الأستاذ المُشتبك
المُعلّم المُتسلح بدينه وعلمه، والذي أمضى حياته في القدس المحتلة على زرع أجيال مثقّفة، والدفاع عن الأرض حتى الرَّمق الأخير.
من المقلاع والحجر، إلى البالونات الحارقة والسكين والدهس، وصولاً إلى الصاروخ الدقيق، يبدو أن هذا التطوير الزمني يأتي استكمالاً لمشهد تحرير فلسطين. تعدَّدت الأدوات وطريق القدس واحد.
"إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ
وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا".
شطران من قصيدة الشاعر أحمد شوقي الشهيرة "قُم للمعلم"، كفيلان برسم خطة منطقية وتنفيذها ميدانياً بقلب ميّت.
فقدوة التلميذ مُدَرّسَهُ، فكيف لو كان الأستاذ فادي أبو شخيدم ثائراً، صاحبَ حق في وجه سلطان جائر، ومنفذاً عمليةً وصفها الاحتلال بالخطرة، من حيث التوقيت والمكان.
ودّع طلابه بنظراته، صلّى الفجر، هاتف والدته وانطلق حاملاً بضعَ رصاصات ورشاش كارلو. مشى بين أحياء القدس القديمة المحتلة، متنكّراً بملابس يهود أشكيناز. وهناك، عند باب السلسلة، أراد الشهيد فادي أبو شخيدم تلقين المحتل دروساً ليست منهجية في كتابة نصّ أو تفسير شطر، بل في كيفية التخطيط وتنفيذ عملية حساسة للغاية ضربت باب أمن الاحتلال الإسرائيلي وأمانه المهترئ. والأهم أنها كانت بعيدة عن عيون التنسيق الأمني، مستخدماً سلاح كارلو الأوروبي المنشأ، والمقلَّد في مصر عام 1956، وأُطلق عليه اسم "بور سعيد". كما طوّره الفلسطينيون، في نسختهم الخاصة، والتي استخدموها في مواجهة الاحتلال، منذ الانتفاضتين الأولى والثانية، وهبّة القدس عام 2015، ضد المضايقات والملاحقات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
عودة سلاح كارلو إلى الضفة الغربية، تعني أن أمن الاحتلال الإسرائيلي مهدَّد، ويعرف أن تطويره فلسطينياً قادرٌ على إحداث فوضى. وعلى الرغم من محدودية دقته ورخص ثمنه، فإنه استطاع تغيير قواعد الاشتباك. نذكر منها تلك التي وقعت في مركز تجاري قرب وزارة الأمن وسط "تل أبيب"، في 8 تموز/يونيو 2016، وأدت إلى مقتل 4 إسرائيليين وإصابة 6 بجروح، ونفّذها الشابان محمد وخالد مخامرة من بلدة يطا في قضاء الخليل.
الشيخ أبو شخيدم، الأستاذ المشتبك والمعطاء بحياته الاجتماعية، أراد إيصال رسائل مشفّرة إلى المحتل أولاً، وإلى المطبِّعين ثانياً.
1- إن سلاح الفقراء سيبقى صاحياً في وجه جرائم المحتل.
2- القدس خط أحمر، وسيفها سيبقى مرفوعاً.
3- تغيير في قواعد الاشتباك في الضفة الغربية، من الحجارة والسكاكين إلى كارلو.
4- حجج التطبيع وشراء الحماية من عدوّ أمنه صَدِئ.
المُعلّم المُتسلح بدينه وعلمه، والذي أمضى حياته في القدس المحتلة على زرع أجيال مثقّفة، والدفاع عن الأرض حتى الرَّمق الأخير، أمس، وضع نقطة تنبيه في آخر السطر، من أجل وقف الاعتداءات والجرائم المتمادية بحق الشعب الفلسطيني، والتي يمارسها الاحتلال ضد الأسرى ومسجد الأقصى وحي سلوان وحي الشيخ جراح.
ليتَ كُتبكَ تنطق لَقالت للطبشور اكتُبْ :
"قُمْ للمُعلم وَفِّهِ التبجيلا
كاد المُعلم أن يكون رسولا".