقاومة.. والنيل من هيبة وسيادة، وشرف كما قال سماحة السيد حسن نصر الله.. إيران، والصهاينة ومعهم أميركا لا يعرفون معنى الشرف الذي يمتزج بكرامة وكبرياء وعنفوان المشرقيّين بشكل عام.. ولذا سينال الصهاينة العقاب.. ونرجو أن يكون بليغاً وموجعاً يبكيهم كثيراً كما وعد سماحة السيد محذراً، بعد أن فرحوا قليلاً باغتيال القائد العربي المسلم إسماعيل هنيّة.. والقائد المقاوم العربي المسلم اللبناني الكبير في حزب الله فؤاد شكر، وصاحب التاريخ المُشرّف في منازلة الصهاينة.
الكيان الصهيوني استأنف عمليات الاغتيالات التي مارسها منذ بدأ مشروع كيانه إبّان تأسيسه في فلسطين وقبل أن يتمكّن من إعلانه "دولة"، وبلغ به الأمر أن يغتال عدداً من الضباط الإنكليز في زمن الانتداب رغم أن بريطانيا هل التي زرعته ورعته في فلسطين.. إلى أن تمكّن من امتلاك مؤسسات تشكّلت كمؤسسات دولة، وكانت الحرب العالمية الثانية قد أنهت (عظمة) الإمبراطورية البريطانية (والفرنسية) معها، وتسيدّت أميركا على العالم كإمبراطورية باتت صاحبة القوة العظمى منتزعة موقع ودور بريطانيا.
فانتقلت الحركة الصهيونية بمشروع الدولة إلى حضن الإمبريالية الأميركيّة المطلقة السيادة التي تحميها وترعاها وتضمن تثبيتها في قلب الوطن العربي لتكون قاعدتها المتقدّمة، والصهاينة يتباهون كثيراً بأنهم يمثّلون الغرب (الحضاري) في موقعهم المتقدّم.. وهم في حقيقة الأمر يُمثّلون قاعدة عدوانية مستأجرة عسكرياً وسياسياً لحراسة المصالح الأميركية. ويكفي أن نذكّر بهرولة وزير خارجية أميركا اليهودي الصهيوني بلينكن إلى الكيان بعد ساعات من الـ 7 من تشرين اليوم الأول لطوفان الأقصى.. ومن بعده رئيس أميركا المرتعش بدنيّاً وعقليّاً الذي قدم إلى الكيان ليدعم صموده ويبلغه بأنه صهيوني هو ووالده من قبله، وأنّ أميركا مع الكيان وأنه أمر بضخّ كلّ ما يحتاجه من السلاح.. وطبعاً الخبراء العسكريين، الذين لم ينقذوه حتى اليوم بعد عشرة أشهر...
نحن نعرف أن حماس أعدّت قواتها جيداً، وها هي تصمد صموداً أسطورياً مع الجهاد الإسلامي التي خاضت المعارك قبل الطوفان وحيدةً وصمدت، وها هي شريكة رئيسية في الميدان، ومعهما فصائل فلسطينيّة بما تستطيع من قوة، ويحتسب لها أنها مع المقاومة سياسياً ناهيك عن مشاركتها عسكرياً بما تستطيع.
نحن لا نعرف من أسماء قادة القسّام تحت الأرض سوى اسم القائد يحيى السنوار، ولم نشاهد يوماً صوراً وفيديوهات للقائد محمد الضيف الذي يتجلّى بحضوره فعلاً لا قولاً وتصريحات واستعراضات، وكلّ ما نعرفه عنه أنه من صنّاع طوفان الأقصى، وأنه تعرّض من قبل للكثير من محاولات الاغتيال ونجا، وبدلاً من أن ينغرس في قبر.. ها هو ينغرس في عمق الأرض الفلسطينية الغزاوية ويسهم في تدويخ جنرالات العدو الصهيوني وإذلالهم.
