خطة برنارد لويس و بَلقَنة غرب آسيا و إخضاع إيران
لعلَّ برنارد لويس، المؤرِّخ البريطاني- الأميركيّ المُتخصِّص في منطقة الشرقِ الأوسطِ، كانَ له تأثيرٌ هائلٌ في أميرِكا - أفكارُهُ السياسيّةُ طغَتْ على الرؤساءِ وواضِعي السياساتِ ومراكزِ الأبحاثِ، وما زالَتْ. على الرُغمِ من أنّه تُوُفِّيَ العامَ الماضي، لا تزالُ وِجهاتُ نظرِهِ المؤذيةُ تصوغ ُتفكيرَ أميرِكا حولَ إيران. الرجلُ يُعَدُّ البطلَ الفِكرِيَّ لوزيرِ الخارجيّةِ الأميرِكيّ مايك بومبيو الذي يقول: "التقيتُ به مرةً واحدةً فقط، لكنَّنِي قرأتُ الكثيرَ ممَّا كتَبَه. أنا مَدينٌ بقدْرٍ كبيرٍ من فَهْمي للشرقِ الأوسَطِ لعمل لويس".
كانتْ "خُطةُ برنارد لويس"، كما باتَ معروفاً، بمثابة تصميمٍ لتفتيتِ جميعِ بُلدانِ المنطِقة - من غربِ آسيا إلى الهند - وَفقاً للخطوطِ العِرقيَّةِ والطائفيّةِ واللُغَوِيَّةِ أيْ بَلقنَةً جذريةً للمنطِقة. فمنذ مطلع الستينات من القرن الماضي، نشر لويس كتاباً تطرَّق إلى نقاط الضعف المُحتمَلة، وبالتالي الاستخدام المُحتَمل، للاختلافات الدينية والطبقية والعرقية كوسيلةٍ لإنهاء دول الشرق الأوسط. ولعلَّ رالف بيترز الضابطَ المُتقاعِدَ في الجيشِ الأميركيِّ، أردَفَ تلك الخُطةَ بإعدادِ خريطةٍ لكيفيّةِ شَكلِ المنطِقةِ "المُبَلقَنِ". وكانَ لبِنْ غوريون طموحٌ استراتيجِيٌّ مُماثِلٌ للمصالِحِ الإسرائيلية.
إنه لويس ، وليس صموئيل هنتنغتون، الذي صاغَ عبارة "صراع الحضارات" - ما يعني ضمناً أن الإسلام والغرب مُتورِّطان في معركةٍ وجوديةٍ من أجل البقاء.
لذلك وبحسب المُطّلعين الآن، يبدو أن بومبيو الذي يستوحي السياسات المُتعلّقة بمنطقة غرب آسيا ولا سيما إيران من بطله الفكري لويس، جنباً إلى جنب مع مُستشارِ الأمنِ القوميِّ الأميرِكيّ جون بولتون، يحاولان باستخدام وصفة لويس المُتمثّلة في "ضرب إيران بين العينين بعصا العقوبات الكبيرة".
ولفَهْمِ هدفِ مايك بومبِيو وجون بولتون لدَفعِ إيرانَ إلى الزاويةِ، علينا أن نعودَ إلى عقيدةِ سياسةِ ألبرت فولشتيتر عام 1958 من مؤسَّسةِ راند للسياسات المُسيطرة في أميركاِ - أنه لا يوجدُ، ولا يمكنُ أن يكونَ هنالك فَرقٌ ماديٌّ بين التخصيبِ السِلميِّ وتخصيبِ اليورانيوم بهدف الاستحواذ على السلاح النووي. قال فولشتيتر إنَّ العملياتِ لكِلَيهِما مُتطابِقةٌ و مُتماثِلة، وبالتالي لوَقْفِ الانتشارِ، يجبُ ألا يُسمَحَ للدولِ (غيرِ الجديرةِ بالثِقةِ) مثلِ إيران بأيِّ تخصيب: أي لا بَرنامَجَ نووياً على الإطلاق.
أليستر كروك، الدبلوماسيُّ البريطانيُّ السابقُ في الاتحادِ الأوروبيِّ ومؤسِّسُ ومديرُ مُنتدى النِزاعاتِ لماذا برأيِهِ يعتزِمُ بومبِيو وبولتون المُضِيَّ في هذا المشروعِ لخَنْقِ إيران؟ ومَن يدفَعُ هذا المشروعَ ويقفُ وراءَه؟
"إنهم مُتحمّسون جداً لوقف إيران من امتلاك أيّ مشروع نووي في المُطلَق، كما أنهم غيّروا قواعد الحوار لأن الحوار كان يتناول قضايا مُختلفة حول "إسرائيل الكُبرى".
