الإردوغانية: الأيديولوجية الهشة.. وسياسة الأوهام
ربما ما صرح به إردوغان في بداية الحرب على سوريا (أيلول/سبتمبر 2011) بالقول "سنصلي في مسجد الأمويين" هو بداية هذا التناقض الفج، لقد ظن وقتها انه الفاتح الجديد لبلاد الشام!!
أكيد ومؤكد أن التصريحات المتناقضة للساسة الاتراك وعلى رأسهم إردوغان حول سوريا هي من حقائق الواقع وليست من التحاليل السياسية، بل إن المتتبع لها يصاب بالدهشة مما هي عليه من رؤى متضاربة بين المواقف والمبادئ ولأطراف عدة.
ربما ما صرح به إردوغان في بداية الحرب على سوريا (أيلول/سبتمبر 2011) بالقول "سنصلي في مسجد الأمويين" هو بداية هذا التناقض الفج، لقد ظن وقتها انه الفاتح الجديد لبلاد الشام!! وأنه الخليفة المرتقب للعالم الاسلامي تحت غطاء الربيع الدموي ثم انطلق في تصريحات متتالية هي اشبه ما تكون بأصوات التائهين بين أمواج عاتية، أحيانا يقول انه يحارب الارهاب وهو يأويه ويحميه ويمده بالسلاح، وأحيانا هو ضد الاكراد لانهم ارهابيون من وجهة نظره، ونصف شعبه منهم بل وغير منصف حتى فيما يدعو اليه من الإسلام "الديمقراطي"!! ضد المسلمين، انه يرسل سفنا محملة بالسلاح الى ليبيا والمقصود من وراء ليبيا جيرانها.
تقول صحيفة "المصدر" الليبية، إن جمارك ميناء الخمس، ضبطت سفينة تركية محملة بالأسلحة مؤخراً، وهو ما أكدته مصلحة الجمارك. وتبين من خلال تفتيش الحمولة وجود حاويتين بحجم 40 قدم مكعبة محملتين بأطنان من الأسلحة والذخائر، لكن مهما حملت تلك المتناقضات هي التأكيد سوف ترسو كلها في خانة واحدة أنها خانة الإرهاب الممارس ضد الدول.. وأن ألاعيب الصغار مآلها الفشل.. في كلمة للمفكر الفرنسي"أندري مارلو" يقول "صغير القطط يلعب وكبيرها يتأمل" ويضيف "الدائم لا يبنى على الخطأ".. وكبيرها اليوم هوالروسي ومعه الصيني وصغيرها هو إردوغان ومن لحق به من الأدوات الاخرى، وبالتالي يمكن إسقاطها وبكل بساطة على واقع "الإردوغانية "ومن خلفها أدوات أميركا في المنطقة، وبالتالي يخطئ كثيراً، أولئك الذين يظنون أنهم أوصياء على التاريخ السني وهم يبنون ما يؤمنون به بواسطة المفرقعات أوبالحشود البشرية التي تشبه المتاحف..
يخطئ أيضاً من يظن أنه القادر المقتدر على توجيه لوحة التاريخ صوب منعرجات الفكر القائم على مبدأ التوصيف للأشياء بمنظار الزعامة الفردية والرأي الأحادي..إن حاكم تركيا يعيش اليوم حتماً بقايا الماضي ولكن برؤى رمادية وغير قادرة على توضيح الأشياء في واقعنا المليء بالمتغيرات..
قد تكون التبعية الحضارية للغرب منشأ هذا الإعياء وقد تكون مرجعية الالتصاق بالكرسي للحاكم حتى الموت هي مكونات رؤى الحاكم الذي لا يعيش في وجدان الأمة ولا يعمر في ضميرها، حاكم أخلد ظهره للفراغ واستحب التيمم بدل الوضوء مع وجود الماء، لقد كان "ديغول" يفكر بمنطق الزعيم وكان يقول "أنا فرنسا الأمة" ولكن بمجرد مظاهرة صاخبة قادها طالب يهودي اسمه "كوهين - إن لم تخني الذاكرة - ثم لحق به في بث الفوضى بالشانزليزيه "جان بول سارتر" ترك الرئاسة والزعامة وسكن مساكن قريته إلى أن مات هناك، ولكنه ظل زعيما بوجدانه حتى وهو يكتب مذكراته عن أخرها.
هكذا يبدو جلياً الزعيم الحقيقي، لكن الطيب إردوغان لا يعتبر بالتاريخ ومحطاته المفصلية ولا حتى بالرياح العاتية التي تحوم حوله وهي كثيرة وربما ستكون دامية، وانه بالتالي يحاول من غير تبرير واقعي تصفيف التاريخ العثماني وتعميمه من جديد في لحظات هي الاسوأ في تاريخه..
حاول قصم جغرافية سوريا والعراق وجعل اجزاء منهما ضمن دائرة حكمه بناء على أوهام الماضي فسقط في أزمات متعددة الاطراف ومتشابكة حتى مع التاريخ الذي يؤمن به ويحاول اسقاطه من جديد وفق منظور سياسة التهديد ولو بالكلمات، ويؤكد الى الآن ان لا مفر من اسقاط الاسد !! ومعه الدولة السورية (قالها أكثر من خمسين مرة) ومرة يحاول اللعب على الكلمات بالنفاق مع روسيا بالقول ظاهرياً على مبدأ تصفير المشاكل في المنطقة وهويؤججها اما بتصريحات المتناقضة المرة تلو الاخرى وكانه في مسرح الاحداث واما بلا وعي بمرتكزاتها وبالناتج منها على ارض الواقع..
