اغتيال قيادة "حماس" في الخارج والخيارات الصعبة

العمليات الفدائية التي تنامت خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك عمليات الطعن وإطلاق النار، تشير إلى أنَّ قضايا المقاومة في الضفة المحتلة والقدس آخذة في التصاعد.

  • فرضت عملية القدس الأخيرة تغييراً في قواعد اللعبة بين المقاومة الفلسطينية و
    فرضت عملية القدس الأخيرة تغييراً في قواعد اللعبة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"

 

فرضت عملية القدس الأخيرة تغييراً في قواعد اللعبة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، إذ اضطر المستويان الأمني والسياسي لدى الأخيرة إبراز أوراق لم تنضج بعد لتهديد قيادات حركة "حماس" المتواجدين في الخارج، والذين توجه إليهم الاتهامات بالمسؤولية عن تحريك الفلسطينيين في الضفة والقدس لتنفيذ عمليات فدائية.

بعد وقت قصير من العمليّة في القدس، كشفت "إسرائيل" ورقة خليّة كشفتها خلال الأشهر الماضية، تتبع لحركة "حماس"، ويوصف عملها بأنه كان معقداً، وكانت تجهز لعمليات كبيرة ضد الاحتلال في الضفة والداخل المحتل.

وحمل الكشف ذكراً وتحريضاً وإشارة إلى مسؤولية قيادة "حماس" في الخارج، وتحديداً الشيخ صالح العاروري، قائد الحركة في الضفة المتواجد خارج فلسطين، وقيادات أخرى معه تتواجد في تركيا، تتهمهم "إسرائيل" بالوقوف خلف هذه العملية.

التصعيد في ذكر الاحتلال لهذه القيادات وتحميلها المسؤولية المباشرة عن الخلية، إلى جانب الإعلان عنها، يكشف بشكل واضح نيات الاحتلال المستقبلية تجاه قيادة الحركة في الخارج، إذ يجد المتابع لمجريات الأحداث مؤخراً رغبة إسرائيلية في تحييد هذه القيادة، سواء بشل قدراتها على العمل في الضفة أو تنفيذ عمليات اغتيال.

حالة العجز أمام محاولات بناء القوة العسكرية للمقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلة باتت تمثل تحدياً كبيراً أمام "إسرائيل"، إذ إنَّ الجهود الكامنة ضمن سياسة ما يسمى "جزّ العشب" لم تعد ناجحة وقادرة على وقف توجه الشبان الفلسطينيين إلى العمل العسكري ضد الاحتلال، وهو ما دفع أطرافاً في "إسرائيل" إلى البحث عن حالة ردع للمحركين، بالتوازي مع محاولة إثارة شعور بالإحباط لدى باقي الفلسطينيين في الضفة.

العمليات الفدائية التي تنامت خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك عمليات الطعن وإطلاق النار، تشير إلى أنَّ قضايا المقاومة في الضفة المحتلة والقدس آخذة في التصاعد بشكل واضح لدى جيل جديد من الفلسطينيين، رغم كل الإجراءات والسياسيات الأمنية والعسكرية التي لا تتوقف هناك. وأمام هذا العجز، تريد "إسرائيل" حالياً ترميم صورتها داخلياً وخارجياً.

ولعلَّ أبرز التحركات التي قد تنتهجها "إسرائيل" بهذا الصدد هو تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات مسؤولة عن تثوير الضفة وسكانها ضد الاحتلال، بما يشكّل حالة ردع للفلسطينيين في الخارج، ويجعل ثمن اللعب في الضفة كبيراً ومخاطرة محفوفة بمخاطر عالية جداً. 

وهنا، يمكن فهم التحريض الكبير الذي بثّته وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الفترة الأخيرة ضد قيادة "حماس" في الخارج، في محاولة لوضع هذه القيادة أمام خيارين؛ إما أن ترتدع وتتوقف عن عملها، وإما أن يتم اغتيالها فعلياً.

