الاستثمار الهندي في إيران: "طريق التوابل" في مقابل "طريق الحرير"؟
بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وبعد تراجع رغبة الدول العربية الخليجية في التطبيع، يبدو الاتفاق الهندي الإيراني، بالنسبة إلى الهند، الطريق الأمثل للهند لتحقيق الهدف في أن تصبح مركزاً عالمياً للتجارة العالمية.
في خطوة تاريخية، وقّعت إيران والهند اتفاقية طويلة الأجل، مدتها 10 أعوام، لتشغيل ميناء تشابهار الاستراتيجي في إيران، والذي تهدف الهند من خلاله إلى تعزيز مكانتها في سلسلة التوريد العالمية، ولمنافسة طريق الحرير الصيني، الذي يعتمد ميناء "جوادر" الباكستاني محطة من محطاته الرئيسة.
يرجع التعاون بين إيران والهند، في هذا الميناء الاستراتيجي، إلى عام 2003، حين تمّ الاتفاق على المشروع خلال زيارة الرئيس الإيراني آنذاك، محمد خاتمي، للهند، لكن المشروع تأخر بسبب بعض العراقيل الفنية واللوجستية، وبسبب العقوبات الأممية التي فُرضت على إيران فيما بعد.
وفي عام 2016، بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الـ(5+1)، ورفع العقوبات الأممية عن إيران، تمّ توقيع اتفاقية بين الهند وإيران وأفغانستان لتطوير جزء من هذا الميناء، لبناء ممر للنقل والتجارة الهنديين عبر ميناء تشابهار وإيران إلى أفغانستان. وأعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خطة لاستثمار 500 مليون دولار في المشروع.
وبعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض العقوبات الأميركية، قام الأميركيون بتهديد الشركات الأجنبية العاملة في إيران بالعقوبات، وإعطائها مهلة للانسحاب، لكن الهند استطاعت أن تحصل على إعفاء الميناء من العقوبات.
لماذا يتمتع موقع تشابهار بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى الهند؟
أ- الأهمية الجغرافية:
تشابهار، هي كلمة فارسية تعني "الينابيع الأربعة"، وصفها الباحث الإيراني البيروني في القرن العاشر بأنها نقطة الدخول لشبه القارة الهندية. ويوصف المرفأ، من جانب خبراء الجيوبوليتيك، بأنه "البوابة الذهبية لدول منطقة المحيط الهندي إلى آسيا الوسطى".
بالإضافة إلى مياهه العميقة، التي تتيح له استقبال السفن الكبرى، فإن الميناء يُطل مباشرة على المحيط الهندي، وتستفيد منه الهند بسبب قربه الجغرافي، بحيث قال وزير النقل الهندي، عام 2016، إن "المسافة بين كاندلا (ميناء في ولاية غوجارات) وميناء تشابهار أقل من المسافة بين نيودلهي ومومباي".
ب- بوابة الهند إلى آسيا الوسطى
- استخدمت الهند هذا الممر من أجل عبور المنتوجات الهندية إلى أفغانستان، من خلال تجنب الطريق البري عبر باكستان. فالسلع تنتقل من ميناء تشابهار، عبر شبكة الطرق، إلى زرنج في أفغانستان، ومنها إلى أربع مدن رئيسة: هيرات وقندهار وكابول ومزار الشريف.
- يرتبط هذا الميناء بممر "شمال – جنوب" (الذي يربط روسيا والدول الأوراسية بمنطقة الخليج). وهكذا، تستطيع الهند وروسيا تفعيل العلاقات التجارية بينهما، وخصوصاً في تجارة الطاقة التي توسعت بصورة كبيرة بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا، وقطع الأوروبيين علاقاتهم بروسيا، الأمر الذي دفع الهند إلى استيراد الغاز الروسي وإعادة بيعه للأوروبيين.
- بمجرد تشغيل الميناء بكامل طاقته، فإنه سيتيح للهند إمكان الوصول المباشر إلى دول آسيا الوسطى الغنية بالموارد، مثل تركمانستان وكازاخستان، وتبادل السلع معها، ذهاباً وإياباً.
ج- منافسة طريق الحرير الصيني
- وقعت الصين مع باكستان اتفاقاً لتشغيل ميناء "جوادر" لمدة 40 عاماً، كجزء من طريق الحرير الصيني. وبالاتفاق مع إيران، فإن الهند تستطيع أن تحدّ قدرة منافستها باكستان على أن تكون مقراً للتجارة البينية بين المحيط الهندي وآسيا الوسطى، كما يعطي الهند القدرة على منافسة الصين في المنطقة.
- يتزايد القلق الهندي من الدور الصيني المتصاعد في آسيا، وتَعُدّ الهند أن هذا الدور يشكّل ضرراً لمصالحها في المنطقة. لذلك، ترى الهند أن توسعها في الشرق الأوسط يُعَدّ عنصراً مهماً في مواجهة خطط الصين لمشروع الحزام والطريق.
- من ضمن الخطط الهندية لمنافسة الصين، والتي تدعمها الولايات المتحدة بقوة، يبرز الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، والذي أعلنه الأميركيون والأوروبيون، كونه حدثاً كبيراً سيؤدي إلى دمج "إسرائيل" والدول العربية الخليجية، عبر مشروع تنموي استثماري، وسيشكّل فرصة لدول الخليج في عدم الاعتماد على طرق المواصلات الصينية، التي تهدف إلى ربط آسيا بأوروبا عبر الدول الخليجية و"إسرائيل".
بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وبعد تراجع رغبة الدول العربية الخليجية في التطبيع، يبدو الاتفاق الهندي الإيراني، بالنسبة إلى الهند، الطريق الأمثل للهند لتحقيق الهدف في أن تصبح مركزاً عالمياً للتجارة العالمية (من جنوبي شرقي آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا).