عفرين .. تغيير الواقع الديمغرافي و الإثني
منذ أن قررت تركية التدخل العسكري بشكل مباشر في الأزمة السورية ( 24 آب 2016 ) كانت حقيقة المشروع التركي واضح بالنسبة لنا، و توضحت الصورة أكثر و أكثر خلال الحرب على عفرين و لاحقا احتلالها. المشروع التركي ليس حرباً على حزب أو خطوة استباقية لحماية الأمن التركي، بل هي حرب جغرافية و ديمغرافية و إثنية في إطار مشروع توسعي ( العثمانية الجديدة ). هي حرب رفعت شعارا تعرفه شعوب المنطقة جيدا ، و تحديدا الشعب الفلسطيني ( أرض بلا شعب و شعب بلا أرض ).
فمن عملية استلام و تسليم واضحة في جرابلس 24 آب 2016 بين الجيش التركي و داعش وصولا إلى حرب على عفرين بدأت في 20 يناير كانون الثاني 2018 ، وقتئذ قامت الطائرات و المدفعية التركية بعملية استهداف ممنهج لمقومات الحياة في عفرين ( محطات المياه - الأفران - محطات الاتصالات - )
لتكتمل اللوحة و على طريقة العصابات الغازية عبر استباحة عفرين ( سرقة - سلب- نهب - خطف) لمدة ثلاثة أيام إثر احتلالها 18 آذار 2018، في عملية باتت تعرف بغزوة الجراد، استباحة عفرين كانت الخطوة الأولى بعد احتلالها لتتبعها خطوات أخرى لجأت إليها الحكومة التركية و عملائها من الجماعات المسلحة ضمن خطة ممنهجة " التغيير الديمغرافي " متبعة سياسة إفقار المدنيين الكرد ( ممن تشبثوا بأرضهم ) و من تلك الخطوات
1- استعانة الاستخبارات التركية بالوشاة المغرضين لكتابة تقارير ملفقة بحق المدنيين ، ليصار لاحقا إلى ابتزازهم و فرض مبالغ طائلة لإخفاء التقرير أو لطيه مؤقتا .
2- خطف الميسورين و أصحاب المحال و المعامل و المعاصر و الورش و العقارات و الأراضي و إطلاق سراحهم مقابل فدية مالية كبيرة .
3- مصادرة المنازل و المحال و العقارات و الأراضي .
4- فرض ضرائب على المالكين و الصناعيين و التجار بحجة الحماية .
5- قطع أشجار الزيتون و بيعها كحطب في أسواق تركيا و ادلب .
6- منع إرسال زيت الزيتون إلى مناطق سيطرة الدولة السورية ، و احتكار شراء الزيت من قبل فصائل و تجار محسوبين على أنقرة و إجبار أصحاب الأراضي على بيع الزيت بأسعار مخفضة ليصار لاحقا إلى تصدير الزيت لعفريني عبر تركيا إلى دول الخليج و أوربة.
7- التفجيرات المتنقلة و التي و يا للمصادفة جل ضحاياها من الكرد ( تفجير سوق الهال على سبيل المثال ) .
8- إشراف وزارة التربية التركية على العملية التعليمية في عفرين .
9- التضييق على الكرد العلويين و الإيزيديين .
10 - الظهور العلني لمؤسسة ديانات ( رئاسة الشؤون الدينية في تركيا ) في عفرين و عموم ريف حلب ( من جرابلس شرقا مرورا بالراعي و الباب و اعزاز و عفرين وصولا إلى ريف حلب الغربي فادلب )
و مؤسسة ديانات و التي تعتبر أحد أهم الأذرع التي يستند إليها الرئيس التركي أردوغان في إطار تجنيد المسلمين من شتى أصقاع العالم كأدوات داعمة لمشروعه العثمانية الجديدة مختبئا خلف شعار النهضة الإسلامية .
كل هذه الانتهاكات تجري في عفرين ليس فقط وسط صمت دولي بل تعداه إلى مشاركة دولية في أقذر عملية تغيير ديمغرافي تجري في عفرين،
فلو أخذنا على سبيل المثال الموقف الأمريكي، فبينما يصرح الرئيس الأمريكي ترامب أنه يحب الأكراد، نرى واشنطن ضالعة بعملية التغيير الديمغرافي في عفرين التي كان غالبية سكانها من الكرد السوريين ، وأبناؤها كانوا يحاربون داعش في الشرق ، و من أبرز الفصائل التي تنفذ و تقود هذه الحملة : جيش الإسلام ( عصام بويضاني ) و فيلق الرحمن ( عبد الناصر شمير ) ، اللذان يعملان تحت مظلة لواء المعتصم ( معتصم عباس ) المدعوم بشكل مباشر من البنتاغون الأمريكي .
ليثبت مرة أخرى أن النفاق الأمريكي يتجاوز التوقعات ومن يصدق كلامهم ويطبل له تجاوز غباؤه كل المقاييس ووصل لحد الخيانة .
ما يفعله الرئيس التركي في عفرين هو نسخة عما فعله أجداده في حلب قبل حوالي الخمسمئة عام، و نسخة عما فعله حلفاؤه الصهاينة في فلسطين ( و مازالوا ) منذ حوالي السبعين عام .