ثورة يوليو في ذِكراها
حقَّقت الثورة الاجتماعية قَدْراً من العدالة الاجتماعية من خلال قوانين الإصلاح الزراعي التي يعتبرها البعض العصر الذهبي للفلاح المصري، كذلك مجانيّة التعليم وجعله مُتاحاً للجميع. كما أحدثت نهضة صناعية (مصانع الحديد والصلب في حلوان) وغيرها.
جمال عبد الناصر هو الزعيم الأبرز لهذه الحركة التي قادتها مجموعة من الضبّاط الصِغار في الجيش المصري عام 1952م . فيتحدَّث عبد الناصر عن فكرة التحرّر من الاستعمار الإنكليزي وعن حُلمه في أن يحكم مصر أبناء مصر وتتحقّق العدالة، فيذكر ذلك في كتابه "فلسفة الثورة" فيقول عبد الناصر "إن ثورة 23 يوليو قامت لتحقيق الأمل الذي راوَدَ شعب مصر منذ بدأ في العصر الحديث، يفكّر في أن يكون حُكمه بأيدي أبنائه وفي أن تكون الكلمة العُليا له في تحديد مصيره. ويسرد محاولات الشعب المصري للتحرّر.
قام الشعب المصري بمُحاولةٍ لم تُحقِّق له الأمل الذي تمنّاه يوم تزعَّم السيّد عمر مكرم حركة تنصيب محمَّد علي والياً على مصر بإسم شعبها في عام 1805، وكذلك لم تُحقِّق الثورة العُرابية وثورة 1919 الأمل نفسه وهو حرية مصر من الاستعمار وأن يحكُم مصر أبناء مصر. ويقول عبد الناصر إنه ليس صحيحاً أن ثورة 23 يوليو قامت بسبب النتائج التي أسفرت عنها حرب فلسطين 1948م، وليس صحيحاً أنها قامت بسبب الأسلحة الفاسِدة التي راحَ ضحيتها جنود وضبّاط، وكذلك أبعد عن الصحّة أن تكون بسبب أزمة انتخابات نادي ضبّاط الجيش. ويقول لو كانت هذه هي الأسباب لما كان يستحق أن تقوم ثورة، ولكن أقرب الأشياء إلى ذلك مُجرّد تمرّد. ويقول كنا نُحارِب في حرب فلسطين ولكن كانت أحلامنا كلها في مصر. ويقول عبد الناصر: في فلسطين كانت خلايا الضبّاط الأحرار تدرس وتبحث وتجتمع في الخنادِق والمراكِز فاجتمعتُ مع صلاح سالم وزكريا محيي الدين وكمال الدين حسين، وقال له الأخير ذات مرّة إن البطل أحمد عبد العزيز1907- 1948 قال له قبل استشهاده "إن ميدان الجهاد الأكبر هو في مصر". ويقول إنه شعر بالحَسرة من سيطرة الاستعمار البريطاني على مصر والذي ظهر في حادث 4 فبراير 1942م، حادث مُحاصَرة الدبابات الإنكليزية لقصر عابدين وإجبار رئيس حزب الوفد مصطفي باشا النحاس على تشكيل الحكومة، وهذا الحدَث كما يقول عبد الناصر حرَّك في نفوس ضبّاط الجيش التضحية والاستعداد لبَذْلِ النفوس في سبيل الكرامة. فهل كان على الجيش أن يفعل شيئاً؟ يسأل عبد الناصر، "وهل كان يجب أن نقوم نحن الجيش بالذي قمنا به في 23 يوليو؟" الجواب نعم ولم يكن هناك مهرب أو مفرّ؟، ويقول إن لكل شعبٍ من شعوب الأرض ثورتين ثورة سياسية يستردّ فيها حقّه في حُكم نفسه بنفسه من يد طاغية فُرِضَ عليه أو من جيشٍ مُعتدٍ أقام في أرضه من دون رضاه ، وثورة اجتماعية تتصارع فيها طبقاته ثم يستقرّ الأمر فيها على ما يُحقِّق العدالة لأبناء الوطن الواحد، وثورتنا عاشت الثورتين في وقتٍ واحدٍ. ويقول إن ثورتنا الاجتماعية كان لابدّ من أن تغضب مَن يعمل لغير صالح الوطن، فقد أغضبنا كبار مُلاّك الأراضي هل كان يمكن ألا نغضبهم وهم يمتلكون عشرات الآلاف من الأفدنة وفينا مَن لا يمتلك قطعة أرض يُدفَن فيها بعد موته؟ وأغضبنا الساسة القدماء ولكن هل كان يمكن ألا نغضبهم ونترك الوطن فريسة لشهواتهم وفسادهم وصراعهم على مغانِم الحُكم. أغضبنا عدداً كبيراً من الموظفين فهل كان من الممكن أن نعطى أكثر من نصف الميزانية مرتّبات ولا نوفّر أموالاً للمشروعات الإنتاجية".
وحقَّقت ثورة 23 يوليو بقيادة عبد الناصر العديد من الإنجازات أولها استقلال مصر من الاستعمار البريطاني (من دون السودان وغزّة)، بمفاوضاتٍ شاقةٍ مع إنكلترا للجلاء عن مصر وكلّلت باتفاقية الجلاء في التاسع عشر من أكتوبر 1954، وتمّت آخر مرحلة منه وانسحاب آخر جندي بريطاني في الثامن عشر من يونيه 1956. حقَّقت الثورة الاجتماعية قَدْراً من العدالة الاجتماعية من خلال قوانين الإصلاح الزراعي التي يعتبرها البعض العصر الذهبي للفلاح المصري، كذلك مجانيّة التعليم وجعله مُتاحاً للجميع. كما أحدثت نهضة صناعية (مصانع الحديد والصلب في حلوان) وغيرها. كذلك بُنيَ السدّ العالي من أعظم المشروعات في مصر في تاريخها المُعاصِر، وكذلك أمّم شركة قناة السويس. وإن كان قد هُزِمَ في حروبه المختلفة وخاصة النكسة 1967 م إلا أنه لم يستسلم بل قاوَمَ حتى آخر لحظة في حياته. ففلسفة ثورة يوليو كما رآها عبد الناصر هي التحرّر من الاستعمار وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق الريادة لمصرعربياً وإفريقياً وإسلامياً. ولكن تبقى عدّة أسئلة: لماذا تدهور الاقتصاد المصري بعد 1952 عن قبله؟ خاصة قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنية ؟ في الوقت الذي يذكر فيه معارضو عبدالناصر أنه أفقر مصر وكان دكتاتوراً ظالِماً.