الدعم الدولي للمجلس العسكري السوداني
بعد زيارة عبد الفتاح البرهان لمصر والسعودية والإمارات، نسمع ونرى فضّ الاعتصام في القيادة العامة في صباح الإثنين الماضي بعد أخذ الضوء الأخضر الإقليمي والدولي بذلك، حتى لو بدت إدانات لما حدث فهي من باب حفظ ماء الوجه.
فبعد احتجاجات استمرت نحو أربعة أشهر، استجاب الجيش السوداني لمطالب المحتجّين بالتخلّي عن الرئيس عمر حسن البشير وعزله. لكن انقلاب القصر الذي نفّذه نائب البشير ووزير دفاعه، الفريق أول عوض بن عوف، صبيحة الخميس 11 نيسان/ إبريل 2019، ثم استقالة بن عوف ليتولّى الفريق عبدالفتاح البرهان. وتسابقت الدول نحو المجلس العسكري السوداني ودخلت السودان مرحلة جديدة من الاستقطابات من الدول ذات المصالح الدولية في السودان، ظهرت جلياً من الوفود والزيارات الدولية للخرطوم في الأيام الماضية. لماذا التوجّه السعودي الإماراتي (دعم الثورة المُضادّة) لبرهان؟ ما الموقف الروسي من الوضع السوداني؟ والموقف الأميركي وكذلك التركي؟ ما هي مطالب السودانيين في إعلان الحرية والتغيير؟ لماذا رحَّب الغرب بالفريق محمّد حمدان دقلو، قائد ميليشيا الدعم السريع، المشهور بـ"حميدتي"، و نائب رئيس المجلس العسكري؟
ظهر الفريق عبد الفتاح البرهان، بعد فترة ترقّب استمرت من مساء الجمعة 12 نيسان/ إبريل، وحتى منتصف نهار السبت 13 نيسان/ إبريل 2019، ليُعلن عن المجلس العسكري في تركيبته الجديدة، مشيراً إلى أن المجلس سيشكّل حكومةً مدنيةً، تكون على رأسها شخصية مستقلة. وكان لافتاً في التشكيل الجديد للمجلس العسكري، حصول الفريق محمّد حمدان دقلو، قائد ميليشيا الدعم السريع، المشهور بـ "حميدتي"، على منصب نائب رئيس المجلس العسكري؛ ما يُشير إلى أن الثقل العسكري قد أصبح، على أقل تقدير مُقسّماً، مُناصَفةً، بين مؤسّسة الجيش وميليشيا قوات الدعم السريع. موقف القوى السياسية في الجهة الأخرى من المشهد، ظلّت القوى المعارضة، المُكوِّنة لما يُسمَّى "إعلان الحرية والتغيير"، والتي يمثل "تجمّع المهنيين" عنصراً مهماً فيها، على موقفها أن المجلس العسكري، حتى بعد أن آلت رئاسته إلى عبد الرحمن البرهان، لم يَسِر في اتجاه تلبية مطالب المُحتجّين، كما ينبغي. وترى ضرورة الشروع، في الحال، في تشكيل حكومة مدنية، وإنشاء مجلس سيادة مدني، على أن ينحصر دور الجيش في رعاية الفترة الانتقالية، وألا تُسنَد إليه في التشكيل الوزاري الانتقالي سوى وزارة الدفاع، مع حصوله على ممثلٍ واحدٍ في مجلس السيادة الانتقالي.
إن الفريق دقلو كلمة السر في العلاقات الخارجية السودانية بسبب علاقاته الخارجية والأدوار التي يؤدّيها، رغم أنه انحاز إلى جانب الثوار، وأبعد عنهم خطر ميليشيات النظام. فهو الشخص الذي تشارك وحدات من قواته إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن. وكان لافتاً إعلان المجلس العسكري مُمثّلاً برئيسه الفريق البرهان التزامه اتفاقية مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن، رغم المُعارضة الشعبية المُتزايدة لهذا الأمر. يُضاف إلى ما تقدَّم، أن الفريق طه عثمان، مدير مكاتب الرئيس البشير السابق، والذي أصبح مُستشاراً في البلاط السعودي ومُنِحَ الجنسية السعودية، قد وصل إلى الخرطوم عقب تولّي الفريق البرهان رئاسة المجلس الانتقالي العسكري، بصحبة وفد إماراتي. وهو الأمر الذي أخذ يُلقي ظلالاً من الشك على توجّهات الانقلاب الأخير، وعلى علاقة مُنفّذيه بالمحور السعودي-الإماراتي.
أما في البُعد الدولي، فقد ظهر الفريق دقلو، قائد ميليشيا الدعم السريع، في وسائط الإعلام، في الأيام القليلة الماضية، وهو يستقبل القائم بالأعمال الأميركي، والسفير الهولندي، وممثل الاتحاد الأوروبي. وتؤكِّد الأدوار التي اضطلع بها الفريق دقلو والميليشيا التابعة له، أن سبب الاهتمام الزائِد الذي يوليه سفراء الدول الغربية، خاصة الاتحاد الأوروبي، يعود إلى ما ظلّ يقوم به الرجل من دورٍ في مراقبة خطوط عبور المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا عبر الأراضي السودانية. وبدا لافتاً إعلان واشنطن استعدادها لرَفْع إسم السودان من قائمة الدول الداعِمة للإرهاب، إذا أجرى المجلس العسكري تغييرات "حقيقية"، وجرى التأكّد من خلو تركيبته من أيّ أشخاص موضوعين على قوائم الإرهاب الأميركية أو مطلوبين في جرائم الحرب الدولية. أما قوى الشباب، الذين وقفوا بقوّة وراء تجمّع المهنيين، فتثور لديهم شكوك في القوى الحزبية وقوى المعارضة التقليدية التي يمكن أن تختطف ثورتهم؛ لذلك دعا البعض إلى تكوين حزبٍ جديدٍ للشباب يمثل تطلّعاتهم ومطالبهم. لا شك في أن القوى الإقليمية وبعض القوى الدولية معنية بنظامٍ عسكري في السودان، ولكنها غير قادرة على مَنْعِ الديمقراطية في حال الإصرار الشعبي عليها.
فالثورة مُهدَّدة من جانب الدولة العميقة، ذات الأذرع العديدة؛ المدنية والعسكرية. كما هي مُهدَّدة أيضاً من أطرافٍ في النظام الإقليمي العربي. يُضاف إلى ما تقدَّم أن الرئيس البشير سبق أن قدَّم لروسيا في زيارته لها، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إغراءات كبيرة تتعلق بالثروة المعدنية في السودان؛ الأمر الذي ربما جعل موسكو طرفاً في تعقيدات الموقف السوداني الراهِن. بالإضافة إلى التواجد التركي في سواكن السودانية. ويبقى العنصر الحاسِم في مسار انتصار الثورة، واستقرار السودان، ورجوعه مرّة أخرى إلى الحياة المدنية والمُمارسة الديمقراطية، رهناً بصمود الشباب في ساحات الاعتصام، وقدرتهم على استدامة الضغط نفسه الذي أجبر العسكريين على عَزْلِ الرئيس البشير. فأصبحت السودان الآن في حلبة استقطاب إماراتي سعودي روسي تركي أميركي الكُل يبحث عن مصالحه مع النظام الجديد. في ظل الدعم الدولي لبرهان وحميدتي هل تنجح الثورة السودانية وما مستقبل الاستقرار والاستثمار في السودان في ظل دعوات للعصيان المدني من الشعب السوداني وبعد وقوع قتلي وجرحى في فضّ الاعتصام.