السياسة وهروب الأميرة
مما لا شك فيه أن الأميرة المُثقفة صاحبة المقام الرفيع هي صندوق أسود لخبايا السياسة الإماراتية، وفي حال طلاقها ممكن أن تكشف عن العديد من الأسرار السياسية
كَثُرَ الكلام في الإعلام الغربي وقنواته باللغة العربية خاصة "بي بي سي – عربي" عن قصة هروب الأميرة هيا بنت الحسين، المشكلة ليست في الخلافات الزوجية بينها وبين زوجها الشيخ محمّد بن راشد بن مكتوم والتي تحدث كثيراً، لكن المشكلة تكمُن في التوظيف السياسي لكونها زوجة أمير ولديها معلومات عن مطبخ السياسة الإمارتية، خاصة لو صحّ ما نشرته الأميرة على صفحتها على موقع تويتر أن زوجها كان يقود انقلاباً ضد أخيها عبد الله الثاني العاهِل الأردني.
ورغم هروب الأميرة في مُنتصف الشهر الماضي ورغم محاولات لإخفاء الحدَث، فقد كشفت وسائل الإعلام العالمية معالِم قصة مُذهِلة، بالمقاييس الاجتماعية والسياسية العربية والعالمية، لـ«هروب» الأميرة هيا إبنة الملك الأردني الراحِل حسين، وزوجة حاكِم دبي، الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، من الإمارات، الشهر الماضي، ووصولها إلى ألمانيا ثم بريطانيا، مع إبنيها، الجليلة (11 سنة) وزايد (7 سنوات)، وقيل أنها بدأت إجراءات الطلاق. فقد ذكرت صحيفة التليغراف البريطانية إن الأميرة هيا بنت الحسين، زوجة حاكم دبي محمّد بن راشد آل مكتوم، من المُرجَّح أن ترفع دعوى قضائية على زوجها في المحكمة العليا للأسرة في بريطانيا. ورجَّحت الصحيفة أن الأميرة، شقيقة العاهل الأردني الملك عبد الله بن حسين، غادرت دبي إلى منزلها في كنسنغتون بالاس غاردنز في لندن لأسبابٍ غير معروفة.
فالأميرة سليلة العائلة الهاشمية الحاكِمة في الأردن، وهي الأخت غير الشقيقة للملك عبد الله الثاني، المُتخرِّجة من أعرق الجامعات البريطانية (أكسفورد)، والحائزة أوسمة في رياضة الفروسية، (أفضل سيّدة في ركوب الخيل) والشيخ الذي يُدير إمارة شديدة الثراء، والمُحبّ للشعر والفنون، صورة لعلاقة زواج فريدة تجمع بين الشهرة والمال والسياسة والرياضة والفن. وكشفت القصيدة التي قالها زوجها الشيخ محمّد عن توتّر العلاقات بينه وبين زوجته، تشير القصيدة المنسوبة إلى الشيخ محمّد حول الحادثة إلى الأثر الشخصيّ القويّ لما حصل، وربما يساهم أسلوب توصيفها للأمر في إضاءة بعض المُلابسات، فبعد كلمات مثل الكذب والتعدّي والإهانة والخيانة، يخلص الشيخ محمّد إلى القول إنه لا يهمّه إن عاشت أو ماتت.
ليست حوادث الهروب من بيوت ملوك وأمراء أمراً نادراً في العالم، غير أن تكرارها بهذه الطريقة من قصور آل مكتوم في دبيّ (محاولة هروب الأميرة لطيفة إبنة الشيخ محمّد العام الماضي) يبعث على التساؤل حقاً، ويكتسي «الهروب» الأخير للأميرة هيا أهمّية استثنائية للتداخُلات السياسية للأشخاص المعنيين، وكذلك للتداعيات الممكنة بين القصور في دبي وأبو ظبي، من جهة، والقصر المَلَكي في عمّان، من جهةٍ أخرى.
بينما كان السؤال لماذا لم تلجأ الأميرة هيا إلى قصر أخيها ملك الأردن، ولماذا لجأت إلى ألمانيا وبريطانيا؟ فكان لجوء الأميرة إلى بلدان عريقة وغنيّة ومُتماسِكة كألمانيا وبريطانيا، رغبة في إبعاد الملك الأردني عبد الله الثاني عن تداعيات القرار الخطير، وهو أصلاً يعاني من علاقاتٍ شائكةٍ وصعبة، وضغوط لا تُخفى عليه، من قِبَل الإمارات والسعودية، ضمن مواضيع «صفقة القرن»، والسيادة الأردنية على القدس والمُقدَّسات الإسلامية في فلسطين، وليس من المُستبعَد حتى أن يكون هروب الأميرة، كما ذكرت بعض المصادر، له علاقة بتلك الضغوط التي تتحسّس منها أجهزة الحُكم في الأردن ويذهب بعضها إلى استشراف أشكال من التآمُر على الحُكم والنظام المَلَكي في الأردن لصالح مَن يُمرِّر الصفقة لصالح مشروع إسرائيل الكبرى.
وتذكر الصحف أن الشيخ محمّد آل مكتوم رفعَ دعوى على زوجته لاستعادة طفليه، ولمُجابهة دعوى الطلاق التي رفعتها الأميرة عليه، ليظهر جانباً عقلانياً ومطلوباً للقضية، عبر قصرها على المُجابهات القضائية، ما يظهر تفهّماً من طرف حاكم دبيّ، على ما يظهر، للمخاطر السياسية والإعلامية التي قد تنجم عن الضغط على دول مثل بريطانيا أو ألمانيا، إضافة إلى تأثيرات ذلك الممكنة على الأردن (وحتى على الإمارات نفسها)، وهو إقرار أن الأساليب التي اتّبعت سابقاً لم يعد من الممكن استخدامها، فالمُجابهة هنا مع إمرأة درست السياسة والاقتصاد وعاشت كإبنة ملك وأخت ملك، ولديها علاقات مع دول وبيوت حاكِمة ومالِكة (بينها العائلة المالِكة البريطانية نفسها). أمر ليس سهلاً.
وعن العلاقات الأردنية الإمارتية يقول مُحلّلون إنها علاقات قوية. فقد نشرت صحيفة البيان الإمارتية في 28 يونيو تقريراً يؤكّد ذلك، وكان للملك عبد الله الثاني زيارة للإمارات، وشهد مع الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، جانباً من التمرين العسكري المشترك. ربما تبادرت لعِلم الصحيفة حادثة هروب الأميرة فنشرت تؤكّد قوّة العلاقات بين الأردن والإمارات العربية.
مما لا شك فيه أن الأميرة المُثقفة صاحبة المقام الرفيع هي صندوق أسود لخبايا السياسة الإماراتية، وفي حال طلاقها ممكن أن تكشف عن العديد من الأسرار السياسية، أيضاً ممكن أن تؤثّر على العلاقات الأردنية الإماراتية، حتى وإن كانت تبدو علاقات طبيعية لا تشوبها توتّرات. وستكشف الأيام القادمة هل قصّة هروب الأميرة هيا بنت الحسين أخذت أكبر من حجمها في الإعلام أم أن التغطيات الإعلامية كان فيها شيء من الحقيقة.