أزمة معتقلي الرّأي في البحرين على طاولة مجلس العموم البريطاني.. ماذا في المآلات؟
صمود البحرينيين لن يضعف، وصوت الحقيقة لا يمكن كمّه. يكاد لا يمرّ يوم إلا ويخرج هؤلاء إلى الشّوارع، مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم.
أعرب 8 نواب بريطانيين عن استيائهم من دعم المملكة المتحدة القويّ للبحرين، على الرغم من قمعها المستمر للمواطنين وانتهاكاتها الحقوقيّة الواسعة. وبينما مضت المملكة المتحدة قدماً في إبرام اتفاقيات تجاريّة مفتوحة مع البحرين، أدان النّواب "غضّ الطرف" عن انتهاكات حقوق الإنسان، داعين إلى وقف تمويل المنامة التي يقبع في سجونها آلاف السّجناء السّياسيين، لدورهم في الحراك الشّعبي.
أحد الأسماء التي تمّ تسليط الضّوء عليها بشكلٍ رئيسيٍّ في مجلس العموم البريطاني هو السّجين السّياسيّ البحرينيّ عبد الجليل السنكيس، المضرب عن الطّعام منذ ما يزيد على 190 يوماً، بسبب مصادرة بحثه الأكاديمي. وقد حُكم عليه بالسّجن المؤبد لدوره في احتجاجات البحرين المطالبة بالديمقراطيّة في العام 2011.
البرلماني برندان أوهارا سلط الضّوء على التّعذيب الذي تعرّض له السنكيس والانتهاك الجنسيّ على يد قوات الأمن. وقال أوهارا: "يؤسفني أن أقول إنّه لم يتمّ فعل أي شيء"، منتقداً تقاعس الحكومة البريطانيّة عن الضّغط على المنامة بشأن قضية السنكيس. وقال إنّ العلاقة بين المنامة ولندن "تسير كالمعتاد، لأنّ انتهاكات حقوق الإنسان ليست أهم من الصّفقة التّجاريّة".
بدورها، شددت النّائب باتريسيا جيبسون على أنّ "أولئك الذين ينتقدون النّظام في البحرين يتعرّضون لمعاملة قاسية". وأضافت أنَّ هناك الكثير من التّقارير التي تتحدّث عن الاغتصاب والتّعذيب الصّدمات الكهربائيّة لمعتقلين، بعضهم من الأحداث، وتابعت: "هذه هي القصّة القبيحة التي يعيشها البحرينيون في ظلّ النّظام الحالي".
النّائب العمالي، بامبوس شارالامبوس، قال: "الصّديق الحقيقي لا يلتزم الصّمت عندما يتمّ اتخاذ المسار الخاطئ"، داعياً حكومته إلى الدفاع عن الحقّ والمساعدة على الإفراج عن السّجناء السّياسيين المعتقلين في البحرين.
من جانبه، ذكر النّائب جيريمي كوربين أنّ إنكار البحرين وجود معتقلين سُجنوا لأسباب سياسيّة يؤكّد خطورة الوضع الحقوقي في البلاد، وهي أزمة متجذّرة، كاشفاً أنّه التقى في العام 1996 في كوبنهاغن مجموعة من المعارضين الذين أخبروه عمّا يواجهونه في البحرين، وقال: "تمنّيت وقتها أن تضع حكومتنا الشّأن الحقوقي وسائر الحريّات في البحرين في مقدّمة أولويّاتها قبل أي دعم وتدريب عسكري للمنامة. بينما تتواصل المحاكمات الجماعيّة، تمّ الحكم على 166 شخصاً في العام 2019، من بينهم 26 حُكم عليهم تعسفاً بالإعدام، بناءً على اعترافات انتزعت تحت وطأة التّعذيب". وقال إنّه مستعد لتقديم لائحة بأسماء معتقلين، بناءً على طلب سفارة البحرين، لأنّ هؤلاء يجب أن يكونوا خارج السّجن، بحسب رأيه.
النّائب الدّيمقراطي الليبرالي اليستير كارمايكل طالب بإخضاع وزير الداخليّة البحريني راشد بن عبد الله آل خليفة لعقوبات "ماغنيتسكي"، لدوره في "الانتهاكات المروّعة لحقوق الإنسان وثقافة الإفلات من العقاب".
قانون "ماغنيتسكي" الدّولي للمساءلة في حقوق الإنسان يُلزم بفرض عقوبات على أيّ شخص يعتبر مسؤولاً عن انتهاكات خطرة، مثل الاحتجاز لمدّة طويلة من دون محاكمة، أو قتل شخص خارج نطاق القضاء، أو التعذيب، أو تنفيذ انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً.
وبينما انتقد النّواب نهج حكومة المملكة المتحدة، دافع وزير الخارجيّة لشؤون الشّرق الأوسط، جيمس كليفرلي، عن ذلك، واصفاً البحرين بأنّها "شريك وصديق مُهم" يتعاون في مجال الأمن ومجالات أخرى. وعندما سُئل عن مدى فعاليّة الاستثمار في البحرين، أجاب بأنّ من الأفضل للمملكة المتحدة التّعامل مع حليفها القديم بدلاً من انتقاده، مضيفاً أنّ المنامة نفّذت إصلاحات، بما في ذلك "العقوبات البديلة ومحاكمة أو تأديب أكثر من 90 من أفراد الأمن من قبل هيئات رقابيّة تدعمها المملكة المتحدة".