لقد كان سباقاً في تبني"الربيع العربي" ومن دعاته سراً وعلانية وبطرق مأساوية أملاً في أن يضيف لرصيده السياسي خارطة أخرى هي على صفيح ساخن إن لم تكن كرة نار تلعب بها رياح السياسة الدولية إلى عمق داره.
نعم الحلم بذلك حتى آخر مطافه، والخطأ وإن بدا واقعاً أمامه فالهوس السياسي بمفاعيل بلا فعل هوس لا تجدي معه النصيحة ولا التحاليل المنطقية، إنه يشبه القادم على الانتحار أملاً في الخلاص من سوداوية الواقع برؤيته وهو يحفر بالموت ذاته وروحه..
لم يكن إردوغان بإسلامه المتميز بالنفاق السياسي أحياناً وبالخطأ التاريخي أحياناً أخرى سوى بازار للتجارة الخاسرة أو المنتهية تاريخياً، فالإسلام في جوهره ضد أفعاله حتى وإن ادعى التمسك بمظاهره في طقوسه اليومية وهي غلباً مظاهر للعب على اوتار الشاعر الكبرى للدين..
إن المنطق يقول، السلام هو المرتفع الذي يجب أن نصبو إليه لا المنحدر الذي يجب أن نوغل في تشعباته حتى نصل إلى القاع.. فهل وصل إردوغان اليه ليبرهن على انه يحمل مفاتيح السلام لسوريا بقوته العسكرية بالتوافق مع أميركا وهي كما يقول هو، رصيد سياسي بلا جدوى..
يشير في مقال نشرته "نيويورك تايمز" إلى إمكانية تحقيق استراتيجية شاملة لتعزيز السلام في سوريا بقيادة تركيا، معتبراً أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها العمل مع كل من أميركا وروسيا لإنجاز هذه المهمة".. والاسوأ من هذا كله محاولاته تمرير جنسية وهوية تركيا على سكان الشمال السوري، يؤكد موقع "زمان" التركي المعارض أن شرطة بلدية قهرمان مرعش أجرت دوريات رقابية على هذه المحال على خلفية تزايد المحال التجارية التي تحمل لافتات باللغة العربية بمركز المدينة.
وكان الأجدر به لو كانت نيته صادقة ان يقول العمل مع سوريا لأنها بيت القصيد والمعنية بتطهير اراضيها من بقايا الارهابيين الذين آواهم اردوغان ووفر لهم الملجأ الآمن مند بداية الحرب على سوريا!! أوليس هو المتبني للنصرة وجماعة الزنكي والجيش الحر؟ اولم تكن أرض تركيا هي مسرح الانطلاق الى الداخل السوري وتدميرها بها من بشر، وحجر، وشجر، بناء على وعود أميركية واسرائيلية أعطيت له في بداية الثورة كي تكون القسمة ضيزى بينهم على حساب سوريا والعراق وغيرهما فيما عرف بالشرق الجديد؟
يبدو هذا جلياً من رحلته مع انطلاق شرارة "الربيع الأسود" في زيارة الى الصومال فمصر والمغرب وتونس وليبيا، الم يكن يريد منها القول باني زعيمكم وان الخلافة العثمانية قادمة فاتبعوني أهدكم سبيل الرشاد..(كما جاء على لسان فرعون) وتأتي جولة إردوغان (سبتمبر أيلول 2011 ) في إطار مساعي تركيا لتعزيز دورها في المنطقة في ظل الانتفاضات التي شهدتها بعض دول الشرق الأوسط..
لكن ما ميز هذه الرحلة انه لم يتمكن من زيارة الجزائر، لان الجزائر تعرف مواقفه وترفض مثل هذه الاضطرابات بحكم تاريخها الجهادي ومواقفها الثابتة.. ان اعادة ترصيف التاريخ وفق منظور الفوقية السياسية، والاهواء لا تجدي نفعاً، وان الجغرافية لا تلعب بها الرياح حالما ظل استيقاظ الفعل البشري فوقها لما هو الى غيرها ينتسب، فلا مجال لقطف عنقود سياسي طالما نضج في جغرافيا تحرسها الأسود، وأسود جيش سوريا اقوى من أي غطرسة إردوغانية، والإردوغانية اصلاً هي في محيطها الداخلي فاشلة بدليل التصفيات السياسية التي تطال يومياً المئات من الاشخاص لسبب بسيط هو ان لأصحابها راي مخالف لها ولمشغليها بل ان الاكراد في تركيا زعماؤهم تعج بهم سجون تركيا وعلى راسهم صلاح الدين دميرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي المعتقل مند 2016.
فهل من السياسة اتهام الاسد بالديكتاتورية وإردوغان محييها حتى وان ادعى غير ذلك؟ وبتعبير روبرت دي نيرو "يمكّنهم من ارتداء قناع مختلف يخفون تحته القيم السيئة ذاتها، فيحدثون ضرراً أكبر كطغاة".. ثم هل من الديمقراطية التي يتبجح بها فيخطبه يومياً سجن اكثر من200 الف شخص بينهم اطباء وضبط كبار وأساتذة جامعيين.. بدعوى انتمائهم الى حركة فتح الله غولن اليس من غير المنطق عدم الاعتراف بالاختلاف والاختلاف رحمة كما يقول علماء الاسلام الحق؟