بغضِّ النظر عن جدّية التهديدات أو قدرة "إسرائيل" على تنفيذها، إلا أنَّ عمليات الاغتيال في الخارج لم تعد بالأمر السهل بالنسبة إلى "إسرائيل"، واغتيال العدو لشخصيات وازنة في المقاومة داخل قطاع غزة أو خارجه بات يعد من الخطوط الحمراء التي رسمتها المقاومة بتضحيات كبيرة، إذ إنَّ الرد على هذه العمليات سيأخذ منحيين استراتيجيين في الصراع مع الاحتلال؛ الأول يتمثل بتغيير كبير قد يطرأ على فكرة العمل العسكري خارج فلسطين المحتلة واستهداف مصالح العدو في مناطق مختلفة، والآخر يتعلق برد فعل قيادة المقاومة التي ربما لن تتردد في تكرار ما حدث خلال معركة "سيف القدس"، وهو ما يعني فتح مواجهة عسكرية جديدة على جبهة غزة، الأمر الذي تعتبره "إسرائيل" مكلفاً أكثر من عمليات الاغتيال ذاتها.

قد تكون خيارات المقاومة الفلسطينية غير متوقعة للمستوى الأمني والعسكري في "إسرائيل"، إذ إنَّ اغتيال شخصية وازنة بهذا الحجم قد يدفع إلى قرار عودة العمليات الاستشهادية داخل مستوطنات الاحتلال، ما يعني بالنسبة إلى كيان الاحتلال مواجهة موجة عمليات كبيرة ومتسلسلة، تقود معها تغيرات كبيرة في واقع الضفة المحتلة.

المتغير الجديد يشير إلى أنَّ الحسابات لن تكون سهلة هذه المرة أمام الاحتلال في ضوء تطور قدرات المقاومة الفلسطينية داخلياً وخارجياً، إضافة إلى مساندة محور المقاومة لها، ما يعني أنّ كلفة تنفيذ عملية اغتيال لإحدى الشخصيات التي تلمّح "إسرائيل" إليها ستكون صاعق تفجير للأوضاع في الخارج والداخل، بما في ذلك الضفة المحتلة، التي تتنامى فيها المقاومة بشكل واضح.

الأهم في معادلة الاغتيال هذه المرة أنَّ الحسابات أصبحت أكثر تعقيداً أمام "إسرائيل"، فما كانت تستطيع فعله سابقاً لن تسمح به قيادة المقاومة الفلسطينية حالياً، ناهيك بتعقيد عمليات الاغتيال من الناحية السياسية والدبلوماسية على "إسرائيل"، سواء حدثت هذه العملية في لبنان أو تركيا أو غيرها من الدول في المنطقة، نظراً إلى أن هذا الأمر معناه مشاكل متعددة لا يمكن لملمة أبعادها.

قيادة المقاومة الفلسطينية الحالية باتت غير متوقَّعة في قراراتها بالنسبة إلى "إسرائيل"، ما يعني تعقّد الخيارات أمام المستوى السياسي فيها، إذ إنَّ سيناريوهات ما بعد الاغتيال قد تكون متطرفة وغير معبّرة عن الواقع، كما حدث في معركة "سيف القدس"، عندما قصفت المقاومة مدينة القدس المحتلة، في الوقت الذي كانت كلّ تقديرات المستوى الأمني تتوقع أنَّ التصعيد سيبدأ متدرجاً من غلاف غزة.

كلّ ما سبق لا يعني أنّ "إسرائيل" قد لا تذهب إلى عمليات اغتيال، إلا أنَّ الثابت أن هذه العملية تمثل قمّة الكبر المرتبط بالغباء لدى العدو، ولن تثني قيادة المقاومة عن جهودها بخصوص الضفة المحتلة، بل ربما تكون حافزاً لرد كبير يحمل معه ملامح انتفاضة جديدة تبدأ بسلسلة عمليات كبيرة في مستوطنات الاحتلال المركزية، إضافةً إلى خيارات أخرى.