استشهاد الشيخ خضر عدنان.. هل يقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟

رفض القضاء الصهيوني الإفراج بكفالة عن الشيخ خضر عدنان مرتين، وقضاته يعرفون بأنه في حال خطرة، يعني أنهم غطّوا وبرروا جريمة قتله، فهم مثلهم مثل بن غفير وسموتريتش.

  • استشهاد الشيخ خضر عدنان.. هل يقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟
    استشهاد الشيخ خضر عدنان.. هل يقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟

استشهد الشيخ خضر عدنان، القيادي في "الجهاد الإسلامي"، فجر يوم 2 أيّار/مايو، اليوم السادس والثمانين لإضرابه عن الطعام، ورفضه تناول المدعمات.

في كل مرّة كان يعتقل فيها كان يبلّغ سجّانيه، ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله، بأنه مضرب عن الطعام؛ لأنه يرفض السجن الإداري التعسفي، السجن الذي لا يعرف فيه السجين لماذا هو مسجون، وكم هي مدّة سجنه القابلة للتمديد ومن دون تحديد، لأنه سجن بلا تهمة محددة يبلّغ بها السجين. 

في مرّات سجنه السابقة، والتي توّجت بالإفراج عنه، كان الشيخ خضر أكثر قوة جسدياً، وأكثر شباباً، ولكنه مع التقدم في العمر، وعدم قدرة جسده على التحمّل كما في المرّات السابقة، وبعد 86 يوماً من الجوع والمعاناة، وإصراره على مواصلة الإضراب، رحل في فجر يوم 2 أيّار/مايو. ولعلّ التوقيت الذي غادرت فيه روحه جسده، وصعدت إلى الباري- جلّت قدرته- فيه معنى خاص به، يكرّمه، ويلهم شعبه، فصعود روح الشيخ فجراً يبشّر شعب فلسطين بفجره الآتي بالتضحيات حتماً، إذ لا حرية ولا تحرير لفلسطين من دون التضحيات الموجعة للشعب الفلسطيني الصبور الذي لم ولن ينكسر، رغم أنه وحيد في الميدان، ولا شريك له سوى حزب الله، وبعض الدعم من شرفاء الأمة، بمواقفهم المنحازة والمؤيدة في زمن التطبيع والتخلّي عن جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني ومن يدعمه ويسلّحه ويموّله: أميركا، والمجرمة بريطانيا التي لم تتخل يوماً عن دورها الشرير في التآمر على فلسطين وشعبها، وعلى كل قضايا التحرر العربي. وهل ننسى دورها في العدوان الثلاثي على مصر الناصرية عام 1956 وجرائم أخرى كثيرة؟

لقد رفض القضاء الصهيوني، قضاء الاحتلال، الإفراج بكفالة عن الشيخ خضر عدنان مرتين، وقضاته يعرفون أنه في حال خطرة، أي أنهم غطّوا وبرروا جريمة قتله، فهم مثلهم مثل بن غفير وسموتريتش، وعتاة الصهاينة الذين أنكروا وينكرون عروبة فلسطين، وشعب فلسطين العريق في أرضه، بل ويعملون على إلغائه، وتغييبه من الوجود، يغطيهم من تنصلوا من عروبة فلسطين، و طبّعوا وتخطوا شعب فلسطين ومقاومته، وتركوا الفلسطينيين في الميدان وحدهم، انطلاقاً من مصالحهم كحكام لدول لا هوية ولا انتماء لها، حتى وهم يرون ضعف المشروع الصهيوني، وتصارع تجمع الكيان الصهيوني، وبدء تفككه وعجزه عن ضمان حاضره ومستقبله، فما بالك بضمان أمن  دولهم؟!

