حزب الله والحلف السعودي المقدّس
يمكن القول أن اتهام حزب الله وعبره إيران بمساندة جبهة البوليساريو كان يستهدف شيطنة مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي لدى الأميركيين، وفي نفس الوقت إرضاء حليفتها السعودية من خلال قطْع العلاقات مع إيران.
حسم المغرب منذ نيله للاستقلال توجيه بوصلة علاقاته نحو المعسكر الليبرالي الغربي. وعلى ضوء ذلك كانت سياساته أقرب إلى دول المشرق منه إلى المنطقة المغاربية وهي فضاؤه الجغرافي والحضاري. ونظراً لتجانس أنظمة الحُكم فقد اتّسمت علاقاتها بتأثير النزعات الشخصية للعائلات المالكة ( هذا النمط من العلاقات كان سائداً في أوروبا خلال العصر الحديث). وكانت مواقف المغرب في عمومها رجع صدى لسياسات السعودية المرتبطة استراتجياً بالولايات المتحدة الأميركية. ويمكن تشبيه تأثير السعودية على سياسات الدول بما كان يمارس في أوروبا خلال القرنين 18 و19 من قِبَل روسيا القيصرية والملكيات المطلقة، ومنها أستعير مصطلح الحلف المقدّس؛ تحالف جمعَ كلاً من (روسيا وانكلترا والنمسا) هندسته روسيا ضد نابليون بونابارت، لتفسير تأثير الدور الموكَل للسعودية في المنطقة في العقود الأخيرة على سياسة المغرب.
ويتّضح جلياً تأثير السعودية في حروب الخليج، ففي الحرب العراقية الإيرانية عوَض أن تعمل السعودية وإمارات الخليج المتحالفة على تسوية النزاع ووقف الحرب المدمّرة بين أكبر قوتين إقليميتين ، زادت في تأجيجها عبر الدعم المالي والعسكري. ولعلّ مخلّفات الحرب كانت أحد الأسباب التي دفعت صدّام إلى اجتياح الكويت في 1990. وقد نتج منه فرز وانقسام في الدول العربية بين مُؤيّد ومُعارِض ومُحايد. في هذا الإطار أظهرت المغرب تضامناً كبير اً مع الكويت، بلغ مستوى إرسال 1200 جندي للمشاركة في عملية تحرير الكويت، لأن الحلف الذي ساهمت السعودية في إنشائه ضد صدّام كان يهدف إلى إعادة العائلة المالِكة في الكويت، ودرء أكبر خطر يستهدف استقرار حُكم هذه العائلات.
وعلى نحوٍ متصلٍ يأتي قطْع المغرب لعلاقاته مع إيران في 2009 ليؤكدّ تضامنه مع إمارة البحرين ومن ورائه السعودية التي تتهم إيران بتأجيج الصراع بين الأغلبية الشيعية في البحرين والسلطة الحاكمة، بل واعتبار إيران مصدر كل المشاكل التي تهدّد استقرار المنطقة. فضلاً عن مشاركة المغرب في الحرب على جماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن، في إطار ما يُسمّى بـ«عاصفة الحزم»، وهو مظهر واضح في مدى انخراط المغرب في السياسة المنتهَجة من قِبَل دول الخليج، لاسيما ما أصبح يُصطلَح عليه صراع المحاور (المعتدل/المقاوم.). فهل يأتي اتهام البوليساريو بالتعاون مع حزب الله ومن ثم قطْع العلاقات مع إيران في إطار هذا التماهي مع السياسة السعودية؟
استهداف خصوم إيران العالميين والإقليميين : نقطة ارتكاز سياسة المغرب الخارجية
