الردّ السوري في الجولان

تدرك إسرائيل الآن، وبعد مطاردة الصواريخ السورية المضادة للطائرات لطائراتها، أن المعادلة العسكرية مع سوريا ستتغير.

قامت الحركة الصهيونية بحثاً عن الأمن القومي لليهود
صدر قرار سوري بالمواجهة أو بالرّد الفوري على الغارات الجوية الصهيونية على مواقع الجيش السوري، وبذلك تنهي سوريا عقوداً من البلاغ العسكري الذي ينصّ على "أننا سنرد في الزمان والمكان المناسبين". هكذا أنعشت سوريا معنويات الملايين من العرب. لكن السؤال المطروح "هل القرار السوري بالردّ استراتيجي ودائم أم هو لمرة واحدة فقط"؟

إذا كان استراتيجياً، فإنه من المتوقع أن تبحث سوريا عن وسائل وأساليب دفاع جوي أكثر تطوراً مما تملك الآن وأشد فاعلية. من المعروف أن السلاح المتوفر لدى الصهاينة أكثر تطوراً من السلاح الذي تملكه سوريا، والولايات المتحدة لا تبخل على الصهاينة بأفضل مما عندها من أسلحة فتاكة. وقد زوّدت أميركا الصهاينة بطائرة إف 35 الاستراتيجية، وسبق أن قدمت لها مختلف أنواع الأسلحة الهجومية لتبقى الدولة الأقوى عسكرياً في المنطقة العربية حتى لو اجتمع العرب على مواجهتها.

أميركا أكثر كرماً على الصهاينة من روسيا على العرب. قد تتكارم روسيا على العرب في نطاق الأسلحة الدفاعية، وليس كل ما يحتاجه العرب للدفاع، لكنها من الصعب جداً أن تقدم أسلحة هجومية تكسر الهيمنة الصهيونية العسكرية. حتى في زمن الاتحاد السوفياتي، لم يأخذ العرب ما يحتاجونه من أسلحة دفاعية إلا بشقّ الأنفس. لم يقدّم السوفيات الصواريخ المضادة للطائرات في عهد عبد الناصر إلا بعدما ارتوت الطائرات الصهيونية من دم المصريين ومن تدمير منشآتهم ومزارعهم.

للروس حسابات مختلفة عن حسابات الأميركيين في المنطقة. الأميركيون حريصون على التفوق العسكري الصهيوني، لكن الروس حريصون على أن تبقى إسرائيل غير مهددة بالزوال. أميركا لا تحسب كثيراً عندما تقدم الأسلحة للصهاينة، لكن روسيا تحسب بدقة، وهي تعي أن الصهاينة أصحاب نفوذ عالمي واسع ومن الممكن أن يدخلوا هم والأميركيون إلى الداخل الروسي عبر ثغرات متعددة ويتعمدوا التخريب. 
عندما تقرر روسيا تسليم سلاح معيّن للعرب يهب الصهاينة نحو روسيا لشرح وجهة نظرهم وإيقاف صفقات الأسلحة. كم من مرة عطل الصهاينة تسليم الصواريخ الروسية المضادة للطائرات لإيران؟ هناك سلاح روسي الآن في سوريا وعلى رأسه "إس 400"، لكن هذه الصواريخ ليست تحت إمرة الأركان السورية، وإنما هي تعمل وفق الإرادة الروسية، بينما تعمل صواريخ "باتريوت" وطائرات إف 35 تحت إمرة الأركان الصهيونية.

لهذا، لا مفرّ أمام سوريا إلا العمل مع إيران لتطوير منظومة صواريخ مضادة للطائرات. طوّرت إيران هذا النوع من الصواريخ، لكننا لم نر حتى الآن فعلها الميداني في سوريا، ولم نر أيضاً الطائرات الإيرانية التي لا يكتشفها الرادار، ولم نر الصواريخ الإيرانية تهبط على مواقع معادية للجيش السوري. 
فهل طوّرت إيران فعلاً كل تلك الأسلحة التي كان يتحدث عنها الإعلام ونرى صورها على الشاشات، أم كانت التصريحات مشابهة لتصريحات الحكام العرب حول قدراتهم العسكرية؟ وعلى أية حال، لا مفرَّ من تطوير منظومات دفاعية مضادة للطائرات وتطوير طائرات يمكن أن تنال من الطائرات الحربية الأميركية التي يمتلكها الصهاينة.