النّائب أوهارا ردّ عليه قائلاً إنّه يشعر بخيبة أمل عميقة، لأنّ كليفرلي لم يذكر أسماء السّجناء السّياسيين. كذلك، نفى النّائب عن حزب المحافظين، بوب ستيوارت، والذي زار البحرين في تشرين الثاني/نوفمبر، في رحلة استغرقت 5 أيام مقابل 5349 جنيهاً إسترلينياً دفعتها له وزارة الخارجيّة البحرينيّة، وجود سجناء سياسيين في المملكة. وقال ستيوارت: "وفقاً لدستور البحرين، فإن حريّة الرأي والتّعبير مكفولة صراحة، ولا يمكن مقاضاة أي شخص على مثل هذه الأنشطة".
وقد كشف مقال نُشر في 12 كانون الثاني/يناير 2022، في موقع "ميدل إيست آي"، أنّ وزارة الخارجيّة البحرينيّة خصّصت أكثر من 20 ألف جنيه إسترليني (حوالى 30 ألف دولار) لجلب 4 نواب بريطانيين من حزب المحافظين (توبياس إلوود وبوب سيلي وروستون سميث وبوب ستيوارت) إلى حوار المنامة في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بدلاً عن تكاليف الرّحلات الجويّة والإقامة والوجبات.
وعلى هامش القمّة الأمنيّة في المنامة، التقى النّواب كبار المسؤولين، بمن فيهم وزير الدّاخليّة راشد بن عبد الله آل خليفة. وقد سعى موقع "ميدل إيست آي" للحصول على تعليق من سفارة البحرين في لندن، لكنّه لم يتلقَّ رداً حتى وقت نشر المقال المذكور.
في غضون ذلك، وفي اليوم نفسه، كشفت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السّنوي القمع الشّديد الذي تمارسه المنامة وتدهور أوضاع السجون، إذ توفي 3 محتجزين في العام 2021. وتحدّثت المنظمة عن وجود 26 سجين رأي معرضين لخطر الإعدام الوشيك. كما اتهم التّقرير المنامة بالتّقاعس عن محاسبة المسؤولين عن التّعذيب وسوء المعاملة، بينما انتقد آليات الرّقابة لعدم استقلاليتها عن الحكومة.
وتشير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن الشرطة قامت بضرب أطفال تمّ اعتقالهم في قضايا تتعلّق بالاحتجاج وهدّدتهم بالاغتصاب، في الفترة التي سبقت الذكرى العاشرة لحراك البحرين الشعبي. علاوة على ذلك، يشير التّقرير إلى أنّ المنامة لم تستجب لطلبات الزّيارة المتعدّدة من مقرّري الأمم المتحدة، والتي تعود إلى العام 2012.
يُذكر أنّ اجتماع مجلس العموم البريطاني عُقد في القاعة الرئيسية، وليس في الملحقات، نظراً إلى خطورة وضع السنكيس الصّحي، إذ لم يعد بمقدوره التّنفس بسهولة، ولكن حكومة البحرين ما زالت تتعنّت وتتجاهل الدّعوات الدّولية لإطلاق سراحه وإيلائه العناية الطبيّة الكافية.
النّواب المشاركون استندوا إلى تقارير موثوقة، بينما أشاد جيمس كليفري بحرية المعتقد والتّعايش في البحرين، منكراً وجود أيّ معتقل سياسي، وهو يعبّر عن موقف الدبلوماسيّة البريطانيّة الاستعماريّة التي تتجاهل الانتهاكات الصارخة في البحرين، وتتعدّى على كل القيم الإنسانيّة، كما أكّد النّائب جيرمي كوبرن، الذي سأل: "ألم يحن الوقت لوضع حقوق الإنسان كأولويّة للسياسة الخارجيّة البريطانيّة ذات المعايير المزدوجة؟".
بحسب الجلسة، لم يعد من مصلحة بريطانيا أن تنحاز إلى مصلحة نظام عائلة يواجه شعباً أعزل، وتمارس بحقّه أبشع أشكال القمع. وقد فشلت شركات العلاقات العامّة والحملات الإعلاميّة الضخمة وأبواقها المأجورة في التغطية على الانتهاكات.
صمود البحرينيين لن يضعف، وصوت الحقيقة لا يمكن كمّه. يكاد لا يمرّ يوم إلا ويخرج هؤلاء إلى الشّوارع، مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم، رغم التّهديدات والقمع وحالات الاستدعاء والاعتقال المتكرّرة، معلنين رفضهم قانون العقوبات البديلة، ومتمسكين بالحلّ الجذري العادل. وفي الخارج، يتنقل النّشطاء المنفيون قسراً بين البرلمانات الأوروبيّة والكونغرس الأميركي لتفعيل قانون "ماغنيتسكي"، بهدف معاقبة المتورّطين بالانتهاكات في البحرين في محاكم دوليّة.