وحول ما يحدث للفلسطينيين والحوار الآن يتمركز حول ماهية القضية الكُبرى. دعيني أشرح، القضية كانت دوماً حول الوصول إلى مرحلة الاختراق النووي. كم من الوقت ستستغرِق إيران لتُخصِّب ما يكفي من اليورانيوم لتقوم بتصنيع السلاح؟
وكان أمام أوباما سنة للتصدِّي للمسألة وقد واجه أوباما خيارين إمّا اللجوء إلى عملٍ عسكري لوقف ذلك أو التوصّل إلى اتفاق. وقد توصَّل إلى اتفاقٍ ينصُّ بوقف العملية والحدّ منها، و جرى ترخيص تخصيب اليورانيوم دولياً على مستوى مُنخفضٍ يساوي 3.67 % وكان ذلك حلاً، ومن ثمّ أبطل ترامب الاتفاق والآن فإن ما يقوله بولتون وبومبيو "لا يجب أن يكون هناك أيّ تخصيب في المُطلَق"، وفعلياً فإن هذا يُعيدنا إلى بدايات المفاوضات مُجدَّداً، ولهذا السبب فإن الناس يتحدَّثون عن عدم اعتقادهم بإمكانية حدوث اتفاق ثانٍ.
هَوَس ترامب حول إيران
في الواقع فإن القضية حول إيران قد شيطنت سياسة ترامب الخارجية. لقد قال ترامب مراراً، ما الهدف من كُل تلك الحروب التي نخوضها في الشرق الأوسط لقد أنفقنا عليها الكثير من المال بينما لم نحصل على شيء في المُقابل كما قال ، وطلب الانسحاب من سوريا ومن أفغانستان لكن الاستثناء لهذا كان هَوَسه بإيران ولا ينفكّ يعود على ذِكر إيران وبمعنى فإن الرغبة لدى ترامب في مُمارسة الضغط على إيران، جعلته يفقد الحُجَّة بالتالي فقد جرى دَحْض رغبته في الانسحاب من كُلٍ من العراق وسوريا وأفغانستان لأن "الصقور" في إدارته يتحجَّجون في كون ذلك كُله
يُساعد على احتواء إيران، فوافق ترامب على ذلك الأمر، الأمر الذي حدَّد طبيعة سياسته الخارجية.
لكن هل الأمر مُتعلِّق وحسب بالضغط على إيران واحتوائها؟ أم إن التصعيد ضد إيران يُعدّ تمويهاً لمشروع حضاري وغيبي أكثر عُمقاً؟
يعتقد ألستر كروك بالمقام الأول أن البعض في واشنطن والذين يلقون التشجيع من إسرائيل ، يعتقدون أن إيران على شفا الثوران المؤدّي إلى الانهيار وبأن دفعة صغيرة واحدة ستقضي عليها وعلى ثورتها، ويجري الإيمان بهذا الأمر والضغط باتجاهه من قِبَل أطراف كثيرة وهي الأطراف نفسها التي شنَّت حرب العراق إنها من مُجتمع المنفى... ومن استخبارات "الموساد" رُبما التي جرى الترويج لها بطريقةٍ أو بأُخرى لأن بولتون يُشاطرالاجتماعات الاستراتيجية ما بين إسرائيل والولايات المُتحدة في مجلس الأمن القومي وليس في وكالة الاستخبارات الأميركية، إنها لا تجري هناك حيث يجب على "الموساد" القيام بتبادلاتها بالطُرُق المُتعارَف عليها، بَيْدَ أن الآن تحت حُكم بولتون هو يتحكَّم برأس عملية التبادلات الاستخباراتية هناك. حينها فإنه يفرض تحليلات إسرائيل حيال نوايا إيران لأن هذا ما كُنّا نسمعه وليس الحقائق والأرقام التي لا لُبْسَ فيها بل ما تُفسّره الـ"موساد" حول نوايا إيران المُفترَضة، وهذا بالطبع يُلقن لبولتون الذي بدوره يهمسه ومُباشرة في أُذن الرئيس ترامب.
ويتابع كروك "لكن ما من مؤشِّرٍ على هذا الثوران الداخلي في إيران. ولم نرَ ما يُعزِّز هذه الفرضية.نعم ، هنالك احتجاجات صغيرة حول قضايا اقتصادية، لكن ما من عدم رضا عام بل على العكس، مُعظم الإيرانيين بل رُبما كُلهم يلتفّون حول الحكومة في زمن هذه الضغوطات المفروضة على إيران". و هنا نرى تأثير برنارد لويس ووجهة نظره التي كانت تتمحور حول وجوب تفكيك إيران وتلقين الشرق الأوسط درساً قاسياً بضربةٍ موجِعة تفتّته وفقاً لخطوط لغوية وعرقية وعنصرية و طائفية و مذهبية. وهذا تحديداً ما نراه بينما تُموضِع أميركا قواتها الخاصة بشكلٍ مُتاخمٍ استراتيجياً لمناطق تواجد الأقليات المنفية على حدود إيران، في محاولةٍ لخلق تمرّدات انفصالية التي ستخلّف التخريب والتوتّرات ضمن إيران وإعطاء انطباع عن وجود مُشكلة. لكن الفكرة التي تفترض أن هذا كافٍ للإطاحة بالحكومة هي فكرة مُخطئة بحسب كروك لكن هذا ما يُقال وما يعتقده الناس برأيه.
لمَن يريد أن يطّلع أكثر تابعونا #من_الداخل