التحديات التي تواجه زيارة وزيرة الخزانة الأميركية إلى الصين
تظهر الاجتماعات المتواصلة بين المسؤولين الأميركيين والصينيين والاتصالات واللقاءات التي يجريها رئيسا البلدين أنهما عازمان على تخفيف التوتر بينهما، خصوصاً أن واشنطن على أبواب انتخابات رئاسية.
عندما زارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الصين العام الماضي، قالت أمام ممثلي شركات أميركية في الصين إن فك الارتباط بين أكبر اقتصادين في العالم مستحيل وسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي.
وعلى الرغم من أهمية هذه الزيارة للمسؤولة الأميركية، فإنها فشلت في حل الخلافات الشائكة بين البلدين. لذلك، تحاول يلين مجدداً، عبر زيارتها الحالية للصين، تخفيف التوترات بين بكين وواشنطن اللتين يعاني اقتصادهما من تباطؤ في النمو.
وتجلت التوترات الاقتصادية بين البلدين في تراجع التبادل التجاري بينهما في العام الماضي ليصل إلى 575 مليار دولار أميركي بعدما كان 758.4 مليار دولار أميركي عام 2022، بحيث تراجعت الواردات الأميركية من الصين العام الماضي لتصل إلى 427.2 مليار دولار أميركي، بانخفاض قدره 20% تقريباً عن العام 2022، في حين صدّرت الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين 147.8 مليار دولار أميركي.
بعد 9 أشهر، تعود يلين إلى الصين محملة بسلسلة من المواضيع التي تعذر التوصل إلى حلّها سابقاً، نظراً إلى تعنت كلا الجانبين وإصرارهما على مواقفهما.
وخلال زيارة الوزيرة الأميركية العام الماضي لبكين، عرضت الأخيرة على يلين 5 مطالب بهدف تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، منها التوقف عن قمع الشركات الصينية وإزالة الرسوم الجمركية وقيود الاستثمار وإلغاء حظر المنتجات من إقليم شينجيانغ، إلا أن واشنطن عارضت الاستجابة للمطالب الصينية.
من غير المتوقع أن تحدث الزيارة الحالية لجانيت يلين خرقاً كبيراً، نظراً إلى إصرار كلا الجانبين على مواقفهما إزاء بعض المسائل العالقة بينهما، فبكين تريد من الولايات المتحدة الأميركية، بالدرجة الأولى، رفع القيود المفروضة على الرقائق الإلكترونية، وإلغاء القيود الجمركية على السلع الصينية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
في المقابل، ترفض واشنطن الاستجابة لهذه المطالب، فالرئيس الأميركي جو بايدن رفض، خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها مع نظيره الصيني، قبيل زيارة وزيرة الخزانة إلى الصين، دعوة الرئيس الصيني إلى رفع القيود التي فرضتها واشنطن على الصادرات التكنولوجيا إلى الصين.
من جهته، شدد الرئيس الصيني على أن بكين لن تقف مكتوفة اليدين إذا أصرّت واشنطن على لجم تطوير التكنولوجيا الفائقة في الصين وحرمانها من حقها المشروع في التطور.
تطالب واشنطن بكين برفع القيود التي فرضتها على تصدير معدني الغاليوم والجرمانيوم الأساسيين لصناعة أشباه الموصلات ومعدن الغرافيت الذي يعد أساساً لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. هذه المطالب ترفضها بكين بالنظر إلى تشديد الولايات المتحدة القيود على تصدير أشباه الموصلات إليها.
ومن المواضيع التي تؤرق الولايات المتحدة الأميركية أيضاً الدعم الحكومي الصيني الكبير لصناعة السيارات الكهربائية والألواح الشمسية حتى باتت الصين تهيمن على أسواق الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم.
وحذرت وزيرة الخزانة الأميركية قبيل زيارتها الصين من أن الأخيرة تغرق الاقتصاد العالمي بمنتجاتها الرخيصة من الطاقة، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار السوق والضغط على الصناعة الخضراء في الولايات المتحدة الأميركية التي تعمل على دعم صناعة السيارات الكهربائية بعد إغراق الأسواق العالمية بالسيارات الكهربائية الصينية، إذ من المقرر أن تقدم وزارة الطاقة الأميركية 12 مليار دولار أميركي كمنح وقروض لدعم هذا القطاع.
كما أن واشنطن تدرس زيادة الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية في محاولة لتقليل اعتمادها على الصين.
تظهر الاجتماعات المتواصلة بين المسؤولين الأميركيين والصينيين والاتصالات واللقاءات التي يجريها رئيسا البلدين أنهما عازمان على تخفيف التوتر بينهما، وخصوصاً أن واشنطن على أبواب انتخابات رئاسية، والصين تسعى إلى إعادة النمو لاقتصادها الذي تراجع خلال السنوات الأخيرة وإعادة جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويدرك الجانبان الصيني والأميركي مدى أهمية الشركات الصينية والأميركية العاملة في كل منهما، فالرئيس الصيني التقى الشهر الماضي رؤساء شركات أميركية في بكين بهدف طمأنتهم بشأن اقتصاد بلاده الذي يشهد تباطؤاً وتراجعاً في الاستثمارات الأجنبية، عدا عن قلق هذه الشركات من القيود التي تفرضها الصين بحجة حماية الأمن القومي الصيني، التي تأتي في حقيقة الأمر تأتي كرد فعل على القيود والضغوطات الأميركية المفروضة على الشركات الصينية في الولايات المتحدة الأميركية.
لن تحدث زيارة يلين خرقاً كبيراً، ولكنها إحدى السبل لتخفيف التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بينهما في محاولة لمنع تحول التنافس بينهما إلى صراع.
وإذا كان من الصعب التوصل إلى تفاهم حول بعض المواضيع الشائكة، كالقيود الأميركة على الرقائق الإلكترونية، إلا أنه يمكن للجانبين التفاهم حول مواضيع أخرى أقل سخونة كتجارة المخدرات، ولا سيما مخدر الفنتانيل، والتغير المناخي، وأزمة الديون، وإبقاء اجتماعات اللجنة الاقتصادية الصينية الأميركية مفتوحة، والتمهيد لزيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين في الأسابيع القادمة.
في المحصلة، لا يمكن للطرفين الصيني والأميركي أن يصلا إلى تفاهم حول المواضيع المختلف عليها إلا بعد أن يقدم كل منهما تنازلات.
مثلاً، ترفع واشنطن القيود الجمركية المفروضة على بعض السلع الصينية وتتوقف عن فرض المزيد من القيود على الرقائق الإلكترونية والرسوم الجمركية.
في المقابل، تزيل الصين القيود التي فرضتها على تصدير بعض المعادن الأساسية لتصنيع أشباه الموصلات، وتعطي مجالاً أوسع للشركات الأميركية للعمل في الصين والاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي حول تصنيع السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة الأخرى، بهدف عدم إغراق الأسواق العالمية بالسلع الصينية، وبالتالي خلق مزيد من التوتر بين الصين والدول الأخرى التي تتهمها بممارسات اقتصادية غير عادلة.