الموقف الإسرائيلي من التهدئة

تشهد الأوضاع الميدانية والسياسية تطوّرات مُتسارِعة في ما يتعلّق بواقع قطاع غزّة، فمع انطلاق مسيرات العودة وكسْر الحصار، ومع تصاعد الاشتباك الميداني بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، يتصاعد الحراك السياسي من قِبَل الجانب المصري ومبعوث الأمم المتحدة، كما تنشط الدبلوماسية القطرية في المسار السياسي في ما يتعلق بالتهدئة، و كثّفت المخابرات المصرية اتصالاتها مع الأطراف الفلسطينية، واستقبلت وفداً من حركة فتح لتفعيل ملف المُصالحة الفلسطينية.

عوامل تساهم في تعاطي حكومة العدو الإسرائيلي مع مسارات التهدئة

في ظلّ هذا الواقع وتعدّد المسارات الميدانية والسياسية، تتقاطع كافة القضايا المطروحة وتنعكس على الواقع السياسي والميداني لقطاع غزّة، فعلى صعيد العدو فهو يبحث عن حال الهدوء في قطاع غزّة ووقف مسيرات العودة والبالونات الطائرة، ولديه الاستعداد لتقديم تسهيلات إنسانية لقطاع غزّة عبر طرف ثالث، حتى لا يظهر بمظهر الداعِم لحركة حماس في قطاع غزّة، ويفضّل بأن تُقدَّم التسهيلات عبر السلطة الفلسطينية، وإن رفضت فلا يمانع من تجاوزها.
ثمة عوامل تساهم في تعاطي حكومة العدو الإسرائيلي مع مسارات التهدئة، فنتنياهو يُدرك أن أي توتّر أمني سواء عبر جولة تصعيد عسكرية محدودة أو إطلاق البالونات الحارقة والمشاغلات عبر السياج الفاصل؛ ستؤثّر سلباً على عدد مقاعد حزبه الانتخابية في الكنيست مع قرب الاستحقاق الانتخابي في مارس المقبل كما هو متوقّع.
كما يدرك صنّاع القرار للعدو تراجع قوّة الردع مع المقاومة واستعدادها للسير مُجدّداً على حافّة الهاوية، ما قد يؤدّي إلى إشعال مواجهة عسكرية لا يرغب فيها الاحتلال في هذا التوقيت نتيجة عوامل عديدة؛ أهمها الانتخابات، والانشغال بالجبهة الشمالية، وخطط الاستعداد والدفاع للجيش واستكمال الحاجز الأرضي.
تقديرات العدو بدفع ثمن باهض في غزة مع غياب الأهداف السياسية والعودة للنقطة التي انتهى عندها عدوان 2014، إضافة إلى توصيات تقرير مراقب الدولة الذي حمّل حكومة الاحتلال وخاصة نتنياهو المسؤولية عن عدم نزع فتيل الحرب عام 2014 ، والإبقاء على عنوان سلطوي في غزّة بهدف جباية الثمن ومنع الفوضى والفراغ حاضراً في ذهن رئيس الحكومة وأعضاء المجلس الوزاري المُصغّر.
إلا أن الحسابات الإسرائيلية مازالت مُعقّدة، وثمّة عوامل تدفع باتجاه تردّد موقف الاحتلال من التهدئة، فخشية نتنياهو من اتهامات خصومه والرأي العام اليميني بأنه يحاور "منظمّة إرهابية" ،قد ينعكس سلباً على نتائج الانتخابات في ظلّ مُزايدات البيت اليهودي والإعلام الصهيوني على نتنياهو وليبرمان التي دفعت الأخير للتصريح بأنه مُتحفّظ على التهدئة.
بعض دوائر صُنع القرار الإسرائيلي كالشاباك الذي يعارض أن تكون حماس هي الجهة المُستفيدة من التهدئة ، وتدفع باتّجاه أن تكون السلطة هي مَن يشرف على تنفيذ التفاهُمات، وتوجُّس الاحتلال من ترك انطباع لدى الفلسطينيين بأن نموذج المقاومة مرتبط بتحقيق نتائج وإنجازات، على عكس نموذج أبو مازن والمفاوضات.
أمام دوافع المضيّ قُدماً في مسار التهدئة من قِبَل العدو وكوابحه، يبقى الفعل النضالي الميداني هو المُحدّد الأساس، وهو الحاضر على جداول صناع القرار، فتصاعُد أدوات المقاومة الشعبية وتوسيع نقاط مشاغلات العدو، والابتكار والإبداع في تحدّي الاحتلال كوحدات الإرباك الليلية، واجتياز السياج الفاصِل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزّة، وجهوزيّة المقاومة للتصدّي لأيّ عدوان وامتلاكها القدرة على إيلام العدو وجبهته الداخلية، كل ذلك يُجبر الاحتلال على التعاطي مع قطاع غزّة والعمل على كسْر الحصار عنه.
تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزّة والعمل على كسْر الحصار لا يؤثر على تطوير قدرات المقاومة وتراكم قوّتها، بل سيُشكّل حافزاً إضافياً لمواصلة جهدها والمقاومة على كافة الأصعدة، وستمنح الحاضنة الشعبية للمقاومة دوافع قوّة وتحصين.
حقائق مُلزِمة/ ردّ الفعل الروسي على السلوك العدواني الإسرائيلي بتسليم صواريخ s300 لسوريا، يُعزّز المعادلة الراسِخة بين العدو الإسرائيلي وسوريا وحلفائها أعداء إسرائيل بأن المحور يكسب على الصعيد الاستراتيجي، وإسرائيل مكاسبها تكتيكية محدودة.