ولأننا لسنا متفرجين على قضيتنا وشعبنا، فإننا نفكر ليل نهار بالأسرى، وبمقاومة شعبنا والمعوقات التي تعترض هذه المقاومة، وبالحصار الخانق على شعبنا، وبكل ما يتيح للعدو الصهيوني الاستفراد بأهلنا في داخل فلسطين التاريخية والجغرافية، فإننا ونحن نثق بما يختزنه شعبنا من خبرات ثورية، وما راكمه من تجارب تلهم وتحض وتضيء الطريق الصعب، نرى ونلمس أن شعبنا ما عادت تنطلي عليه أكاذيب "مسيرة السلام"، فالأرض تطوى من تحت الأقدام، والمناطق تسرق يومياً ويحرم الفلسطينيون من البناء عليها، ومناطق الأغوار تنهب أرضاً وماء، وهو ما يدفع جيل الشباب إلى المقاومة في منطقة أريحا، وتحديداً في مخيم عقبة جبر، أكبر مخيمات الأغوار، فهم يرون أنهم يطوّقون ويعزلون ويحاصرون، وهم في منطقة أريحا بوابة فلسطين الشرقية، ويلمسون أن ما يفعله الاحتلال هو وضع مخططات المعازل الخانقة للفلسطيني وتنفيذها، ولذا يقاومونه بضراوة.

وهكذا، تنضم أريحا ومخيماتها إلى جنين ومخيماتها، ونابلس ومخيماتها، والخليل ومخيماتها، وبيت لحم ومخيماتها، وبهذا التكامل تثور الضفّة الفلسطينية، ولثورتها امتداد وتحوّل في الوعي والخطاب، فمع الكيان الصهيوني لا سلام مخادعاً يسرق الوقت من الفلسطينيين بالتخدير، ويجرّهم وراء سراب سلام افتضح أمره على امتداد 3 عقود منذ التوقيع في حدائق البيت الأبيض في أيلول/سبتمبر 1993، والسير وراء "وسطاء الخداع" الأميركيين، رعاة الكيان الصهيوني وحماته ومموّليه ومسلّحيه وجرّ المطبّعين العرب إلى معانقة الصهاينة، والتخلي عن عروبة فلسطين وشعبها الذي يخوض معركة الدفاع عن الأمة كلها على أرض فلسطين. 

ترك الشيخ عدنان يموت في السجن جريمة نتنياهو وحلفائه الصهاينة المتدينين، وهي ليست جديدة، فمن قبل استشهد كثيرون تحت التعذيب في سجون الاحتلال، وتُرك كثيرون ليموتوا من دون تلقي العلاج وبإشراف أطباء صهاينة مثلهم مثل قضاة محاكم الاحتلال، وكلهم مجرمون وقتلة، ونحن كفلسطينيين آن لنا أن نرتقي بالوعي الثوري إلى حيث يأخذنا للقول بوضوح: هذا كيان احتلالي مجرم لا سلام معه، فهو يحتل كل أرضنا، ورغم تنازل بعض القادة الفلسطينيين، وتوقيع اتفاقات أوسلو، فإنه مارس الخداع برعاية أميركية وغربية، وقتل من وقّع معه وصافحه (أبو عمار) بالسم، وهو يهدم البيوت، ولا يكف عن نهب الأرض والماء والاقتصاد، ولا يردعه رادع، فلا رأي عام عالمياً، ولا قرارات شرعية دولية تهمه، ولن تردعه سوى مقاومة جذرية شاملة في كل فلسطين، ويخوضها كل الفلسطينيين حيثما وجدوا بكل ما يستطيعون، ومعهم كل المخلصين بغض النظر عن القناعات العقائدية، إسلامية أو قومية عربية أو يسارية.

آن أن تنتهي حقبة الرهانات السياسية القاصرة النظر التي خسّرت قضيتنا، وأربكت شعبنا، وأدخلت الخلافات بين صفوفنا، وضيّعت الكثير من وقتنا في الصراع على السلطة، ومكّنت الانتهازيين من التلاعب في الوعي الفلسطيني، وغطّت خيانات المطبّعين.

لروح الشهيد الشيخ الصلب خضر عدنان الرحمة وجنة الخلود. تضحيته لن تذهب سدى فهو سيسهم في تجديد الوعي وتعميق الصراع مع الكيان الصهيوني، ولا بُدّ أن يُقرّب بين كل من يؤمنون بأن صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود.