وزن أميركا الهش في عالم جديد مُتعدّد الأقطاب

العقد المقبل، الثالث من الألفية الثالثة بالتأكيد، لن يكون أميركياً. ولن يكون أوروبياً. سيكون مفاجأة دولية وسيلعب فيها الصيني والروسي المفاجأة والريادة.. وستلعب فيه إيران الفاعلية التاريخية والسياسية..

أميركا تآكلت سياسياً مع بداية الأزمة فيها

أميركا تآكلت سياسياً مع بداية الأزمة فيها، وقد بدأت الأزمة بالتحديد مع حادثة تفجير مقر البوليس الفيدرالي في أوكلاهوما، ثم تلاها تفجير البرجين، رمزا أميركا التجاريين، ثم انتحارها في ما أقدمت عليه بما يُعرَف زوراً محاربة الإرهاب وما هي بحرب إلا حرب المصالح بعد أن ظنت أنها حشرت روسيا والصين أميركا في الزاوية الضيّقة.. العالم الآن ونتيجة لهذا التحوّل الدراماتيكي من القطبية الواحدة إلى القطبية المتعدّدة، يعيش على ظهر بركان كما أنه يعاني أكثر من زحف العواصف الوطنية، والدينية، والقومية.. أميركا سقطت في لعبة الموت حين افترضت أنها الجغرافيا.. وأنها التاريخ.. والآخرون مجرّد أرصفة لهذه الجغرافيا ولذلك التاريخ..؟ وبالتأكيد، فإن الولايات المتحدة الأميركية تعاني من بوادر الانهيار في الشرق الأوسط، بوادر سقطت فعلاً منها حجرة أولى من الدومينو -على أن تتبعها البقية - وهي سوريا.. حلفاء أميركا في واد وهي في واد آخر، تقول التقارير من داخل أميركا إن ديون الولايات المتحدة الأميركية وصلت ما بين 1980-1988 إلى 1700 مليار دولار، ووصلت فوائد هذه الديون سنة 1988 إلى 151 مليار دولار، والآن هي أكثر من عشرين ألف مليار دولار. والعجز في الميزانية مستمر.. وقد تجد أميركا نفسها في نهاية الأمر في حال عجز تام، وقد حاولت مؤخراً مواجهة هذه الحقيقة بخفض قيمة الدولار، وكانت تعتقد إن ذلك بإمكانه أن يحدّ من العجز الذي تعاني منه ميزانيتها، غير إن ذلك لم يكن ممكناً بل إنه وضع سياسة أميركا ولاسيما من طرف حلفائها أمام عدّة تساؤلات، وكانت انتقادات المستشار الألماني في محلّها حين وصف عدم تدخّل البنك المركزي الفيدرالي لوضع حد لانهيار الدولار، حيث أكّد على سلبية الموقف الأميركي، في حين ذهبت اليابان في موقفها إلى التصلّب أكثر، أما المطالب الأميركية في ما يتعلّق بالتجارة وعدم فتح الأبواب اليابانية أمام المنتجات الأميركية رغم التهديد الأميركي، وقد أصرّت على موقفها رغم كل ذلك، ثم تأتي المخدّرات لتصبح الآن المشكلة الأكثر دماراً للمجتمع الأميركي، إذ إن جُل المشاكل الاجتماعية والصحية والأخلاقية مرتبطة بهذه الظاهرة، فحوالي 400 ألف من سكان نيويورك مصابون بالإيدز، وأكثر من ثلاثين مليون أميركي يعيشون في حال فقر، فضلاً عن ثلاثة ملايين مشرّدين وسبعة وعشرين مليوناً من دون ضمان اجتماعي.. إن هذه المأساة وإن كانت غير بادية للعيان بسبب البريق الإعلامي الذي تختفي وراءه سياسة أميركا والمسلّط على الدور الأميركي في العالم الخارجي، بدأت تأخذ منذ وصول الجمهوريين من الجناح اليميني إلى الكونغرس والبرلمان، وأخذوا منه حيّزاً مهماً في الإعلام الأميركي وحتى الإعلام الأوروبي، ومع ذلك بدأت معه متاعب البيت الأبيض الأميركي مع مجيء الرئيس دولاند ترامب، وبالتالي متاعب أميركا أصبح لها حيّز مهم في الإعلام الأميركي وحتى الإعلام الأوروبي، وبالتالي متاعب أميركا كلها في سياستها الخاطئة والتي ركّزت من البداية على وَهْم الانتصار الأميركي في الحرب على الإرهاب، وهي حرب خاسِرة ولم تعد بالتالي للرأي العام الأميركي في ظل التراكم للمشاكل الداخلية مُقنعة إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي. ولقد بات واضحاً أنه من الصعب أن تظل أميركا وسط العواصف وخاصة عواصف الشرق الأوسط والتحدّي الروسي الصيني لها من دون أن تحترق بنار هذه العواصف، كما بات واضحاً أنها من غير الممكن الاعتماد على ترسانتها العسكرية لإظهار موقفها أمام متغيّرات عاصفة يلعب فيها الروسي والصيني بقوّتي السلاح والاقتصاد لعبة التفوّق والتحدّي، ثم لعبة الانتصار.. فضلاً عن الجور الأساسي الذي يحكم سياستها، فضلاً أيضاً عن الإحساس الهائل الناتج اليوم لدى أغلبية شعوب العالم بالعودة إلى التعدّدية القُطبية، في ظل الفشل الذي يُلاحق ما اصطلحت أميركا على تسميته بالنظام القائم على الأحادية القطبية (الدولة الكونية) وبالتحديد على الأحادية الأميركية، بتوصيف آخر الدولة التي تدّعي السيادة على العالم؟ إذ أن أميركا وانطلاقاً من ذلك التصوّر وجدت نفسها وريثة لكل مشاكل العالم بما في ذلك مشاكل أوروبا في البلقان، ثم في الشرق الأوسط، في مواجهة مواقف روسيا الداخلية والخارجية وهي مواقف أقوى تأثيراً في النظام الدولي الجديد من التأثير الأميركي، بدليل أن أميركا عاجزة اليوم حتى عن مواجهة التأثيرات السلبية لنظامها السياسي حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية، فالاغتيالات مستمرة داخلها وعلى يد البوليس، ويوضح ذلك مدى تآكلها وبتلك الصورة الهشّة التي بدت في الكلام الفظ في ما جرى بين المرشّحين للرئاسة ("هيلاري كلينتون" و"دونالد ترامب" ) أثناء مناظراتهما وحتى في خطابهما الموجّه للرأي العام الأميركي.