أمّا من هم معه في التخطيط والقيادة فلا نعرف عنهم شيئاً، وهؤلاء جيل فلسطيني جديد في مسار الأجيال الفلسطينية المتلاحقة على امتداد 76عاماً منذ (النكبة) و.. أكثر من مئة عام على بدء الصراع مع الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية، وهم معصومون من أوهام سلطة شكلية لن تحرّر شبراً من فلسطين تتحقّق عليه سيادة عربية فلسطينية من دون مساومة وتنازل.
فالمرجو يتحقّق بالوحدة الوطنية الجامعة لقوة الشعب الفلسطيني، فتحرير فلسطين ليس مشروعاً تنظيميّاً، ولكنه هدف كبير يتحقّق بوحدة وطنية حقيقية، وبتحالف مع القوى الثورية العربية وهو ما يتحقّق مع حزب الله المجاهد الذي يحمي ظهر المقاومة ويسندها ويشاغل العدو ويربكه ويستنزفه ويرعبه ليل نهار، ومع اليمن البطل دولةً وشعباً الذي بات سيّد البحر الأحمر وفعله يقتحم "تل أبيب". ومقاومة إسلامية عراقية تصل صواريخها إلى أم الرشراش (إيلات).. وتدّك قواعد الاحتلال الأميركي للعراق.
كلّ رهانات قادة الكيان منذ كان مجرّد مشروع.. وحتى يومنا، والتي جوهرها إنهاء الشعب العربي الفلسطيني تتبدّد وتتجلّى أوهاماً، فها هو شعب فلسطين حيّ بفعله المُعجز، وبيقظته، وبانتفاضاته المتتالية، وبخروجه من حالة الرهان على الأوهام منذ التوقيع في البيت الأبيض عام 1993.. فلا ثقة بأميركا، فهي صهيونية وكلّ رئيس "أصهين" ممن سبقه، فرهاننا نحن والعرب الشرفاء الصادقين في عروبتهم على أنفسنا، وليس على عرب النفط والغاز والتبعية، وعرب التطبيع، وانظروا ماذا فعل ورثاء السادات الذين مكّنوا "جيش" الصهاينة من احتلال حدود مصر مع قطاع غزّة.. ونحسب أن شعب مصر العريق العظيم لن يظل ساكتاً على هذا الغدر والتآمر مع كيان الصهاينة على فلسطين ومقاومتها.. والذي لم يوفّر مصر نفسها ونيلها الذي يبتلع ماؤه سدّ النهضة بتحريض صهيوني مفضوح!.
ونعود إلى القائد العربي الفلسطيني الكبير الذي تحمّل كجبل ثقل ما أصاب أسرته، وواصل جهاده لتحرير فلسطين، والذي كان يتوقّع الشهادة في كلّ لحظة من دون قلق أو همّ، فما هو سوى فلسطيني سار على طريق تحرير فلسطين، ومدّ اليد وعانق كلّ مضحّ منحاز لتحرير فلسطين.
يؤسفني أنني لم ألتقِ بالأستاذ إسماعيل هنية، لكنني عرفته من خلال روحه الوحدوية وسلوكه وممارساته وإيمانه الذي تحمّل التضحية بالأبناء والأحفاد، و.. أعدّ النفس التي لا هدف لها سوى تحرير فلسطين. فإلى رحمة الله أيها القائد الكبير البطل الشيخ إسماعيل هنيّة.
وأقول ختاماً. الاغتيالات لن تهزم روح شعب فلسطين التي تقاوم منذ أكثر من مئة عام، ولن تهّز حماس المقاومة.. وشعب فلسطين مقاوم حتى النصر من النهر إلى البحر.. وفي الطريق سنفقد قادة ومقاومين ونساءً ورجالاً وأطفالاً فهذا قدرنا.. وهذا هو ثمن الحريّة لوطن لن يكون إلّا عربياً حراً عزيزاً على أمته وكلّ المؤمنين بمقدّساته وعراقته.
على طريق تحرير فلسطين سيسقط كثيرون في الميدان، وراية فلسطين ستملأ سماء العالم لأنها راية الحقّ والحريّة وتنظيف العالم من شرور الصهيونية المعادية للبشر أجمعين بعنصريّتها وتبعيّتها للإمبريالية الأميركية عدوّة الشعوب.