كواليس جنيف3: كيف عدّل وفد الرياض موقفه وحضر إلى جنيف؟

في جلسة مصغرة لمسؤول أميركي مهم في جنيف قبل يومين من انطلاق الحوار السوري، لاحظ الصحافيون القلائل الموجودون في هذا اللقاء "تقاطعاً أميركياً كبيراً مع الموقف الروسي" الكلام وصل إلى مسامع أهل الرياض ومن التقى أعضاء الوفد المعارض في جنيف سمع كلاماً حاداً عن "تخلي الأميركيين عن المعارضة".

كيري ولافروف وضعا في زوريخ خارطة طريق متدرجة
لولا التدخل الأميركي المباشر، لما استقل أحد من فريق المعارضة الذي شُكل في الرياض الطائرة وتوجه إلى مطار "كوانتران" في جنيف. آخر الدواء الكي في اتصال مباشر بين وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري ووزير الخارجية السعودية عادل الجبير قبل 24 ساعة من انطلاق الطائرة الملكية السعودية. على الفور لقاء بين الجبير والهيئة العليا وآخر في الديوان الملكي مع رياض حجاب منسق الهيئة العليا، وبعد ذلك بيان فوري من المعارضة يعلن الموافقة على المشاركة مصحوباً بشروط تخلى الوفد عنها بمجرد الموافقة على الحضور، كإجراءات بناء الثقة "قبل البدء بالحوار". 

على مدخل "نيفي مانوتيل" القريب من بحيرة لمان الشهيرة، انهال عشرات الصحافيين على الوفد القادم، بمجرد خروج أعضائه من الحافلة التي اقلتهم مجتمعين بعد ساعتي تأخير في مطار جنيف. تأخير لم تعرف أسبابه لكن الوفد حرص على القول بأنها إجراءات روتينية، في حين تناقل الهمس بين الصحافيين حول وضع محمد علوش، ممثل جيش الإسلام في الوفد، الذي قيل قبل اقلاع الطائرة من الرياض إنه على متنها، لكن خارج إطار الوفد المفاوض. 

تركزت أسئلة الصحافيين على الضمانات التي قال بيان صادر عن وفد الرياض قبل 24 ساعة إنه تلقاها من أجل "تطبيق القرارات الدولية وخصوصاً البنود المتعلقة بإجراءات بناء الثقة"، وعزز هذا الموقف رياض حجاب بتأكيده أنه تلقى "ضمانات مكتوبة"، لكن أجوبة الناطقين الثلاثة باسم الوفد، سالم المسلط ورياض نعسان آغا ومنذر ماخوس نفت بشكل قاطع تلقي أي ضمانة دولية أو أممية، إنما "دعم سياسي أميركي - سعودي ومن الدول الحليفة الأخرى".

وفد المعارضة المستاء من المواقف الأميركية المستجدة، أعاد التأكيد في جنيف أنه لن يبدأ في العملية التفاوضية قبل "فك الحصار ووقف القصف على المناطق المدنية والإفراج عن السجناء"، علما أن المسار التفاوضي المعلن من قبل المبعوث الدولي لم يتحدث عن لقاءات مباشرة إنما عن عملية حوار غير مباشرة تتم بواسطة ستفان ديمستورا الذي سيتنقل من قاعة لقاعة لنقل وجهات النظر فقط و"دون أي تدخل أو طرح مبادرات".

التبدل في الموقف الأميركي يعود إلى اللقاء الأخير بين جون كيري ونظيره سيرغي لافروف في زوريخ في سويسرا في 20 كانون الثاني/ يناير، وترجم هذا التبدل بمواقف كيري أثناء لقاءاته بوفد الرياض وما أعقبها من تصريحات أميركية وتوضيحات صبت بالاتجاه ذاته.
وفي جلسة مصغرة لمسؤول أميركي مهم في جنيف قبل يومين من انطلاق الحوار السوري، لاحظ الصحافيون القلائل الموجودون في هذا اللقاء "تقاطعاً أميركياً كبيراً مع الموقف الروسي" لجهة تبني موقف موسكو التقيلدي أن "مصير الرئيس السوري يحدده السوريون وله الحق في الترشح" الكلام وصل إلى مسامع أهل الرياض ومن التقى أعضاء الوفد المعارض في جنيف سمع كلاماً حاداً عن "تخلي الاميركيين عن المعارضة".
كيري ولافروف وضعا في زوريخ خارطة طريق متدرجة تبدأ في 29 كانون الثاني/ يناير، موعد بدء الحوار السوري "بمن حضر"، ومرحلتها الأولى تنتهي في 11 شباط/ فبراير، تاريخ انعقاد المؤتمر الجديد لمجموعة فيينا، وهذه المرة لن يجر في هذا اللقاء الذي قد يعقد في مدينة ميونيخ الألمانية، أي حديث خارج إطار المطلب الروسي بوضع لائحة واضحة تضم التنظيمات الإرهابية، إلى جانب التظيمين المصنفين إرهابيين بحسب الأمم المتحدة داعش وجبهة النصرة، وكيفية مواجهة هذه التنظيمات.
وحتى هذا التاريخ، على جولة جنيف3 الأولى المستمرة حتى 9 أو 10 شباط/ فبراير، أن تضع جدول أعمال لستة أشهر من المحادثات بين الأطراف السورية وعلى القوى العسكرية في الميدان على اختلافها أن تحسم أمرها من موضوع الإرهاب.

بالنسبة لموسكو وواشنطن، المسألة واضحة لا لبس فيها، 11 شباط/ فبراير 2016 سيكون موعد الفرز بين من يريد الحل السياسي على قاعدة من مع الإرهاب ومن ضد الإرهاب، والقول هنا يجب أن يتبعه أفعال، والمهمة الأولى أمام جيش الإسلام، قوة معارضة الرياض والسعودية في الميدان السوري الأساسية، أن يعلن صراحة تخليه عن الإرهاب وفك أي ارتباط له مع القوى المتهمة بالإرهاب، على هذا الاساس، لم تكن مشاركة محمد علوش، ممثل جيش الإسلام في جولة جنيف3 الأولى مرحب بها، رغم إصرار وفد الرياض على اعتبار التنظيم ممثلاً في الوفد ولا "يمكن التخلي عنه وعلوش يبقى كبير المفاوضين" كما قال لناطق باسم الوفد رياض نعسان آغا للميادين. 
موسكو تعترف أن قوة جيش الإسلام لا يستهان بها، وأنها مجهزة ومدربة ومدعومة بشكل كبير من السعودية، وتتقاطع المصالح بين حليفتي السعودية اللدودتين في الميدان السوري قطر وتركيا على حماية ودعم هذا الجيش، ويفضل الروس إجراء تحويلات جذرية في مفهوم العقيدة لدى هذا الجيش والانخراط فعلياً في العملية السياسية، وتشير المعلومات التي يتم التداول بها في جنيف أن الأميركيين يقومون بمهمة محددة بالتاريخ (قبل 11 شباط/ فبراير) هدفها التواصل مع السعودية لإجراء التعديلات على توجهات الجيش، وبالمقابل قدم الروس خطوة تشجيعية بالتخلي عن تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي في الجولة الأولى من جنيف3، وهؤلاء تلقوا ضمانات واضحة من قبل الروس والأميركيين بالمشاركة في الجولة المقبلة بعد نحو أسبوعين، والطرفان يدعمان وينسقان في الميدان في العلمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الحزب في مواجهة "داعش" في الشمال السوري.. سيكون 11 شباط/ فبراير موعداً فاصلاً.