الأمن القومي الجزائري ودقة الحسابات بعد انقلاب النيجر

يشكل ملف الحدود مشكلة أساسية تقتضي التنبه لمنع تسرب الجماعات الإرهابية، بحيث تشترك كل من الجزائر والنيجر في حدود تصل إلى نحو 1000 كم، حيث تنشط جماعات مسلحة في منطقة الساحل الأفريقي.

  • الأمن القومي الجزائري ودقة الحسابات بعد انقلاب النيجر
    الأمن القومي الجزائري ودقة الحسابات بعد انقلاب النيجر

عكست سياسة الجزائر الخارجية، على الصعيدين الإقليمي والدولي، تطلعاتها من أجل تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، الاقتصادية منها والأمنية، في ظل مواكبتها التحولات الدولية الإقليمية من أجل الانخراط والتأثير. ونظراً إلى موقعها الاستراتيجي في أفريقيا وموازاتها لجنوب أوروبا، فإن الجزائر محط أنظار القوى الاقتصادية العالمية، الأمر الذي يجعلها تتفاعل في إطار المتغيرات تحقيقاً لمصالحها.

ضمن هدا الاطار اتى مشروع ميناء شرشال الكبير 2021 كدعم لسياسة التعاون الجزائري الصيني، والذي يجعل جنوب أوروبا متلاحمة مع شمال أفريقيا ووسطها. ويشكل طريق الحرير بالنسبة إلى الجزائر انقلاباً في المفاهيم الاقتصادية القديمة، القائمة على فكرة الاستغلال من دون تنمية، وهي ترى أن الاستثمارات الصينية تشكل تطويقاً اقتصادياً لجنوب أوروبا، بحيث ستصبح السوق الأوروبية على مرمى حجر من البضاعة الصينية.

وكانت وقّعت على اتفاقية للتعاون، اقتصادياً وتقنياً، مع الوكالة الصينية للتعاون الدولي من أجل التنمية، ويحدث ذلك في وقت ستراجع الجزائر روزنامة التفكيك الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، وفق مصلحتها الاقتصادية.

أمّا التقارب بين الجزائر وموسكو، دبلوماسياً وسياسياً، فتجلّى بإعداد وثيقة جديدة بشأن الشراكة الاستراتيجية لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات. ويمتلك البلدان برنامج تعاون، يعكس الشراكة بينهما. موقف الجزائر في الأمم المتحدة تجاه الحرب الأوكرانية أظهر التقارب الواضح مع روسيا.

تنظر روسيا إلى الجزائر على أنها واحدة من أكبر ثلاثة شركاء اقتصاديين لها في قارة أفريقيا، ويعمل الطرفان على تعزيز التنسيق بينهما في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز، كذلك في اجتماعات الدول المصدرة للنفط "أوبك +".

ويمثل التعاون العسكري أحد أعمدة العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تسعى الجزائر لضمان الحصول على الدعم الروسي من أجل الانضمام إلى بريكس  BRICS، تسعى الجزائر للتقارب مع الشرق، وتعمل على دعم موقفها في ملف الصحراء وإقناع حلفائها وأصدقائها بدعمها فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية، وفي أروقة الأمم المتحدة بشأن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء يتعلق تقرير المصير. 

إلّا أن انقلاب النيجر طرح عليها مشكلات يمكنها أن تتفاعل في عقر دارها والتسبب بالتوتر في الغرب الأفريقي، وتشكيل مجالٍ ضاغطٍ على الأمن القومي الجزائري، نظراً إلى العوامل الجغرافية والأمنية التي تربط البلدين، الأمر الذي فرض موقفاً جزائرياً للحيلولة دون تفاقم الأوضاع داخلياً، أو التدخلات العسكرية الأجنبية.

الحسابات الدقيقة والمصالح في مقدمة موقف الجزائر

تطورت مواقف الجزائر تباعاً. دانت وزارة الخارجية الجزائرية محاولة الانقلاب، وتمسكت بالمبادئ الأساسية الرافضة للتغييرات غير الدستورية للحكومات، في اتساق مع المجتمع الدولي ومواقف الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا "إيكواس"، عبر رفض ما حدث في النيجر، والمطالبة بإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة وإنهاء الانقلاب عبر الوسائل السلمية.

إلّا أنه، بعد موقف مجموعة "إيكواس" وتلويحها باستخدام القوة العسكرية، لم تغامر الجزائر في التصعيد العسكري. وأكد الرئيس عبد المجيد تبون رفضه حالة الانقلاب العسكري، وشدد على أهمية التمسك بالمبادئ الدستورية، لكنه أبدى الرغبة في الوساطة لحل الأزمة ومعارضة التدخل العسكري في النيجر. 

يشكل ملف الحدود مشكلة أساسية تقتضي التنبه لمنع تسرب الجماعات الإرهابية، بحيث تشترك كل من الجزائر والنيجر في حدود تصل إلى نحو 1000 كم، حيث تنشط جماعات مسلحة في منطقة الساحل الأفريقي.

وهي تُعَدّ بمثابة عمق استراتيجي للجزائر، ولا سيما أنه في أعقاب انهيار الدولة الليبية عانت الجزائر من أجل المحافظة على حدودها من الاختراقات الإرهابية، واتفقت مع دول الساحل والصحراء، ومنها النيجر، من أجل التصدي للجماعات المسلحة، وأبرمت والنيجر اتفاقية للتعاون، استخبارياً وأمنياً، لمحاربة الإرهاب مند عام 2021. 