 

من المتوقع أن يمعن الكيان الصهيوني بعدوانه، ومن قبيل العناد وكسر شوكة الجيش السوري سيهاجم من جديد، كما أنّ هناك عدداً من المعايير يأخذها القائد العسكري الصهيوني بعين الاعتبار عندما يقرر الاعتداء:

أولاً: يعي الكيان الصهيوني القدرة العسكرية السورية، ويعرف أن قدرة سلاح الجو السوري أقل بكثير من قدرات سلاح الجو الصهيوني، وأن الطائرات الحربية السورية لا تملك القدرة على المناورة ولا تحوي في داخلها على المعدات التقنية المتكافئة مع الطائرات الحربية الصهيونية. كما أن المضادات الأرضية السورية ذات قدرة ضعيفة على إسقاط الطائرات ولا تشكل مظلّة أمنية تحمي قطاعات الجيش السوري، وإذا كان لهذه المضادات أن تسقط طائرة، فذلك بالصدفة وليس بسبب التطور التقني ودقة الإصابة. ولهذا من السهل على الصهاينة التطاول على سوريا.

ثانياً: يأخذ الصهاينة بعين الاعتبار الإنهاك المعنوي للعرب جيوشاً وجمهوراً. إطلاق الصواريخ السورية تجاه طائرات الصهاينة في 13أيلول/ سبتمبر 2016 دفع بمعنويات الجمهور العربي ومعنويات الجيش السوري إلى الأمام، وشعر الناس كما شعر الجيش بالقوة والعزة واستعادة بعض الكرامة. 
هذا لا يرضي الصهاينة وهم يعملون دائماً على إبقاء العرب وجيوشهم في دائرة الإحباط والقنوط.

ثالثاً: يعمل الصهاينة دائماً على المحافظة على ثقة أناسهم بجيشهم وقدراته العسكرية. تحدّث إعلاميون صهاينة حول إطلاق الصواريخ السورية وقالوا بأن هذا سيحدّ من حرية سلاح الجو في مهاجمة الجيش السوري، وأن مدلولات الحدث كبيرة وتخدم الروح المعنوية العربية. هذا ما لا تقبله القيادة العسكرية، وكان من المتوقع أن تأمر سلاح الجو بضرب سوريا من جديد دون تأخير، وعدم التأخير سياسة عسكرية صهيونية يتم التمسّك بها على الدوام. فقط القيادة العسكرية الصهيونية تتردد في الردّ السريع فيما يتعلق بحزب الله وذلك بسبب قدرته على الردع السريع عالي الدقة والكفاءة. لهذا، نجد المعنويات الصهيونية منخفضة عندما تتعلق المواجهة مع حزب الله الذي لا يمتلك القدرات التسليحية التي يمتلكها الصهاينة، لكنه يملك القدرات التكتيكية التي لا يقدر عليها الجيش النظامي.

رابعاً: قامت الحركة الصهيونية بحثاً عن الأمن القومي لليهود، والكيان الصهيوني ليس إلاّ مشروعا أمنياً يهودياً، ورسالته واضحة لكل يهود العالم وهي أن اليهود لا أمن لهم خارج الكيان، ولهذ لا يمكن للصهاينة أن يهادنوا في مسألة الأمن إلا إذا كانوا عاجزين عن ذلك. هم يؤكدون لأناسهم باستمرار أن الأمن له الأولوية العليا، وأن القادة لا يدخرون جهداً في الحفاظ على الأمن. وجميع العالم يرى كيف أن الكيان يحرص باستمرار وبشكل دؤوب على أمن مواطنيه، ودائماً يقف على رؤوس أصابع أقدامه عندما يتعرض الأمن للخطر.

من هذه المنطلقات لم يكن من المتوقع أن يستكين الصهاينة أو يتجرعوا التراجع أمام الجيش السوري. الآن وبعد أن أكدوا إصرارهم على ضرب الأهداف السورية وقلبوا موازين المقالات التي كتبها كتابهم والتقارير الإعلامية التي بثّت يمكن أن نشهد فترة استرخاء وبضغط أميركي وروسي، لكن التوّقف عن ضرب الأهداف السورية غير وارد ما دامت سوريا لا تملك أدوات الردع.