بين القُصير وحلب.. هكذا يُصنع النصر

لم تخفِ روسيا إعجابها بما تفتّق به عقل المسؤول العسكري لحزب الله في سوريا. وقرّرت نقل التنسيق في سوريا مع الحزب إلى مستوى أعلى. هي مسألة وقت فقط الآن قبل أن تتكشّف معارك حلب عن هزيمة استراتيجية للمُسلّحين ونصر مفصلي للجيش السوري وحزب الله.

لم تخفِ روسيا إعجابها بما تفتّق به عقل المسؤول العسكري لحزب الله في سوريا
قبل أن يستلم القائد العسكري الحالي لحزب الله في سوريا مهامه اقتصر التواصل بين الحزب والجيش الروسي على تنسيقٍ غير مباشر يمرّ بقنوات سورية وإيرانية.

مع إعلان المُسلّحين عن غزوة "أبو عمر سراقب"، انتقل حزب الله بالتكامُل مع الجيش السوري إلى اعتماد تكتيكات لم يعهدها جيش الفتح سابقاً.

قام مبدأ القتال المُستحدَث لدى الجيش السوري وحلفائه على "الدفاع في العمق"، بالإستناد إلى خطّة عسكرية تاريخية هزم بها القائد القرطاجي "هنيبعل" الرومان في معركة شهيرة في إيطاليا.

يسمح القتال في العمق بكسر زخم هجوم المُسلّحين ضمن مهلة زمنية أطول. تم السماح مرّات عديدة خلال الأسابيع الماضية لمُسلّحي حلب بالوصول إلى ذروة الهجوم قبل امتصاصه بشنّ هجوم مُعاكِس انطلاقاً من خطوط دفاعية خلفية.

السرّ في نجاح هذه العملية يكمُن في بناء خطوط دفاعية عدّة وصل عددها في بعض الأحيان إلى ثلاثة. حيث يكون الخط الأول هو الأقل تجهيزاً – عن سابق تصوّر وتصميم - للسماح للمُسلّحين بالتقدّم وإفراغ قوّتهم الهجومية. ويكون الخط الدفاعي الثاني أكثر قوّة نسبياً، بينما تتركّز كامل التحصينات والتعزيزات في الخط الدفاعي الثالث الذي يُشكّل رأس الحربة الحقيقي لحزب الله والجيش السوري في هجومهم المُضاد.

وهكذا كان المُسلّحون يبدأون الهجوم كعادتهم بقصف عنيف يليه دخول المُفخّخات، فينسحب خط الدفاع الأول في الجيش السوري وحلفائه إلى الخط الثاني، مع محاولة الالتفاف وإقامة الكمائن، الأمر الذي يستنزف المُسلّحين ويُشتّت قوّتهم في أكثر من اشتباك داخل بُقعة سيطرة الجيش وحلفائه.

وفي المرحلة الثانية التي يتولّى فيها الجيش السوري وحلفاؤه الهجوم المُضاد يتم اعتماد القصف المدفعي لوقت طويل نسبياً، مع محاولات تقدّم بطيئة بهدف فحص ثغرات العدو، بالتزامن مع نَصب نقاط دفاعية في أماكن التقدّم (تم تنفيذ هذا السيناريو بشكل حَرفي في معارك الـ1070).

في النتيجة، بات المُسلّحون يدورون في حلقة استنزاف دفعتهم إلى إعلاء الصوت طلباً لتجنيد إضافي نظراً لحجم الخسائر في صفوفهم.

 لم تخفِ روسيا إعجابها بما تفتّق به عقل المسؤول العسكري لحزب الله في سوريا. وقرّرت نقل التنسيق في سوريا مع الحزب إلى مستوى أعلى. هي مسألة وقت فقط الآن قبل أن تتكشّف معارك حلب عن هزيمة استراتيجية للمُسلّحين ونصر مفصلي للجيش السوري وحزب الله. نصرٌ ساهمت عوامل عديدة في صناعته:

  1. الدور المحوري الذي لعبه العقيد سهيل الحسن في تسهيل التواصل الروسي مع حزب الله والسير بالرؤية الميدانية المُستحدَثة.
  2. التطوّر النوعي في تبادُل المعلومات العسكرية والاستخبارية بين الأطراف الحليفة للجيش السوري جميعها، خاصة بعد الاتصال المُباشر بين حزب الله والجيش الروسي.
  3. التراكُم عبر السنوات الماضية في إنشاء بُنية عسكرية صلبة يمكن الاعتماد عليها لما هو أهم وأبعد من تحرير الأراضي السورية من الجماعات التكفيرية. أتحدّث هنا عن "إنجازات" حقيقية بلغت في بعض الأحيان حدود تغيير معالم جغرافية واسعة بهدف تحقيق انتصارات عسكرية بعد أشهر وسنين، مع ما يعني هذا التجهيز والتخطيط من أكلاف مادية وبشرية وعسكرية. 
  4. السّمات الشخصية للقائد العسكري لحزب الله في سوريا، والمعروف بكونه شخصاً "ترابي"، بمعنى أنه قريب من المُقاتلين على الأرض ويتقدّم صفوفهم. 

وقبل كل هذه العناصر إرادة التحرير لأصحاب الأرض وحلفائهم.

عودٌ على بدء. انطلق حزب الله قبل سنوات من "القُصير" لنُصرة سوريا. تلمسّ حزب الله خلال السنوات الماضية الساحات الجديدة و راكم الخبرات بدماء شهدائه، حتى استكمل رسم المشهديّة الاحتفالية في "القُصير" نفسها قبل أسابيع قليلة.

بعد حلب، لن يكون الاحتفال "مسرباً" كما حصل في القُصير، بل سيكون علنياً وبمستوى ما يحمل من نتائج ستظهر تباعاً قريباً.