حركة النهضة وخلفيّات بيانها بشأن سوريا
في بيان لم تعرف بعد دواعي إصداره في هذا الوقت، دعا حزب حركة النهضة التونسي إلى مصالحة وطنية شاملة في سوريا.
وجاء في البيان بخصوص (مصالحة وطنية شاملة يستعيد فيها الشعب السوري حقه في أرضه وفي حياة ديمقراطية، وتضع حداً للتقاتل وما نتج منه من مآسٍ إنسانية، وتعيد إلى سوريا مكانتها الطبيعية في المنظمات الدولية والعربية).
ولئن عُدّ البيان مفاجئاً للبعض، فإن مضمونه بما حواه، لا يعدّ مفاجأة، ذلك أنّ ما جاء فيه، لم يكن يتضمن تغييراً في موقف الحركة المبدئي، الذي يتّفق تماماً مع الموقف العام لحركة الإخوان العالمية، التي يُنظر إلى حركة النهضة على أنها جزء منها، باعتبار أن حركة الإخوان السورية، شاركت بصورة عملية في الأعمال الإرهابية، بمختلف مناطق سوريا، وكان لها دور خفيّ في الإعداد لها قبل الأحداث وأثناءها وحتى اليوم.
وحتى لا يؤوّل البيان على حسب تصوّر من رأى فيه تغيّراً لموقفها، صرّح القيادي في الحركة والنائب في مجلس نواب الشعب السيد عبد اللطيف المكي بأن موقف حزبه لم يتغيّر وبقي على ما هو عليه. داعماً مطامح الديمقراطية والثورة السلمية للشعب السوري - بحسب قوله - مبيّناً أنّ الذين يتّهمون حركة النهضة بأنها داعمة للعنف في الأزمة السورية، هم من أوّلوا بيان الحركة، على أساس أنه تحوّل استراتيجي في موقفها... وختم بالقول: الآن عندما برزت تطورات جديدة تسير بالأزمة السورية إلى الحوار، النهضة ذكّرت بموقفها ودعت إلى المصالحة السورية الشاملة. (حقائق أون لاين 4/1/2019).
وذهاب السيد عبد اللطيف المكي، الى اعتبار أن سياسة حركة النهضة الخارجية، تقف إلى جانب مطامح الشعب السوري في الديمقراطية، والثورات السلمية في الوطن العربي، مستحضراً معارضة الحركة، في مؤتمر ما سمّي أصدقاء سوريا، تسليح المعارضة السورية، وهو موقف أثار غضب المشاركين من المعارضة.
التطوّرات الجديدة التي أشار اليها القيادي في حركة النهضة، والتي نسبها إلى الحوار، ليست جديدة في واقع الأمر. ذلك أنّ مؤتمرات الحوار السوري برعاية الأمم المتحدة (مؤتمرات جنيف/ أستانا) بدأت لم تؤدِّ إلى شيء تقريباً، وظهر فيها النظام السوري الأقدر على تقديم الحلول سياسياً - أمام ارتباك واختلاف الجانب المقابل له من المعارضة، التي تبيّن عدم امتلاكها قرارها السياسي- والأقوى على محاربة الإرهاب التكفيري الغازي لبلاده (تركيا/ الأردن)، من أول يوم بدأت فيه العمليات العسكرية، والجيش السوري لم يخرج حينها من ثكنه وقواعده.
فإن كان السيد عبد اللطيف مكي يقصد بالتطورات قرارات دول الخليج مثل الإمارات والبحرين ومن سيتبعهما كالكويت والسعودية بإعادة بعثاتها وتشغيل سفاراتها في العاصمة السورية دمشق، فذلك لا يستدعي أن تُصدر بشأنه حركة النهضة بياناً، لأنه لا يعنيها بحال من الأحول، وهي لا تخرج عن أمرين: إما أن تكون مناورة سياسية، ومحاولة أخيرة لإبقاء خيط مودّة يربط من جديد، الأنظمة التي دعمت الفصائل الإرهابية المسلحة، في مسعى منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من علاقة، أو أنها خضوع للأمر الواقع الذي أصبح عليه الوضع الميداني في سوريا.
