العثمانيون حين وطّنوا اليهود في القدس
يكشف نجيب العازوري في كتابه يقظة الأمّة العربية 1905، عندما كان معاوناً للوالي العثماني خلال الفترة 1898-1904، أن سياسة الوالي كاظم بك أدّت إلى تسرّب مساحات واسعة من أراضي القدس لليهود، وتبيّن أن الوالي نفسه كان شريكاً للبيرعفيفي وكيل الشركة اليهودية في باريس، التي لم تقتصر عملياتها على أراضي القدس بل امتدت إلى بئر السبع وحيفا وصفد وطبريا، ووصلت حصّة الوالي إلى 50 ألف ليرة عثمانية.
تلجأ جماعات الإسلام الأميركي إلى حادثة جزئية وقعت بين السلطان العثماني، عبد الحميد، ومهندس المؤتمر اليهودي، هرتزل، للقول بأن سلاطين آل عثمان وقفوا بالمرصاد لكل محاولات الهجرة اليهودية إلى القدس وبناء أحياء استيطانية فيها وحولها وفي فلسطين عموماً، فماذا تقول الوقائع التاريخية حول ذلك:
- ابتداء لابد من الإشارة إلى أبرز الأقوام والممالك والجماعات المسجّلة على "القائمة السوداء اليهودية" لأنها منعت اليهود من الهجرة إلى القدس والتوطّن فيها.
فمن أبرز هذه الجماعات قبل الإسلام، الآشوريون والكلدان، لاحقتهم داعش والنصرة في السنوات الأخيرة، والسلوقيون اليونان خلال حكمهم لسوريا الطبيعية، وروما (1).
أما أبرز المحطات التي أعقبت الدعوة الإسلامية، فهي العهدة العُمَرية مع صفرونيوس، بطرك القدس التي نصّت على منع اليهود من دخول القدس، ثم محطة العهد الفاطمي الأول وخاصة خلال الملك الفاطمي بوعلي المنصور (2).
ثم العهد الصليبي الذي قام بإحراق اليهود بعد سقوط القدس 1099 (3)، ثم الحكم المصري بزعامة محمّد علي وخاصة بعد توحيد الشام مع مصر، حيث رفض 1839 مذكرة السير مونتفيوري الداعية لهجرة اليهود إلى القدس، ورفضه 1840 طلب القنصل البريطاني بالقدس السماح لأثرياء يهود بتبليط ما يُعرَف بساحة المبكى (4).
- وثانيها، الدور المعروف للطبيب اليهودي، موسى بن ميمون وكان مستشاراً لصلاح الدين، وقد نجح مع هذه البقايا في إقناع السلطان بإعادة اليهود الهاربين إلى القدس بعد فتحها، وكذلك بمنع التعرّض ليهود اليمن.
- وثالثها، عبر ما عُرِف بيهود الدونمة الذين أسلموا ودورهم الكبير في بلاط السلاطين العثمانيين، وقد تبيّن لاحقاً أنهم كانوا يمارسون طقوسهم اليهودية.
- رابعاً، وفق باحث أردني إسلامي، فإن العثمانيين ومنذ احتلالهم الأرض العربية بعد معركة مرج دابق 1516، تساهلوا في دخول اليهود إلى القدس، حتى أصبح الحائط الغربي من ساحة المسجد الأقصى جزءاً من تقاليدهم (6).
وباستعراض مواقف سلاطين آل عثمان من هذه القضية، يصدم الرأي العام الإسلامي بالحقائق التالية:
- تعاون السلطان سليمان القانوني ووريثه سليم، بالتعاون مع اليهود والسماح لهم بالاستيطان في كل فلسطين (7)، بل وضع طبريا تحت سيطرة والٍ يهودي هو جوزيف ناسي (8).
- بعد هزيمة حاكم مصر محمّد علي وإجباره على مغادرة سوريا من قِبَل التحالف العثماني، الأوروبي، ارتفع عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين ومنها القدس إلى "11" ألف مهاجر.