تجدر الإشارة إلى أن ما تعيشه المنطقة من أحداث هي جزء من مسار يهدف إلى إعادةِ هيكلةِ وضبط المنطقة في الاتجاه الذي يجب أن تؤدّي وظيفة تتوافق مع النظام الدولي المراد تشكيله. ولعلّ أهم معالِم الفترة الحالية، وجود إدارة أميركية جمهورية واقعية لا تؤمن إلا بتحقيق المكاسب والأرباح على الطريقة الترامبية، تتّجه لحسمِ العديدِ من القضايا التي ظلّت لعقودٍ بؤرة صراعات وحروب. كما تتبنّى مبدأ "مَن ليس معنا فهو ضدنا، "حتى مجال الرياضة لم يسلم منه (تهديد ترامب للدول التي تُساند المغرب في مسعاه لاستضافة مونديال 2026). ولأن الكثير من أنظمة البلدان في المشرق أو شمال إفريقيا أكثر انصياعاً للطروحات الأميركية حتى وإن كانت مُتناقِضة مع مصالحها أو مصالح بيئتها الإقليمية الحضارية، وهذا لاعتقادها أنه السبيل الذي يُمكّن من تخفيفِ أو تفادي غضَب هذه الإدارة. أوضاع تبرّر لها اتّخاذ مواقف مُعادية لأعداءِ وخصومِ الولايات المتحدة وعبرها السعودية. هكذا رأت في إيران (مع أنه لا يمكن النفي على إيران أو السعودية أو غيرها نزعة الهيمنة والسيطرة وتسويق أفكارها وإيديولوجياتها) المتهمة بإثارة اللاستقرار في المنطقة، وفي حزب الله "المنظمة الإرهابية" وأحد أذرع إيران في المنطقة. كما ارتبط بمحور الاعتدال بقيادة السعودية الدولة المحورية وبعض الدول السنّية المناهِض لمحور المقاومة الذي يمتد من إيران مروراً بالعراق فسوريا ولبنان.
أيضاً وجد المغرب نفسه إزاء موقف أميركي ناسِف لكل ما تراه فُرَص تحقيق إنجازات تسوية مع البوليساريو. على اعتبار أن مندوبة الولايات المتحدة الأميركية لدى مجلس الأمن الدولي تقدّمت بنصِ قرارٍ حول الصحراء والذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي في 27 أفريل 2018، ويقضي بتمديد مهمة المينورسو لستة أشهر تبدأ في 1 ماي 2018 و تنتهي في 31 أكتوبر 2018، مع إعطاء الفرصة للحل السياسي من خلال التفاوض. علاوةً على تخوّفها من تعيينِ جون بولتن مستشاراً للأمن القومي، وهو "المعروف بتعاطفه من جبهة البوليساريو". وهي مستجدات كان لِزاماً على الحكومة المغربية القيام بعمل يساهم في استمالة الموقف الأميركي لصالحها.
فمن هنا يمكن القول أن اتهام حزب الله وعبره إيران بمساندة جبهة البوليساريو كان يستهدف شيطنة مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي لدى الأميركيين، وفي نفس الوقت إرضاء حليفتها السعودية من خلال قطْع العلاقات مع إيران. وبطريقةٍ غير بريئةٍ سعت إلى التشكيك في حياديةِ الجزائر التي ظلّت دوماً ترفع شعار حق الشعوب في التحرّر وتقرير المصير وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول. ومسار الدبلوماسية الجزائرية الناصِع يشهد على دورها الإيجابي في حلِ الكثيرِ من النزاعات عبر المساعي الحميدة والوساطة. فالجزائر لم تتورّط في دعم احتلال العراق، أو في تدمير سوريا أو في ليبيا المجاورة التي لم تتدخّل فيها رغم الامتلاءات الصارِمة لمجال الجيوبوليتيكا الحيوي، بل وظلّت تدفع في اتجاه وقف إراقة الدماء وجمْع الليبيين على حلٍ شاملٍ عادلٍ يؤدّي إلى استقرار وأمن ليبيا.
وأختم بالقول، إن للمنطقة المغاربية خصوصيات تحول دون تورّط دولها أو أن تنحاز لطرفٍ على حسابِ طرفٍ في خلافاتِ واختلافاتِ دول منطقة المشرق (فسيفساء المذاهب والديانات والأعراق). كما يجدر بالمملكة المغربية أن تدرك أن الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية الديمقراطية يختارون أعداءهم بعناية ولا يحتاجون مَن يصنعهم لها. وعليه أن يُدرك أن الوحدة والتكامُل يأتيان طوعياً من دون إكراهٍ أو قهْر،