السيد المكي وحركة النهضة تناسيا، أنّ في صلب الحكومة السورية وزارة، اسمها وزارة المصالحة (تأسست سنة 2012)، استطاعت جهودها أن تعيد إلى حضن الوطن، معظم من غرّر بهم الغرب وعملاء الصهيونية، وأسهمت في حقن دماء كثيرة، كانت ستذهب هدراً لولا تلك الجهود الوطنية، فعن أي مصالحة يتحدّث بيان الحركة؟
جدير بالذكر أن الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، قرر في فبراير/شباط 2012، قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وطرد سفيره من تونس، وإغلاق سفارة بلاده في دمشق، بمشاركة وتحريض من حركة النهضة، التي كانت الطرف الأقوى في السلطة آنذاك.
حركة تبييض الوجوه السياسية، التي نشهدها اليوم على مستوى حكومات، انضمّ اليها حزب حركة النهضة، ليعبّر بأسلوبه عن براءته من التهم الموجّهة اليه، في دعم الأعمال المسلحة في سوريا منذ انطلاقها، وينطبق هذا تماماً على الدّول التي موّلت الفصائل المسلحة بالمال والعتاد، وتريد أن تمسح ما طبع ملامحها، من نقض لميثاق جامعة الدول العربية، وغدر بأصول الأخوّة وحسن الجوار العربي.
وتبدو حركة النهضة المعرقل الوحيد، لعودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، ليس من حيث المبدأ فقط، وإنما أيضاً لاعتبار مهمّ آخر، يتلخّص في أن عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلدين، سوف تفتح ملفّاً شائكاً وثقيلاً، في دعم الإرهاب من طرف شخصيات بارزة في الحركة، ستكون تحت طائلة المساءلة والمحاكمة، إذا ثبت تورطها في الإشراف على شبكات تسفير الشباب التونسي، للقتال في سوريا، عبر وسائط وهميّة، كجمعيات خيرية، أو نحوها من الجمعيات التي عملت سنوات 2011 و2012 و2013.
وأتذكّر جيّداً في مؤتمر نظمته الكلية الزيتونية سنة 2012، وحضره الدكتور يوسف القرضاوي إلى جانب رئيس حركة النهضة، وكنت من بين الحضور، الكلمة التي ألقاها الشيخ راشد الغنوشي، والتي عبّر فيها عن موقف لم يكن نابعاً من الشعب السوري، قائلاً إن الشعوب العربية التي ثارت على حكامها، كانت تنادي بإسقاطهم فقط، بينما نادى الشعب السوري بإعدام الرئيس.
وكنت حاضراً أيضاً أثناء اندلاع الأزمة في ريف دمشق، فلم أسمع بمقالة الشيخ أبداً، بل إنّ كل ما سمعته لم يكن ليرقى الى إسقاط النظام، وأنا كنت متابعاً لما يجري في درعا، عبر قناة الفتنة القطرية (الجزيرة)، واستمعت إلى شاهد عيان منها قال بالحرف الواحد: ( أنقذونا من حزب الله والحرس الثوري الايراني)، والحال أنه لا وجود لأحد من هؤلاء، بل إنه لا وجود للجيش السوري في بداية الأحداث، وهذا يؤكّد أن التحريض بالكذب، كان أسلوباً دعائياً خبيثاً، مخادعة للشعب السوري، المتعايش بمختلف طوائفه في أمن وأمان، في محاولة لإثارته طائفياً، وهذا ما حدث فعلاً.
التنصّل من تبعات الأعمال والمواقف بدأت وتيرته تتصاعد، وما خفي بالأمس القريب، سيظهر حتماً في المقبل من الأيام، على ضوء جدارة النظام السوري في القيادة، وانتصار جيشه وروافده، وتراجع دول كبرى ساهمت في إطالة أزمته، وكانت تصر على رحيله، عن مواقفها، وهي لم تجد اليوم بدّاً من الإقرار ببقائه، وفي مقدمتها أميركا ودول الغرب، والأيام حبلى بالأحداث.