- كانت مرحلة السلطان عبد المجيد (1839-1861) مرحلة ذهبية لهذه الهجرة، التي ترافقت أيضاً مع النفوذ الكبير لقناصل إنكلترا وفرنسا وغيرهم ونجاحهم في ابتزاز الفساد العثماني والديون الناجمة عن هذا الفساد لوضع يدهم بالتدرّج على قرارات الباب العالي عبر ماعُرِف بمرسوم أو خط كلخانة والخط الهمايوني 1856...
ومن تداعيات ذلك على صعيد الهجرة اليهودية إلى القدس، ارتفاع عدد اليهود في المدينة إلى ربع السكان فيها (9)، ومنح اليهود أراض في حيّ مونتيفوري وإقامة مستوطنة مشكانوت شعانيم عليها (10).
- إهداء السلطان عبد العزيز (1861-1876) أراض مجاورة للقدس لليهود لبناء مدارس زراعية (11)، وأخرى في يافا لبناء مستوطنة فيها، كما ساهم حاخام اسطنبول بإقناع والي القدس بإضافة اليهود إلى مجلس بلدية القدس (12).
- مقابل كل ما يُقال عن موقف السلطان عبد الحميد الثاني، إلا أن استمرار بناء المستوطنات مثل بتاح تكفا والعديد من الوقائع يدحض الشائع حول موقفه، ومن ذلك:
أولاً، أن السلطان أطلق يد اليهود في مناطق أخرى مثل سيناء كما راح يذكّرهم ببابل ويحثّهم على الهجرة إليها (13).
ثانياً، ما كشفه نجيب العازوري في كتابه يقظة الأمّة العربية 1905 عندما كان معاوناً للوالي العثماني خلال الفترة 1898-1904، فحسب العازوري، فقد أدّت سياسة الوالي، كاظم بك، إلى تسرّب مساحات واسعة من أراضي القدس لليهود، وتبيّن أن الوالي نفسه كان شريكاً للبيرعفيفي وكيل الشركة اليهودية في باريس، التي لم تقتصر عملياتها على أراضي القدس بل امتدت إلى بئر السبع وحيفا وصفد وطبريا، ووصلت حصّة الوالي إلى 50 ألف ليرة عثمانية.
وقد عاد العازوري وكتب في جريدة المقطّم 1904، أن السلطان عبد الحميد لم يتجاوب أبداً مع مذكرات أهالي القدس واحتجاجاتهم، فما يهمّ البلاط السلطاني هو تأمين الوالي المبلغ المطلوب منه للبلاط، بل أنه وبدلاً من عزله والتحقيق معه أنعم عليه بوسام من الدرجة الأولى.
وقد أنهى عازوري تعليقه على هذه الواقعة بالتحذير المبكر من سيطرة اليهود المتزايدة على أراضي القدس وفلسطين وصولاً إلى جبل حرمون وعرش مصر (14)...
- ونختم كل ما سبق بأبرز البعثات اليهودية والبريطانية والأحياء الاستيطانية التي رافقتها وكانت محصّلة لها، طيلة العقود الأخيرة لسلاطين بني عثمان:
- بعثة البريطاني آرثر ستانلي وصدور "كتابه سيناء وأرض إسرائيل" وإنشاء أحياء يمين شعاريم ومئاه شعاريم وماقور حاييم، وذلك خلال الفترة بين 1850 – 1852 (15).
- بعثة الضابط البريطاني تشارلز وورن وحفرياته المزعومة عن مدينة داود وحائط المبكى 1867 (16).
- إصدار قانون تملّك الأراضي 1867 (17).
- بعثة الضابط البريطاني تشارلز ويلسون 1863 تمهيداً لتأسيس جمعية اكتشاف فلسطين لغايات توطين اليهود فيها (18).
- إقامة مستوطنة نخلات شيفع 1868، ومحانيه يسرائيل (19).
- بعثة الضابط كلود كوندور، ورحلة وزير الحرب البريطاني كيتشنر وصدور كتاب أورشليم 1871 (20).
- بعثة هنري مود سلاي وتقريره حول "جبل صهيون" 1874 (21).
- إنشاء مستعمرة بيت تكفا 1878 (22).
- صدور كتاب "شعب إسرائيل" لـ هرمان جوته 1904 وكتاب "بحثاً عن الهيكل المقدّس" 1909 (23).