الساحر محمد القيق والثعبان
ما يحصل مع الأسير الصحافي، أنه "حرض" ضد الاحتلال. اعتقله الجنود وزجوه في الاعتقال الإداري. كرر تجربة سامر العيساوي، خضر عدنان، ثائر حلاحلة، بلال ذياب، وغيرهم. التجربة لا تعتمد على العمر إنما على الآداء والعزيمة. الخبرة في التعامل مع الزنازين تكفي محمد القيق، ليعلن اضرابه ويفرض شروطه. المعركة لا تعتمد على الأمعاء الخاوية فقط، إنما تمتد إلى الروح برفض الواقع وقوانين الاحتلال.
الأسير محمد القيق يصارع الموت على فراشه ولا يتراجع عن رفض الواقع وقوانين الاحتلال
فقد
الشهيد قيد التنفيذ محمد القيق، بعض حواسه. لم يعد يسمع أو يتكلم، ونظره ضعف كما
سمعه. احشاؤه تقلصت. معدته تقرقر وأنفاسه تتقطع... هكذا بدت ملامحه في خلال الفيديو
المنتشر أخيراً. من صور الشريط وسربه كان يقصد استعطاف من يشاهده. لكن الساحر محمد
القيق، مارس كبريائه في وجعه. كل آناته كانت علامات ثبات على القرار. الرجال
الحقيقيون هم أصحاب المواقف، لذلك ألقى بعض كلماته واعداً نفسه وشعبه بالحرية. الأهم
أنه ألقى صوته يزمجر في الثعبان فإذا به يخترق جدار الأسر.
ما
يحصل مع الأسير الصحافي، أنه "حرض" ضد الاحتلال. اعتقله الجنود وزجوه في
الاعتقال الإداري. كرر تجربة سامر العيساوي، خضر عدنان، ثائر حلاحلة، بلال ذياب،
وغيرهم. التجربة لا تعتمد على العمر إنما على الآداء والعزيمة. الخبرة في التعامل
مع الزنازين تكفي محمد القيق، ليعلن إضرابه ويفرض شروطه. المعركة لا تعتمد على
الأمعاء الخاوية فقط، إنما تمتد إلى الروح برفض الواقع وقوانين الاحتلال.
سحر
القيق، سجانه. غاص في حقل "الباراسايكولوجي" (علم ما وراء النفس أو علم
الخارقية). تحدى المحتل وقوانين البيولوجيا والفيزياء. مارس الحاسة السادسة بصدق
الإرادة. هنا تزول آلام الجوع والعطش لتستقر في نفسه متعة تحقيق الهدف.
وظّف القيق، قدراته
الخارجة عن حواسه. ربما قرأ "كتاب القانون" للانجليزي آليستر كراولي. في صفحاته زعم مؤسس ديانة
"ثيلما" أنه تمكن من استحضار روح "حورس"
(آلهة الشمس عند قدماء المصريين). المسألة ليست سهلة إن دخل فيها الدجل والشعوذة.
لكن قيمة "ثيليما"
هي الأهم. كلمة يونانية تعني المشيئة أو النية. الفكرة ترتكز على الامتلاك الكامل
للإنسان لجسده وروحه وحياته ويمكنه السيطرة عليها بنفسه من دون تأثير خارجي. هي قانون "إفعل ما تشاء".
وبعيداً عن المفهوم الديني، إلا أن أكثر من فيلسوف تحدثوا عن مشيئة الانسان، مشيئة
الله، مشيئة الشيطان. لكن كل المشيئات مرتبطة أصلاً بالانسان كفاعل أو منفذ. عليه
شاء القيق، أن يتمرد ويفرض مشيئته. استحضر روحه وشهادة من سبقه ولم يسأل الفصائل
الفلسطينية رأيهم. لم يستشر أي محامي. لم يلمح لزوجته وذويه بمصيره. إنه الساحر
الباهر. والسحر يرتبط بقدرة الانسان الخارقة غير المكتشفة والطاقات الكامنة داخل
الخلايا والنفس. وعليه فإن السحر حسب كراولي، هو نشاط يغير حالة معينة
معتمدة على إرادة الشخص القائم بها وهو يختلف عن الشعوذة وخفة اليد
والخدع البصرية.
لا يحتاج القيق، إلى "اليوغا" ليحرر نفسه، فهي تحررت حين اتخذ قراره. تصفح
القرآن، عرف قصة النبي موسى مع فرعون وسحرته: فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ.
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ. (سورة الأعراف). لم يعد مجدياً
إلا أن تلاعب المحتل بأسلوبه. النبي موسى مارس السحر بقدرة إلهية أو بشرية، في وجه
السحرة فكانت المعجزة... واستخدم القيق، أسلوب الاحتلال. ألقى الطعام والشراب. ونزع
الملذات المعيشية مقابل انتزاع حرية البقاء مقاوماً. ولأن الإسرائيليين أدرى الناس
بقصة موسى، يتعرفون ويعترفون بقصة محمد القيق. تحول جسم الأسير الهزيل إلى ثعبان،
بنظر الحكومة الإسرائيلية. يخافون موته فتنقلب الدنيا عليهم. يخشون الإفراج عنه
فتكرّ سبحة الاضرابات كما حصل سابقاً ويهزم السجان بارادته.
وبما أن الاحتلال يتحمل مسؤولية
بقاء الأسير على قيد الحياة، يتحمل قياديو الفصائل ذلك. فالحركة المنتمي لها
القيق، ماذا فعلت؟ لماذا لا يتوعد مسؤولو "حماس" الاحتلال قولاً وفعلاً؟
وأين دور السلطة من كل ذلك؟ إن لم يستفز شريط القيق، القيادات الفلسطينية، لماذا
لا يستفزهم فيديو استشهاد الطفلة ياسمين الزرو، أو الاعتداء ماجد الفاخوري، وهو من
ذوي الاحتياجات الخاصة؟ أسئلة أبعد من الدعوة لمؤتمر دولي للسلام أو مؤتمر وطني
للمصالحة. أسئلة لا يجيب عنها سوى أمثال القيق، والشهداء ومن هم في الميدان. القيادة
الفلسطينية بحاجة لسحر واقعي ينقلها من الغياب الى الحضور.