ترتبط مصالح الجزائر الاقتصادية بالنيجر عبر بناء منطقة تبادل تجاري لتعزيز تسويق المنتوجات الجزائرية وتزايد المبادلات التجارية. لدلك، يكتسب الاستقرار الداخلي وعدم التصعيد العسكري أهمية قصوى لمنع انزلاق الدولة إلى حالة صراع مفتوح، وتشكل النيجر معبراً مهماً للصادرات الجزائرية إلى العمق الأفريقي، وخصوصاً دول غربي أفريقيا. 

زاد الاهتمام بدول الجنوب في حركة الصادرات الجزائرية عقب تأزم الموقف مع الرباط، علاوةً على المشاريع الاستراتيجية الجامعة بينهما، وفي مقدمتها أنبوب الغاز النيجيري الجزائري المارّ عبر أراضي النيجر، في ضوء معادلة التنافس الإقليمي المغربي الجزائري، بحيث وقعت كل من الجزائر ونيجيريا والنيجر اتفاقاً على تدشين خط غاز عبر الصحراء (تموز/يوليو 2022)، فضلاً عن المكاسب الاستراتيجية الناجمة عن توقيع شركة “سوناطراك”، المملوكة للحكومة الجزائرية، اتفاقية مع وزارة الطاقة النيجرية مطلع عام 2022 لتقاسم الإنتاج في حقل "كفرا"، شمالي النيجر.

واحد من بين انعكاسات الانقلاب هو الاضطراب، سياسياً وأمنياً، في النيجر، ومزيد من موجات اللجوء والهجرة إلى الأراضي الجزائرية، وخصوصاً أن هذه الموجات تزايدت وتيرتها بصورة كبيرة على الجزائر في الآونة الأخيرة بعد أن شهدت كل من مالي وبوركينا فاسو انقلابات منذ عام 2020. لذا، تريد الجزائر إبقاء الوضع داخل النيجر في إطار وسياق سياسيين سلميين للحيلولة دون الانزلاق في صراع عسكري مفتوح، أو مجال للوجود العسكري الغربي بحكم الجوار الجغرافي.

اجتماع "إيكواس" والتلويح بالتدخل العسكري 

اجتمع قادة جيوش دول المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا، "إيكواس"، في غانا من أجل الاتفاق على خطة محتملة لنشر قوات احتياط في النيجر، في وقت تواصل الحراك الدبلوماسي في نيامي من أجل حل الأزمة سياسياً. أكد قادة جيوش "إيكواس" قرار "استعادة النظام الدستوري في النيجر بأي وسيلة"، لكن "كل الخيارات على الطاولة".

في المقابل، تعهّد قادة المجلس العسكري الحاكم في النيجر التصدي لأي عمل عسكري قد تُقْدِم عليه مجموعة "إيكواس".

وشاركت وحدات من ساحل العاج والسنغال وبنين ونيجيريا في العملية العسكرية المحتملة، بحيث بات عددها وعتادها معروفين. أمّا السلطات في نيامي فهي أعلنت أنها منفتحة للحوار السياسي مع الشركاء الذين يتفهمون سيادة النيجر، ويشارك في الاجتماع مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن في "إيكواس"، وهو من غانا، وسبق له المشاركة في اجتماع قادة الأركان الأول المنعقد مطلع آب/أغسطس في أبوجا، الذي وضع خطة نشر قوة التدخل، إلّا أن قيادة هذه القوات لم تتلق من "إيكواس" أمراً بالتخلي عن جاهزية التدخل، الأمر الذي يعني أن قوة التدخل لا تزال في حال تأهب.

يبدو أن الولايات المتحدة ستصعد وهي ترسل سفيرتها إلى نيجيريا لدعم بازوم، وتؤكد أنه الرئيس المنتخب ديمقراطياً في النيجر، الأمر الذي يحتم الإفراج عنه وعن أسرته، وتراجع الانقلابيين. أمّا فرنسا فهي تحذو حذوها، وقررت عدم سحب جنودها، وقالت إن القوات الفرنسية موجودة على الأرض في النيجر بناءً على طلب من السلطات الشرعية، وفق اتفاقيات وقّعتها معها لحمايتها من الإرهاب. وهي لا تعترف بأي قرارات يتخذها الانقلابيون، بل فقط بقرارات السلطة الشرعية، مؤكدة أنها قطعت كل دعم عسكري وتعاون مدني مع النيجر منذ وقوع الانقلاب.

ما موقف الجزائر وأهميتها بشأن حل أزمة النيجر

تعوّل المجموعة الاقتصادية لغربي أفريقيا، بصورة كبيرة، على الجزائر كوسيط لحل الأزمة في النيجر لارتباطها بها، جغرافياً وأمنياً وسياسياً، في إطار سياسة المحاور والاستقطاب بين مالي وبوركينا فاسو مع النيجر لصد أي هجوم عسكري في مقابل التهديد المباشر من جانب "إيكواس" باستخدام القوة العسكرية، والذي يتماشى مع تهديد فرنسا بالتدخل العسكري في حال تعرض مصالحها للخطر.

تُعَدّ النيجر الورقة الأخيرة للمصالح الفرنسية في المنطقة بعد أن انسحبت من مالي، فالتوترات الفرنسية الجزائرية السياسية جعلت الأخيرة تعمل على إطاحة المصالح الفرنسية وإخراج فرنسا بعيداً عن منطقة الساحل والصحراء، لكن لا تغامر الجزائر في التصعيد او الانحياز، بل تحاول تفعيل المسار السياسي السلمي في تسوية تلك الأزمة، أي تصعيد عسكري ستكون له أبعاد وخيمة على الأمن القومي الجزائري.